Download PDFSamir Al-Nusairy-Iraqi Economy in Crises
يعاني العراق الان من ازمة اقتصادية ومالية خانقة لم يمر بها منذ تسعينات القرن الماضي عندما فرض الحصار الاقتصادي على العراق بقرار مجلس الامن ( 661 ) واستمر عدة سنوات . والمعروف ان الاسباب الاساسية للازمة الاقتصادية الحالية هو الهبوط المفاجئ والمستمر لاسعار النفط في السوق العالمية ومتطلبات الحرب على الارهاب يضاف اليها اسباب اخرى معروفه ايضا ابرزها سوء ادارة المال العام وعدم اقرار الموازنة العامة لعام 2014 والتصرف باموال العراق بدون تخطيط اقتصادي ومالي سليم . وبالرغم من الاشارات والتقارير الصادرة عن صندوق النقد الدولي بان العراق وبعض الدول المنتجه للنفط سوف تفلس بعد خمسة سنوات . الا ان الرد الاقتصادي العراقي من الدراسة والخلفيات بان الامكانات والعوامل المتوفره لتحقيق الاصلاح الاقتصادي والاصلاح الهيكلي المتوازن والمتنوع للاقتصاد سوف يتمكن العراق من تجاوز الاختلالات والانحرافات في الهيكل الاقتصادي والضعف في الاداء وبشكل خاص ما يتعلق بضعف التنسيق وارتباك الرؤية بين السياستين المالية والنقدية مع الاخذ بنظر الاعتبار التاثيرات الاقتصادية للموازنة العامة المقترحة لعام 2016 استناداً الى المؤشرات والبيانات المعتمدة في اعدادها فيما يخص الايرادات والنفقات والعجز المتحقق واعتماد سعر 45 دولار للبرميل كاساس احتساب الموارد وتوقع تصدير بحدود ( 3.6 ) مليون برميل يومياً .
ان العراق تتوفر فيه مقومات الصمود والنهوض الاقتصادي وتتمثل بوجود النفط وهو يمتلك ثاني احتياطي نفطي في العالم وموارد مائية يؤمنها نهرين عظيمين اضافة الى قوى عاملة تقدر باكثر من 10 مليون نسمة قادرة على العمل . ولكن الذي ادى بالعراق ان يصل الى الازمة الاقتصادية الحالية اسباب عديدة في جوانبها السياسة والامنية والاقتصادية ولكن مازال الامل موجوداً بابناء العراق وخبراءه في الاقتصاد والمال لانقاذه وفقا لما يمتلكوه من خبرات اكاديمية وتنفيذية وتجارب مر بها العراق سابقا ومرت بها بعض دول العالم وتجاوزها بنجاح لذلك سنحاول ان نتطرق الى الاسباب الحقيقية للازمة الاقتصادية والمالية في العراق والفرص المتاحة لتجاوزها وخروجه معافى خلال السنوات الثلاثة المقبلة حتى عام 2018 مع فرضية استمرار الظروف الاقتصادية الموضوعية والذاتية التي يعيشها العراق حالياً .
اولاً – الاسباب والتحديات
1- هبوط اسعار النفط في السوق العالمية
ان المؤشرات والتقارير الدولية ومنظمة اوبك تؤكد ان انخفاض الاسعار سيستمر للسنوات 2016 و 2017 وبمعدلات لاتتجاوز 50 دولار في افضل الاحوال وسيحصل تحسن نسبي للسنوات 2019 – 2020 يتراوح بين ( 60 – 80 ) دولار وهذا يعني ان العراق يجب عليه خلال السنوات اعلاه التخطيط للتحول من الاقتصاد الريعي الى الاقتصاد المتنوع الموارد والاعتماد على تطوير الاعتماد على الزراعة والصناعة والسياحة ومنافذ اخرى واعطاء دور اساسي للقطاع الخاص لقيادة السوق .
2- نفقات الحرب على الارهاب
ان دخول داعش للعراق باجندات خارجية واقليمية اضافت عقبة جديدة امام النهوض الاقتصادي في العراق حيث تم احتلال بعض المحافظات الكبيرة والمهمة وهي نينوى والانبار وصلاح الدين وبعض اراضي ديالى ولمتطلبات الامن الوطني واعادة الاراضي المحتلة ادى ان تنفق الحكومة مبالغ كبيرة كميزانية حرب منذ حزيران 2014 ولغاية الوقت الحاضر مما اضاف تحديا وسبباً اساسياً في الازمة الاقتصادية والمالية .
3- سوء ادارة المال العام
لقد تفاقمت ظاهرة الفساد الاداري والمالي خلال السنوات 2003 ولحد الوقت الحاضر ادت الى الهدر الكبير باموال الدولة والتي هي في حقيقتها اموال الشعب العراقي والتي لم تجد ايادي امينة وعقول تخطيطية اقتصادية لادارة المال العام ووضع الاسس والضوابط والمحددات الاستباقية للسيطرة على حركة الاموال العامة والتي خصصت لاغراض التنفيذ بحدود 900 مشروع استثماري ظهر ان قسماً كبيراً منها وهمياً وقسماً اخر لم يتم تنفيذ اكثر من 50% منه وقسماً ثالث صرفت المبالغ المرصده له الى الشركات والمقاولين القانونين ولم يتم تنفيذ سوى نسبة محدودة من هذه المشاريع يضاف الى ذلك ما يدور الان من تسأولات مشروعة عن الضياعات في الاموال العراقية المستحصلة من عوائد النفط بسبب جولات التراخيص التي وقعت مع شركات نفطية عالمية خلال السنوات السابقة .
4- ضعف تحفيز وتشجيع ودعم القطاع الخاص
لقد عانى القطاع الخاص منذ عام 2003 ولغاية الوقت الحاضر من الضياع وضعف الدعم الحكومي وتشتت الرؤى في تحديد دوره الاساسي في صناعة القرار الاقتصادي وعدم تأمين بنى تحتية لخلق مصادر تمويل اضافية للموازنة اضافة الى عدم توفير بيئة عمل مناسبة لتأمين مناخ استثماري مشجع لجلب رؤوس الاموال الخاصة والمساهمة في التنمية الاقتصادية مما ادى الى هجرة رؤوس الاموال العراقية وتوقف النشاط الاقتصادي للقطاع الخاص في مجالات الزراعة والصناعة والتجارة والسياحة والخدمات .
5- قصور البيئة التشريعية لادارة الاقتصاد
في عام 2004 اصدر الحاكم المدني الامريكي ( بول بريمر ) القوانين التي تنظم العمل الاقتصادي وهي قوانين المصارف والبنك المركزي العراقي وسوق العراق للاوراق المالية والادارة المالية وغسل الاموال واستمر العمل بقانون تسجيل الشركات 21 لسنة 1997 كما صدر قانون الاستثمار رقم 13 لسنة 2006 وتعديلاته واخرها صدر قانون جديد للاستثمار صادق عليه مجلس النواب العراقي .
وان جميع القوانين اعلاه اضافة الى قوانين اخرى كقانون الضريبة والكمارك يحتاج الى اعادة نظر وتعديلات جوهرية تنسجم مع الوضع الجديد لادارة الاقتصاد ولكن بعد مرور كل هذه السنوات مازال الاقتصاد يدار بهذه القوانين التي لم تقدم شيئاً .
6- تفاقم ازمة النازحين
تفاقمت ازمة النازحين بعد احتلال ما يسمى بداعش لبعض المحافظات واضطر السكان للنزوح الى جميع المحافظات حتى بلغ عددهم اكثر من ثلاثة ملايين نازح مما اضطر الحكومة ان تتحمل اعباءاً مالية اضافية لتأمين السكن المؤقت لهم وتأمين الحاجات الانسانية الاخرى مما اضاف للنفقات الحكومية تكاليف كبيرة وانعكس ذلك على الاقتصاد العراقي حيث ارتفعت نسبة البطالة والفقر بسبب ذلك .
7- ارتفاع معدلات البطالة والفقر
بالنظر لسوء التصرف في المال العام خلال السنوات ( 2003 – 2014 ) والانفاق غير المخطط في الموازنات السابقة وخصوصا موازنة 2014 والتي لم يصادق عليها مجلس النواب اصلاً واستلام الحكومة الجديدة لخزينة خاويه يضاف اليها ازمة النازحين بسبب الحرب على الارهاب مما افشل الخطط الموضوعة لتشغيل العاطلين والحد من حالات الفقر بل بالعكس ارتفعت حالات البطالة الى اكثر من 30% ونسبة الفقر الى 25% وهما مؤشران سلبيان على تفاقم ازمة الاقتصاد العراقي .
8- تفاقم الصراعات السياسية والطائفية والمحاصصة
منذ عام 2003 تمر العملية السياسية في العراق بازمة مزمنة ودائمة وهي الصراعات السياسية والطائفية والمحاصصة بين الكتل والاحزاب في السلطة كما اثر ذلك بشكل كبير على ستراتيجية الامن الوطني وانعكس ذلك على خلق ازمات اقتصادية داخلية للعراق حيث انه بدون تثبيت مبادئ اساسية اقتصادية تتعدى حماية الوطن وضمان سلامته من الاعداء الخارجين سوف يؤدي الى ارتباك الامن الوطني وهذا ما حصل فعلاً في دخول داعش الى العراق مستغلا تلك الصراعات ما بين اطراف العملية السياسية .
9- ابعاد التكنوقراط من ادارة الاقتصاد :
ان المحاصصة والتوافقية المعمول بها في العملية السياسية ادت الى وصول قيادات اقتصادية وادارية الى مواقع المسؤولية غير كفوءة ولا تمتلك قدرات وخبرات مهنية وتنفيذية ومنهجية على ادارة المؤسسات الاقتصادية المهمة في العراق مما ادى الى عدم تمكن الحكومات السابقة والحالية من القيام بالاصلاح الاقتصادي المنشود وبقيت الاجراءات والتطبيقات تتراوح في محلها ولم تقدم ما مخطط اقتصادياً ببناء مقدمات الانتقال الى اقتصاد السوق الامر الذي يعتبر تجسيداً واقعياً لابعاد التكنوقراط والخبرات الاقتصادية المهنية من قيادة عملية التغيير المطلوبة مما ادى الى الوصول بالازمة الاقتصادية الى هذا الحال .
فرص الاصلاح الاقتصادي
1- متابعة تداعيات هبوط اسعار النفط :
لغرض السيطرة على تداعيات هبوط اسعار النفط يتطلب من المؤسسات النوعية والمتخصصة الحكومية وتحت اشراف مجلس الوزراء القيام بواجباتها الاختصاصية في المتابعة اليومية لاسعار النفط العالمية وتقلباته بالهبوط والصعود وزيادة الكميات المسرقه وفق ماهو مخطط والصرف وفقا للايرادات الشهرية وان تكون لجنة الازمة المشكلة في مجلس الوزراء فاعلة في هذا المجال.
2- تحفيز وتشجيع ودعم القطاع الخاص :
يتطلب تفعيل وتطبيق المادة د من المحور ثالثا ( تشجيع التحول للقطاع الخاص ) في البرنامج الحكومي والمرحلة الاولى من ستراتيجية تطوير القطاع الخاص ( 2014 – 2030 ) والتي تعتمدها الحكومة حالياً وفق رؤيه جديدة تستند الى ماورد بالمادة 25 من الدستور وهي ( تطوير قطاع خاص وطني حيوي ومزدهر مبادر محلياً ومنافس اقليمياً ومتكامل عالمياً بهدف تحقيق التنوع الاقتصادي والتنمية المستدامه وخلق فرص العمل ) والايمان بان القطاع الخاص يجب ان يأخذ دوره الكامل في قيادة السوق مستقبلاً .
3- تنمية القطاع الزراعي والصناعي
ينبغي لكي يتم مغادرة كون اقتصادنا ريعياً ويعتمد بنسبة 93% على ايرادات النفط يتطلب تنمية القطاعات الاقتصادية الحيوية الاخرى كي ترتفع نسبة مساهمتها في الناتج المحلي الاجمالي بمعدلات تخفض من مساهمة النفط في الموازنة العامة وترفع من موارد هذه القطاعات كالقطاع الزراعي والصناعي والسياحي والقطاعات الاخرى وهنا يجب اتخاذ الاجراءات التالية :
أ- اعادة هيكلة الصناعات المملوكة للدولة والتحول التدريجي نحو القطاع الخاص .
ب- تشجيع الشراكات مع المستثمرين المحليين والاجانب .
ت- تقديم الدعم للمشاريع الصغيرة والمتوسطة ومنحهم القروض الميسرة .
ث- اعادة النظر بالبيئة التشريعية لعمل الصناعة .
ج- توفير البنى التحتية لتأمين متطلبات بيئة العمل للقطاع الخاص .
ح- التوسع في اقامة المناطق الصناعية .
خ- النهوض بواقع الانتاج الزراعي والثروة الحيوانية وتوفير المستلزمات والمعالجات الفعالة للحقول والمزارع لزيادة الانتاج وصيانة مشاريع الري والبزل لتأمين الاحتياجات المائية
د- دعم المنتجات الزراعية المعده للتصدير وتحسين نوعية البذور وضمان الدولة لاسعار شراء تشجيعية للمحاصيل الزراعية المحلية .
4- اعادة النظر بالسياستين المالية والنقدية :
ان الخطوة الاولى للاصلاحات الاقتصادية هو اصلاح القطاع المصرفي بشقيه الحكومي والخاص حيث انه يشكل احد الحلقات الاساسية للنظام المالي وهي احد المنافذ للتمويل والاستثمار لذلك يتطلب اتخاذ الاجراءات التالية :
أ- اعتماد سياسة مالية ونقدية جديدة تؤدي الى اصلاح شامل واعادة هيكلة القطاع المصرفي الحكومي ووضع السياقات والاليات للتنسيق بين السياستين المالية والنقدية .
ب- تفعيل الدور الحكومي في بناء استراتيجية لتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة ووضع وبناء اليات واضحة يشترك فيها القطاع الخاص بشكل فاعل وتفعيل مبادرة البنك المركزي العراقي في هذا المجال .
ت- وضع خطة للتصدي للانهيارات المالية التي يعاني منها بعض المصارف في القطاع الخاص بسبب ظروف نقص السيولة .
ث- التركيز على زيادة الائتمان والتمويل والقروض الميسرة وتفعيل توظيف الودائع في اوجه الاستثمار والاعمار .
5- دور الاصلاح الاقتصادي في تحقيق الامن الوطني :
ان مواجهة الازمة الاقتصادية والمالية الحالية يتطلب العمل والوقوف يحزم لجميع الجهات الحكومية والسياسية والشعبية من اجل حماية العراق وادامة بناء اقتصاده وفق المعطيات الواقعية واعتماد الاصلاحات الاقتصادية باعتبارها استراتيجية اقتصادية لتحقيق الامن الوطني من خلال العمل وفق المبادئ الاساسية والاقتصادية التالية .
أ- بناء اقتصاد وطني سليم متعدد الموارد .
ب- القطاع الخاص يلعب الدور المحوري لقيادة السوق .
ت- توفير الامن الغذائي والدوائي والبيئي للمواطنين .
ث- اصلاح وتطوير القطاع المالي والمصرفي .
ج- اصلاح وتطوير مؤسسات الحوكمه الرشيدة لتقديم افضل الخدمات المواطنين .
ح- الحد من البطالة وتخفيض نسبة الفقر وتأمين العدالة الاجتماعية والعيش الكريم .
6- معالجة مشكلتي البطالة والفقر
ان البطالة والفقر يشكلان مشكلة حقيقية تقف امام الاصلاح الاقتصادي وابرز هذه المشاكل قلة فرص العمل المتاحة للقادرين على العمل وبشكل خاص الخريجين ومما زاد في نسبة البطالة هو ازمة النازحين واغلب الشباب عاطلين عن العمل كما ان ارتفاع نسبة الفقر الى 25% في عام 2015 يحتاج الى معالجة سريعة لتأمين الغذاء والدواء والسكن لهؤلاء وبشكل خاص منهم النازحين الذي يزيد عددهم على 3 ملايين نازح وان الحل المنطقي هو دعم القطاع الخاص وتشجيعه على تشغيل مشاريعه الزراعية والصناعية والتجارية والسياحية وتمويل المشاريع الصغرى والصغيرة والمتوسطة .
(*) باحث وخبير اقتصادي
حقوق النشر محفوظة لشبكة الاقتصاديين العراقيين. يسمح بالاقتباس واعادة النشر بشرط الاشارة الى المصدر. شبكة الاقتصاديين العراقيين 9 / 11 / 2015
الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية