تبنت حكومة أقليم كرستان العراق (الاقليم) سياسة الانفراد بالقرارات النفطية بعيدا عن الحكومة الفدرالية في بغداد بحيث اتفقت مع الشركات النفطية دون علم بغداد، ناهيك عن تبني سياسة نفطية للتعاقد مع الشركات تختلف كليا عن سياسة الحكومة الفدرالية. ومنحت عقودا للشركات في مناطق متنازع عليها ليست تابعة للاقليم. وشيدت انبوبا لتصدير النفط عبر تركيا دون موافقة الحكومة الفدرالية، مما دفع بغداد الى اعتبار النفط المصدر من قبل الاقليم “مهربا” من الاراضي العراقية، وابلاغ الشركات الدولية بالقرار لردعها عن شرائه. تبنت حكومة الاقليم جميع هذه الخطوات في الوقت الذي كانت تدفع الحكومة الفدرالية 17 بالمئة من مجمل الريع النفطي للبلاد الى الاقليم دون العلم رسميا بما يصدره الاقلليم من النفط، لا عن طريق التهريب عبر الشاحنات للدول المجاورة (ايران وسوريا وتركيا)، او عبر خط انابيب التصدير الى ميناء جيهان التركي للاسواق العالمية . وقد دفع هذا بغداد الى توقفها او تأخرها عن دفع المستحقات عليها. من ثم تأخرت حكومة الاقليم في دفع معاشات مئات الالاف من موظفيها والمستحقات المترتبة عليها للدراسات والمشاريع التي تعاقدت عليها مع شركات دولية، ناهيك عن الدفعات لشركات النفط العاملة في الاقليم. وتفاقمت الامور مع انهيار اسعار النفط خلال 2014-2016 ، وتزايد ت الاخطار الامنية مع احتلال داعش محافظة نينوى في حزيران (يونيو)2014. واستمرت حكومة الاقليم على مواقفها من الحكومة الفدرالية رغم التحديات الجديدة وانعكاساتها السلبية، دون الاخذ بالاعتبار التقليص الناتج في استثمارات الشركات النفطية في الاقليم.
تفاقمت الازمة خلال السنتين الاخيرتين. اذ بدأ يتضح تدريجيا ان جيولوجية الاقليم ليست واعدة كما تردد في باديء الأمر. فقد بدأت تعلن الشركات العاملة عن تخفيض الاحتياطي والانتاج .
أشارت الاحصاءات الاولى عن طاقة حقول الاقليم انتاج حوالي مليون برميل يوميا في حوالي هذه الفترة. لكن، تراوح انتاج الحقول نحو 225 ألف برميل يوميا، بينما تراوح انتاج حقل “باي حسن” و “قبة افانا” في حقل “كركوك”نحو 275 ألف برميل يوميا. سيطرت قوات البشمركة على حقل “كركوك” عند تحرير المنطقة من داعش في 2014 . وكانت تدير حقل كركوك شركة نفط الشمال التابعة للحكومة العراقية. وكما هو معروف فان محافظة كركوك هي منطقة متنازع عليها ما بين الحكومة الفدرالية وحكومة الاقليم.
تقلصت مؤخرا معدلات الانتاج والتصدير، مما أدى الى احتجاج الشركات ، بالذات المستقلة والصغيرة منها، التي بادرت الى الاستثمار في الاقليم، متوقعةارباحا عالية، رغم المخاطر. من المعروف عن الشركات النفطية المستقلة انها مستعدة للولوج في المناطق العالية المخاطر لتوقعها الحصول على ارباح عالية وسريعة . كما من المعروف ايضا عن هذه الشركات ان موازناتها المالية محدودة، فاذا حصل اي تأخير في المستحقات ، اما تأخير لتعويض المصاريف من قبل السلطات ، او نتيجة معلومات سلبية عن جيولوجية الحقول تختلف عن المعلومات الاولية، او نتيجة صعوبات في التصدير. تبادر الشركات المستقلة بتقليص خسائرها وتخفيض استثماراتها. وهذا ما يحصل الان في الاقليم. فالمشكلة النفطية للاقليم قد تغيرت،واصبحت متعلقة بجيولوجيا المنطقة، وليس فقط الخلافات مع بغداد.
بلغ انتاج الاقليم في اواخر كانون الاول (ديسمبر) 2016 نحو 600 ألف برميل يوميا. والمتوقع ان يبلغ الانتاج في 2017 نحو 580 ألف برميل يوميا. تشمل هذه الارقام ما يستقطعه الاقليم من حقل كركوك.
هناك ثلاث حفول رئيسة في الاقليم. اهمها حقل “طق طق” وتديره شركة “جينيل” ذات الملكية التركية-البريطانية، تأسست الشركة بمبادرة من توني هوارد ، الرئيس السابق لشركة “بريتش بتروليوم- بي بي” ورئيس “جينيل” الحالي والمستثمر ناثانيال روثشيلد اللذان أسسا شركة “فالاريس” التي تشاركت مع “جينيل اينرجي” التركية . وتشاركت “سينوبيك” الصينية في مشروع “جينيل” . خططت “جينيل” لانتاج 200 ألف برميل يوميا من “طق طق” وصدرت نحو 90 ألف برميل يوميا بالشلحنات الى تركيا في باديء الأمر .
بدأت تصدر المعلومات السلبية عن “طق طق” منذ اوائل 2016.أدت المعلومات السلبية الاولى الى حالة من التخوف عند الشركات العاملة ، نظرا لتدهور اسعار النفط العالمية في حينه، وخطورة الوضع السياسي المحلي مع اقتراب معركة تحرير محافظة نينوى من داعش والخلافات المستمرة مع بغداد .وساد الخوف عند الشركات ايضا لاهمية حقل “طق طق” في الاقليم، اذ يشكل نفطه الخفيف عنصرا مهما في تحسين نوعية الصادرات، حيث يطغي النفط الثقيل في بقية الحقول.
وصدر بيانا ثانيا عن “جينيل” في 28 آذار 2017 مفاده ان الاحتياطي لحقل “طقطق” في 31 كانون الاول 2015 كان نحو 172مليون برميل من النفط. وقد انخفض الاحتياطي بنحو ثلثي المعدل المعلن تقريبا في28 شباط 2017 ليسجل 59 مليون برميل. كما أشار البيان الذي نشر على موقع الشركة الالكتروني ان انتاج “طق طق” سجل 19 ألف برميل يوميا في اخر اذار 2017، مقارنة بنحو 36 ألف برميل يوميا في نهاية 2016. من الجدير بالذكر ان ذروة انتاج “طق طق” كانت في نيسان 2015 حيث وصل انتاج الحقل نحو 145 ألف برميل يوميا. وذكر البيان ان السبب الرئيس للانخفاض هو زيادة كمية المياه التي صاحبت انتاج النفط، وهذه عادة مؤشرا سلبيا .
تزايدت البيانات السلبية من شركات النفط الاخرى العاملة في الاقليم. اذ اعلنت شركة “اكسون موبيل” في صيف 2016 عن تخليها عن ثلاث من مشاريعها النفطية في الاقليم لأن الاستكشاف الاولي لم يدل على تواجد جيولوجيا موعودة.
(*) خبير نفطي عراقي متخصص في امور الطاقة.
كلامك جدا صحيح ودقيق وانا اعتقد ان الحل قد يكون توجة الحكومة العراقية الى شراءاكبر كمية من اسهم هذه الشركات المستثمرة في حقول النفط اذا كانت معروضة للبيع في بورصة لندن او غيرها وقد اكون على خطا لان مثل هذه الشركات النفطية لايرغب مالكي اسهمها بالبيع