لتنزيل المقال كملف بي دي أف انقر هنا
بين الفينة والاخرى، وحسب مقتضيات مصالح المهيمنين على الاجهزة الحكومية المختلفة، يطل على قناة العراقية مسؤول او آخر بمقابلة تتم التهيئة لها مسبقاً. ففي يوم 4 تشرين الثاني 2012، قابلت العراقية قصي السهيل نائب رئيس مجلس النواب الذي صار يتقرًب من رئاسة الحكومة. وعلى ما يتردد في الانترنت من إدعاءات (اكدتها مصادر من المنطقة الخضراء)، فإن السهيل قد مُلٍكَ بيتاً عامراً هناك. واذا ما صحت هذه الواقعة، ناهيك عما تتداوله الفضائيات عن توزيع اراضي الدولة لمسؤولين كبار، فسيتضح بأن تمليك عقارات واراضي الدولة أمسى وسيلة معتمدة بأكثر من عهد لكسب الولاء السياسي. ومما يبعث على القلق ان هذه التمليكات صارت تتم دون مشروعية اخلاقية لتوزيع الاراضي والاملاك، اذ يلاحظ إعطائها لذوي الرواتب المجزية ،وهم بأحيان كثيرة، نفس الذين يستلمون مخصصات اسطورية للحراسة وغيرها من المنافع التي يتم تحويلها لصالحهم من افواه الفقيرات والفقراء[1].
في المقابلة المشار اليها، شَهًرَ السهيل بمحافظ البنك المركزي الدكتور الشبيبي بالاسم معتبراً ان ارتفاع سعر الدولار مقابل الدينار آنذاك الى 1223 دينار هو “فساد”. وفي هذه الايام، وبعد حوالي اربعة شهور ونصف من ادارة السيد عبد الباسط تركي، تدهور سعر صرف الدينار العراقي مقابل الدولار بشكل حاد باسواق بغداد إذ تراوح معدله الوسطي خلال 6 – 13 آذار 2013 بين 1250 و 1255 دينار متجاوزاً، وبهامش كبير، ال 1196 دينار للدولار يوم 14 تشرين الاول 2012، وهو اليوم الذي أزيح فيه الطاقم المهني السابق للبنك. ورغم هذه القفزة بسعر صرف الدولار، فلم تثر حفيظة السيد السهيل الذي اقام الدنيا ولم يقعدها على سعر صرف ادنى بكثير قبل اربع شهور فقط لا غير. وبالطبع، يصمت هو (و مُشَهٍرين غيره) عن ظاهرة تدهور سعر الصرف في ظل الادارة الحالية بالوكالة ليتبين للقاصي والداني ان الحملة على ادارة البنك المركزي السابقة كانت مُسَيًسة. لقد بقي السهيل واقرانه إما عاجزين عن استيعاب المسببات الاقتصادية لتدهور الدينار او انهم لا يريدون الإفصاح عن حرجهم ازاء هذا الانهيار السريع في عهد الذي نصًبوه على مقدرات سياستنا النقدية . وفي أحسن الأحوال ، قد يُعزى هذا العجز لانعدام المعارف بعلم الإقتصاد للجيولوجي قصي السهيل، والذي يبدو ان ثقافة الاعتذار لم تتمكن منه بعد فظل تصويب ما بدر منه تجاه الدكتور الشبيبي صعباً في ظل اقتراب مواقفه مع المالكي. وبهذا، يبدو إلتحاقه بكثيرين ممن غَيًروا ولاءاتهم مع تغير دفة الموازين السياسية والمالية منذ 2010. و يلاحظ أن اقترابه من المالكي كان على حساب علاقاته بصدريين ناقدين لمواقف رئيس مجلس الوزراء في قضية المركزي، فالاختلاف واضح بين تصريحاته التهجمية تلك والتعاطف الواضح مع الشبيبي الذي ابداه عدد من النواب الصدريين.
وبعد فشل حملات التشهير المفتوح والمفضوح بمحافظ البنك المركزي من قبل غير المتخصصين بعلم الاقتصاد والتي نفًذها السهيل ومن قبله بديل علي الدباغ هيثم الجبوري، عادت اوركسترا قناة العراقية للعزف منذ اوائل هذا الشهر بقيادة عبد الباسط تركي. وقد ادركت الدولة خلال الشهور الاربعة الماضية ان احد اسباب فشل حملاتها تلك هي السمعة الطيبة التي اكتسبها الدكتور سنان والبعض من زملائه المهنيين من عملهم الوظيفي. ويعزى ثاني مسببات ذلك الفشل لتوسع الحملات التضامنية معه ومع زملائه الذين تم اعتقالهم بعسف واضح، كما نُشِرَتْ مقالات مساندة كثيرة كتبها عدد ملحوظ من ابرز كتاب ومثقفي العراق . لذا، فقد قامت الحكومة بتنفيس بعض الاحتقان في ظل الوضع المتأزم بالانبار باطلاقها سراح نائب المحافظ الدكتور مظهر محمد صالح، وإنْ بكفالة، كما اطلقت سراح حوالي 20 موظفة من موظفات البنك المركزي في حين بادرت لإعادة اعتقال السيدة فوزية كاظم صاحبة المقابلة التلفزيونية الجريئة على قناة البغدادية يوم 8 كانون الأول 2012 والتي كشفت فيها ،بجرأة وشجاعة لافتتين، بطلان الكثير من الادعاءات.[2] وجاءت هذه الاجراءات “التنفيسية” متقاربة زمنياً مع افتضاح فساد صفقة الاسلحة الروسية والذي كشفه الجانب الروسي مما اجبر رئيس الوفد الذاهب الى موسكو بنية التعاقد، اي السيد نوري المالكي، على اقالة ناطقه الرسمي (الدكتور؟؟ من اية جامعة؟؟ ) علي الدباغ ليختفي أثر هذا الاخير من وسائل الاعلام برمشة عين.
لقد حاولت الحكومة تضبيب مأزق الفساد في صفقات السلاح عبر توجيه الانظار بعيداً عن ديوان مجلس الوزراء والمقربين منه، فخلال تشرين الثاني وكانون الاول 2012 حشدت الحكومة قوات شرقي دجلة قرب الحدود الادارية لإقليم كوردستان فتأجج التوتر ودارت احاديث عن احتمالات اندلاع صدامات عسكرية هناك. وبعد اعتقال حراس رافع العيساوي وتصعيد المظاهرات والتوترات في الانبار والموصل، أُطلقت تصريحات خطيرة من قبل رئيس الوزراء عن حرب اهلية محتملة لدينا سببها تداعيات الحرب الاهلية في سوريا. وكان من نتائج سياسة خلق الازمات هذه قبل انتخابات نيسان القادم لمجالس المحافظات تأجيج الطائفية والعنصرية، وهذا ما يسعى اليه سياسيون كثار من عدد من الكتل الطائفية التي فشلت بتقديم الخدمات الى الشعب. إذن، يبدو ان احد اسباب التصعيد الاعلامي الآن هو توجيه الانظار بعيداً عما رشح من فساد صفقة الاسلحة من جهة، ومحاولة كسب الاصوات على اساس الاصطفا ف الطائفي وذلك من الجهة الاخرى. لذا لم تعد كتابات مسؤولين كبار في هيئة الاعلام العراقي بمقالاتهم (الشخصية؟؟) التي روًجوا فيها للتقسيم امراً غريباً[3] ليعودوا بعدها لمحاولة إحياء ما مات من إتهامات (اتت بلا أسانيد) عن وجود “فساد مفترض” بتعاملات البنك المركزي قبل ازاحة محافظه وهو في طريق العودة الى الوطن من مؤتمر دولي باليابان وتهديده بإلقاء القبض عليه دون حق الخروج بكفالة
وكما يأمل الكثير من المخلصين هو ان تتضح هذه الامور للرأي العام ليقوم اوسع قطاع من ابناء الشعب بإفشال دعوات التضليل والتقسيم هذه. ولا شك، فقد كان للتصريحات المسؤولة والحريصة على الوطن والدم العراقي من عدد من المراجع الدينية الشيعية والسنية الاساسية، من التي تحضى باحترام واسع ، دور في لجم اقلام دعاة التقسيم
وللأسف، أتت طروحات التقسيم انعكاساً لفشل الحكومة منذ ايار 2006 بتقديم ما يتناسب وحجم الإنفاق العام على الخدمات البلدية والمجاري والكهرباء والطرق والاسكان والتعليم والتنمية الاكثر تكافؤاً للمحافظات، فقد تكرًس هذا الفشل بانكفاء الحاكمين خلف جدران المنطقة الخضراء التي عزلتهم عن مِحَنِ العراقيين في تفشي الفقر والبطالة والتهميش وضعف اجهزة الامن والعدالة.
ونظراً للإصرار على تهميش الكفاءات العراقية المتمرسة (وللعراق منها عدد ملحوظ في الشؤون الاقتصادية استفادت منه مؤسسات الامم المتحدة والبنك الدولي ومنظمات دولية عديدة) فقدعزف الطاقم الحكومي الحالي، وبتعمد، عن الاستفادة من خبراتها، فقد ظلت السياسات والبرامج التنموية رهناً بمحدودي المعارف والخبرات، ناهيك عن الجهلاء في علم الاقتصاد الحديث ليستمر هؤلاء بمحاربة ما تبقى من مهنية في اجهزة القرار الاقتصادي. وللأسف يهيمن عدد من هؤلاء على مكاتب ديوان مجلس الوزراء كما في الوزارات والهيئات المسؤولة عن الشؤون المالية والتنموية. لذا، ليس غريباً البتة ان ينكشف عجز الحكومة عن حل مشاكل البطالة والفقر والترمل والتيتم وضعف الخدمات الاساسية في الوقت الذي تضخمت فيه الاجهزة العسكرية والامنية دون كفاءة تُذكر. وقد فاقم من هذا العجز التوجه لتوزيع ثروات العراق واصوله الثابتة والعقارية على المحاسيب الجدد . اما مداخيل النفط، فكادت ان تصبح حِكراً على شريحة الموظفين ورجال الامن والعسكر وحواريي كبار المسؤولين من المقاولين وتجار الاستيراد، كما إمتصتها فئات اجتماعية – سياسية نهمة وضعيفة المعارف الثقافية والتقنية كانت في غالبيتها رثة اقتصادياً. وكانت سيطرتها على الحكم وتقاسمها اياه عبر المحاصصة سبب ثرائها السريع والذي أفقد الكثير من افرادها توازناتهم القيمية والدينية في خضم سعي محموم للحفاظ على المكاسب .
وضمن اطار اوسع، تأتًى الفشل الواضح للحكومة منذ ايار 2006 في تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية مستدامة ايضاً بسبب تغليب الاعتبارات السياسية الآنية على الرؤى الاقتصادية الاستراتيجية وطويلة الاجل. وكان لضعف المعارف الاقتصادية لرئيسها، والذي اقر به علانية في عدة مقابلات تلفزيونية، وهو الذي ظل عازفاً عن الاستعانة بتكنوقراط اقتصاديين ذوي مكانة وخبرة واحترام مهني، احد اسباب الفراغ الهائل في سياسات الدولة. وقد عمًق من ازمة ضعف المهنية الاقتصادية في اجهزة الدولة ان الطاقم السياسي الاول فيها، وبالاخص في وزارتي المالية والتخطيط لا علاقة له بعلم الاقتصاد!! وقد يسًر هذا الضعف السياسي – المؤسسي على المالكي فرض اعتبارات المصالح السياسية الآنية فتوزعت الموازنات المتعاقبة في عهده باتجاه ظل محابياً للانفاق التشغيلي وعلى حساب التضحية بمتطلبات التنمية. ورغم المليارات التي تدفقت على الحكومة، فقد ظل الاثر التنموي للإنفاق الحكومي هزيلاً ليزداد السخط في ارجاء مختلفة من الوطن. وظلت التنمية خارج قطاع النفط ضعيفة بسبب العزوف عن السعي الجاد لبناء القدرات المؤسسية والذي كان سيتطلب توهين المكانة الادارية والسياسية لذوي المصالح من الفاسدين كان عدد كبير منهم قد زوًر وثائق تعليمه.
إن السعي الجاد نحو التنمية والتطور كان سيتطلب سياسات كفؤة لإنتشال مؤسسات القطاع العام من ازماتها الادارية والتمويلية اضافة الى سياسات فاعلة لتدعيم القطاع الخاص في قطاعي الزراعة والصناعة التحويلية والتي تقتضي بحدها الادنى الحد من اغراق السوق الوطني بالمستوردات. اما ما فعلته الدولة في هذا المجال فهو عكس المطلوب إذ أجًل مجلس الوزراء تفعيل قانون التعرفة الجمركية للعام 2010 ثلاث مرات ليستمر تدفق المستوردات السلعية على حساب نمو قطاعي الصناعة والزراعة ناهيك عن آثار انهيار هذين القطاعين في تفاقم البطالة والفقر. [4]
لقد توجهت الحكومة الى كسب الولاء على حساب النمو الاقتصادي الحقيقي في القطاعات غير النفطية. وقد توسعت بالتشغيل في الاجهزة الامنية والعسكرية ناهيك عن الاجهزة المدنية التي تضخمت كوادرها دون انتاجية تذكر. ومن ناحية اخرى، ولغرض تمويل هذا التوسع دون الاضطرار الى العجز او الى فرض الضرائب، فقد ركزت الحكومة مجهود الاستثمار في قطاع النفط لتتوسع بتعاقداتها مع الشركات الدولية من اجل زيادة الانتاج. وكان الهدف المعلن اول الامر انتاج 12 مليون برميل يوميا عام 2017 عبر جولات التراخيص المبتسرة التي كان لتحقيق اهدافها الانتاجية بهذا الحجم آثار خطيرة. ومن اهم هذه الآثار هو الاستنزاف السريع لاحتياطيات العراق من النفط والغاز على حساب المستقبل[5]. ولعله من حسن حظ الجيل القادم ان هذه الخطط الحكومية لم تكن واقعية وذلك بسبب افتقارها الى المعرفة بقوانين العرض والطلب وآثارها السعرية على ايرادات العراق من تصدير النفط. ويتضح ذلك من تراجع التصريحات الحكومية عن هذا الرقم. وقد أقرًت الحكومة قبل وهلة قصيرة ضمناً بانعدام الواقعية في تحديد هدف انتاج 12 مليون برميل يومياً عام 2017. وعلى هذا الاساس، تكون وزارة النفط قد زجًت الدولة بتعاقدات ستكلف العراق اموالاً غير قليلة مع عدد كبير من شركات عقود الخدمة التي حددت لها اهداف انتاج (واستثمار) غير ممكنة التحقيق سيتكبد تبعاتها المواطن تكاليفاً ستستردها هذه الشركات من عوائد النفط المنتج.
لقد جاء ارتفاع اسعار النفط منذ 2009 لينقذ الموازنات الحكومية المتعاقبة من العجوزات التي كانت تخطط لها ولتتحقق للدولة فوائض مالية كبيرة في نهاية كل عام. وعلى ما يبدو، فان كلاً من وزارة المالية وديوان الرقابة المالية لا يريدان البوح للشعب العراقي بالحجم الكبير لهذه الفوائض. وقد استمر ديوان الرقابة المالية ، والذي يراجع بتقاريره قطاعات متعددة، بمهام المراجعات لقطاعات فرعية في الوقت الذي أحجم فيه، ولسنوات طويلة، عن إعداد الحسابات الختامية للدولة . كذلك ، فقد أحجم عن التطرق الى سياسات واداء قطاعات اساسية تقع ضمن مسؤوليته الرقابية. ويلاحظ ان هذا الديوان لا يتطرق الى ما انفقه ديوان مجلس الوزراء إلا بالكثير من التردد والهامشية في محتوى التحليل الرقابي . و يلاحظ هنا مثلاً، وليس على سبيل الحصر، هزال ما تطرق اليه هذا الديوان عن كيفية وحجم انفاق رئاسة مجلس الوزراء لموارد لم يخصصها مجلس النواب لها من الموازنات المالية . وبدلاً من التطرق الى هذه الامور الاساسية، فقد اسمعنا الديوان نقداً خجولاً حول بناء مخبز بحوالي 49 الف دولار
لم نسمع من ديوان الرقابة ومن رئيسه عن كيفية انفاق المنافع الاجتماعية في ديوان مجلس الوزراء ولم يهمس رئيس هذا الديوان شيئاً عن مسببات سفر احد التجار المقربين من مدير عام ديوان مجلس الوزراء في رحلة شراء الاسلحة الروسية بل لم نسمع من هذا الديوان العتيد لحد اليوم عن مجريات التحقيق في صفقة السلاح الروسي التي اعترف كبار المسؤولين بفسادها كما لم نسمع منه ولا همهمة واحدة عن قطع الاراضي الفاخرة على ضفاف نهر دجلة في مدينة الكاظمية وغيرها التي قالت احدى الفضائيات انها “بيعت” لكبار المسؤولين باسعار رمزية.
مقابل كل هذا الصمت الواضح ، نرى ان رئيس ديوان الرقابة المالية صار يصول يميناً وشمالاً للتشهير الضمني بالقيادة المهنية لمحافظية البنك المركزي ليحل هو محلها. وقد ضرب رئيس الديوان المذكور عرضاً بقاعدة تلافي “تضارب المصالح” في التدقيق المالي فلم يخفي في مقابلته على قناة العراقية في 1 آذار المنصرم طموحه القوي لأن يصبح محافظاً اصيلاً للبنك المركزي. وكما يعلم السيد تركي، فإن اجراءات التدقيق المالي المعمول بها عالمياً تناقض ما قام به من خرق مهني فاضح يبدو ان احد اهدافه يخص طموحاته الشخصية إذ ادعى ان عمله هناك هو في مجال “اختصاصه”. ولم يفلح تركي بإقناع مشاهديه بعدم وجود تضارب بين مصلحته الشخصية كطامح للاستمرار بادارة البنك المركزي وقيامه بالتدقيق على مجريات العمل هناك عبر ديوان الرقابة المالية إذ صار هو “الخصم والحكم”
للاسف، فإن الادعاءات المشخصنة في حديث السيد تركي ضمن المقابلة على قناة العراقية كانت واضحة لكل ذي عقل وخبرة
ومن الامور اللافتة ان السيد تركي ،الذي ادعى في المقابلة بأن السياسة النقدية هي من اختصاصاته، تناسى بأنه لم يعمل يوما واحدا قبل تكليفه الاخير في تشرين الاول عام 2012 في قطاع الصيرفة الخاصة او العامة. وتخبرنا سيرته الذاتية المنشورة على موقع البنك المركزي بأنه عمل ملحقا في وزارة الخارجية (1973-1979 ) ومن ثم في وزارة المالية (1979-2001) لينتقل بعدذاك للعمل كخبير في الدائرة الاقتصادية في ديوان الرئاسة <الصدًامي> (2001-2003)[6] وبالتالي فقد تركزت خبرته بالعمل في السلك الدبلوماسي وفي أروقة وزارة المالية لإثنين وعشرين عام، وهي اعوام إتسمت بكونها احد اسوأ عصور التبذير في الانفاق على الحروب، والذي مُوٍلَ بطبع النقود والقروض، وكان فيه البنك المركزي تابعاً لوزارة المالية. وقد أسهمت تلك التبعية، مع انهيار سعر صرف الدينار، في دخول اقتصادنا حقبة مظلمة من التضخم الحلزوني المفرط استولى فيها اساطين الحكم آنذاك على الكثير من احتياطي العملة الاجنبية للبنك المركزي.
وعلى ما يبدو،فقد بقيت اسهم السيد عبد الباسط تركي مرتفعة لدى “رئاسة النظام السابق” على رغم اعدام صدًام لعمه ووالده والذي لم ينس في المقابلة القول انه عاش في ظلها “يشتري الصمون من المخابز لأهله ” ليحاول بذلك ان يغمز من قناة خبراء اقتصاديين رفضوا خدمة الدكتاتور وقاوموه في الخارج بأقلامهم، ومنهم المحافظ الذي استطاع ازاحته عبر تقارير رفعها الى اناس لا يعرفون الكثير في علم الاقتصاد والسياسة النقدية ومنهم السهيل والنجيفي وغيرهم . وقد استخدم السيد تركي تقارير ديوان رقابته هذه لتحقيق طموحاته، اذ يلاحظ انه لم يعطِ البنك المركزي وقتاً للرد عليها – كما هي العادة في اجراءات التدقيق – وذلك قبل إصدار أربابه اوامر القبض والإقالة العجولة
خلاصة الامر ان السيد تركي اتى للمشاهدين يوم 1 آذار بعد تزايد التساؤلات البرلمانية حول ادائه الذي انعكس جزئياً بتدهور سريع في متوسط سعر صرف الدينار. وقد كان هذا السعر 1196 دينار للدولار يوم ازاحة الدكتور الشبيبي، أي 14 تشرين الاول 2012 وصار 1255 دينار في ظل إدارته كمتوسط عام في مدينة بغداد في حين باعه صرافون بما وصل الى 1270 و1280 دينار.
سعى السيد تركي لتبرير اخفاقه السريع في الحفاظ على استقرار سعر صرف العملة دون ان يقنع المتخصصين (بأن كل شيء تحت السيطرة). ولا شك فإن انهيار الدينار بشكل سريع صار مُقلِقاً للرأي العام لتداعياته المحتملة – ان استمر- على معدلات التضخم . ولا شك ايضاً ، فإن احدى اهم المهام لأية سياسة نقدية، وفي اية بقعة في العالم، هي في لجم معدلات التضخم والسيد تركي – في تلك المقابلة الميمونة – لم يتطرق الى آثار سياسته بهذا المجال . لذا فقد جاءت مقابلته على قناة العراقية خالية من التطرق الى السياسة النقدية ودورها في لجم التضخم .
لقد كان تحجيم التضخم من اهم منجزات الادارة السابقة للبنك المركزي والسيد تركي لم يكن ينوي الاقرار بهذا الانجاز للدكتور الشبيبي بل سعى للغمز من قناة ادارة مهنية سبقته واستطاع ازاحتها بنفس الطرق التشهيرية التي عهدناها في زمن النظام السابق الذي ترعرع في كنفه. وأتت هذه الإزاحة في ظل حكومة تفتقر للمعارف الاقتصادية الرصينة إتخذت قراراً مسيساً بإمتياز ، ولسبب صار واضحاً ومعروفاً، ألا وهو رفض الدكتور الشبيبي مخالفة قانون البنك المركزي لعام 2004 المادة (26) وهي المادة التي تحظر إقراض البنك المركزي للحكومة.
*) مستشار إقتصادي دولي سابق وباحث إقتصادي
الهوامش
[1] في 2004استمعت في احد اجتماعات الامم المتحدة الى مدير عام باحدى الوزارات المهمة – وهو الآن وكيل وزارة اساسية في العراق مسؤولة عن التنمية – وكان قد خدم النظام السابق لسنوات، حيث أفصح ان صدام حسين امر في العام 2002 بتوزيع مليون و200 الف قطعة سكنية على موظفي الاجهزة الحكومية المختلفة بقصد شراء ولائهم. وها نحن اليوم نسمع عن توزيع دور مملوكة للدولة واراضي مملوكة لمحافظة بغداد على مسؤولين كبار مقابل رسوم مالية طفيفة في حين يقبض هؤلاء مرتبات ضخمة. ونسمع ايضاً عن اعطاء نواب سيارات مصفحة، والكثير من هؤلاء كانوا “يتبرعون” بالقيام بحملات اعلامية ضد خصوم رئيس الوزراء بعضها اتت لتشويه صورة البنك المركزي تمهيدا لاقالة قيادته السابقة التي غضب عليها. ما اشبه اليوم بالبارحة عند إستخدام موارد الشعب لكسب الولاء
[2] ظهرت السيدة فوزية كاظم علي في مقابلة على برنامج التاسعة مساء في قناة البغدادية يوم 8 كانون الاول 2012 مفندة الكثير من ادعاءات الفساد بمزاد البنك المركزي ومبينة ان سبب المشكلة هو رفض الدكتور الشبيبي مخالفة قانون البنك المركزي واقراض الحكومة.
عن شجاعة السيدة فوزية راجع : د. سلام سميسم – الحاجة فوزية كاظم ….شجاعة تليق بالفرسان والمنشورة في الصباح الجديد يوم 20 شباط 2013.
[3] قام السيد محمد عبد الجبار الشبوط رئيس شبكة الاعلام العراقي بكتابة عدة مقالات لفتح باب الحديث عن تقسيم العراق منها على سبيل المثال :
- “الخطة باء كردياً” المنشورة في مدونة صوت العراق يوم 4/12/ 2012
- “النموذج اليمني” المنشورة في صحيفة الصباح الرسمية الحكومية يوم 13 كانون الثاني 2013 والمعاد نشرها في صوت العراق
- ” المحذور قد يقع” والمنشورة في صوت العراق يوم 26 كانون الثاني 2013.
- وكتب السيد سالم مشكور، وهو على ما نعلم عضو مجلس امناء هيئة الإعلام مقالاً اكثر صراحة في دعوته الى التقسيم بعنوان “وحدة العراق ليست مقدسة” الصباح الجديد في 9 كانون الثاني 2013
[4] لتحليل موسع عن هذا الموضوع، راجع فاضل عباس مهدي – في الجدل الدائر حول قانون التعرفة وتأجيل العمل به والمنشور على موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين في 24 ايار 2012
[5] راجع Fadhil A.Mahdi – Iraq 2023: Sustainable Development or a
Bloated Oil Economy? Energy and Geopolitical Risk , January 2010,Vol I, No.1 pp-15-19
[6] من السيرة الذاتية لعبد الباسط تركي سعيد المنشورة على موقع البنك المركزي .
لآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي موقع شبكة الإقتصاديين العراقيين بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها
شبكة الاقتصاديين العراقيين –16/3/2013
خبير اقتصادي عراقي عمل مع وزارة النفط ووزارة التخطيط وكمستشار اقتصادي مع برنامج الامم المتحدة للتنمية الاقتصادية
عزيزي السيد مهدي البناي المحترم
شكرا على تعليقاتك
سأبدأ بأن اسألك السؤال التالي:
لنفترض ان سياسة البنك المركزي لم تتوجه كاولوية اولى لتحقيق الاستقرار الاقتصادي عبر استقرار سعر الصرف، فما الذي كان سيحدث بالنسبة لمعدل التضخم؟ وما هو اثر التضخم السريع الذي ورثه العراق من حقبة التسعينيات على الفقر وتوزيع الدخول ومستويات المعيشة؟
لقد كان سعر الصرف في نيسان 2003 حوالي 3500 دينار للدولار وتحسن سعر الدينار الى 1459 دينار في حزيران وهذا التغير يعكس لنا اهمية التوقعات زائدا العرض من الدولار على سعر صرف الدينار العراقي الذي كان عملة منهارة كما تعرف.
في نهاية عام 2004 كان سعر الصرف اقل قليلا منه في حزيران 2003 اذ بلغ 1462 دينارا وكان التضخم يزداد بوتيرة عالية فقد بلغ الرقم القياسي العام للاسعار 8599.7 في كانون الثاني 2004 الا ليرتفع الى 10639.1 في كانون الاول . وحسب الارقام الرسمية، كان معدل التضخم عام 2003 على اساس 12 شهر 28.62% وكانت الضغوط التضخمية في الاقتصا د شديدة مع ازديا د الانفاق العام وانفاق قوى الاحتلال فارتفع معدل التضخم ل 12 شهر الى 31.61% في كانون الاول 2005 ومن ثم الى 64.83 % في كانون الاول 2006 مما اجبر السياسة النقدية على اتخاذ اجراءات مشددة لخفض التضخم منها رفع اسعار الفائدة لينخفض بعدها معدل التضخم الى 4.67% في كانون الاول 2007. و في كانون الاول 2008، استقر معدل التضخم ب 6.75% على اساس 12 شهر وحتى تراجع معدل التضخم الى سالب 4.41% في كانون الاول 2009 والذي عكس ايضا الازمة التمويلية للموازنات الحكومية مع الانخفاض الحا د باسعار النفط وايراداته. (الارقام من البنك المركزي منشورة في 6 آذار 2013). من هذه الارقام، يتوضح بان التوسع السريع بالانفاق العام والاجنبي كان تضخميا ً وبشكل حا د وكان من الضروري للبنك المركزي ان يحاول تعقيم بعض هذا التوسع عبر سياسات تحقق الاستقرار النقدي وتحجٍم التضخم بعد صعوده الى 64 %. وقد افلح البنك المركزي بتشدده النقدي في اعادة المسا ر الكلي للاقتصا د العراقي الى نوع من الاستقرار ورغم استمرار السياسة المالية بالتوسع في الانفاق توسعا سريعا وغير مدروس من زاوية آثاره التضخمية ونجاعته التنموية خصوصا وان النسبة الكبرى منه كانت تذهب للانفاق التشغيلي وللاجور والرواتب بشكل خاص.
اعتقد اذن عزيزي الاخ مهدي انك قد تتفق معي ان انفلات التضخم كان سيؤدي الى نتائج اقتصادية واجتماعية خطيرة وان البنك المركزي العراقي قد اسهم باعادة الاستقرار الى مسا ر الاقتصا د في ظل ظروف صعبة للعاملين فيه تعرض فيها البنك الى هجمتين ارهابيتين وكان العاملون فيه في الكثير من الاحيان يعملون في شارع الرشيد حيث المخاطر جمة من مثل هذه الهجمات.
بإعتقادي بانه كان ضروريا امتصاص الضغوط التضخمية عبر السياسة النقدية كاولوية اولى وكان استقرار سعر الصرف احد الادوات الاساسية لهذا الغرض بسبب دما ر البنى الانتاجية علما بأن اهم مهمات البنوك المركزية في كل العالم هو السيطرة على معدلات التضخم وهذا ما تشير الارقام الى نجاح الادارة السابقة في تحقيقه. وعندما تركت تلك الادارة العمل في الربع الاخير من 2012 كان الرقم القياسي للاسعا ر قد ازداد بحوالي 5 % عما كان عليه قبل عام ولم نعد نسمع عن ال 10 % وال 20 % وحتى ال 60 % التي كنا نسمع عنها قبلا وهو امر لا بد من الاقرار باهميته الحا سمة.
ثانيا، ورث العراق اقتصا دا مهشما لا من الناحية الما دية فحسب (اي المعامل المدمرة والحواسم التي سرقت والبنى الراسمالية التي تها لكت ومحطات الكهرباء التي دمرت وشبكاته التي تهاوت ) بل ايضا اقتصادا مكبًلاً عبر المديونية الطائلة للعالم الخارجي والتي بلغت حوالي 140 مليار دولار حوالي عام 2003. بالتالي، لم يكن امام العراق من خيا رات هنا الا بالسعي الحا سم لخفض حجم الديون الاجنبية والذي حققته اتفاقية نادي باريس بمشروطياتها المعروفة. وكان من نتائجها خفض ديون العراق بما نقدره ب 75 مليار دولار الا ان الثمن كان في التحول نحو اقتصاد السوق والذي اكد عليه الدستور ايضا في العام 2005. وكان للادارة السابقة للبنك (مع وزارة المالية بعدة وزراء متعاقبين) دور مهم في التفاوض لتخفيض الديون لم تتفضل بالاشارة اليه في نقدك لها والذي ادعيت – بدون اسانيد – بانها لم تنسق مع السياسة المالية في حين كان التنسيق قويا مع الوزراء عادل عبد المهدي ,الكيلاني وعلي علاوي وحتى با قر جبر. ولا استطيع الحديث عن التنسيق مع رافع العيساوي فليست لي معلومات كا فية هناك ولكني استطيع القول ان العيساوي وقبله با قر جبر لم يكونا من الاقتصاديين فهما طبيب عظام وكسور ومهندس مدني، وعلى التوالي. فهل باعتقادك ان مثل هذا النمط من الادارات المالية السياسية كانت ستستوعب الكثير من التفاصيل التقنية المطلوبة لتنسيق السياستين المالية والنقدية؟ انه لأمر غريب بأن المواقع الاولى في اقتصاد العراق صارت تعطى لمن صاروا يتعلمون مهامهم في سياق العمل on the job training ليصبح اقتصاد العراق مختبرا تعليميا . وقد أعدًت باشراف هؤلاء موازنات غير واقعية توسع فيها الانفاق التشغيلي بشكل سريع بدلا من توجيه الموارد لقطاعي الصناعة والزراعة واللذين هما عما د التنمية وانا اتفق معك تماما ان تمويلهما ضروري في حين ان اساس ما جاءت به سياساتنا المالية العتيدة هو تفا قم البطالة المقنًعة وعسكرة العمل في الدولة دون تحقيق الكثير من الامن. وما عليك للتأكد مما اقول الا الرجوع الى النسب الهزيلة التي خصصتها الموازنات العامة – ومنها الموازنة العامة الاخيرة لعام 2013 – لهذين القطاعين !
ثالثا، كان للعراق قطاعين مصرفيين احدهما حكومي اثقلته الحكومة ومطالباتها بالتمويل باعباء الديون الميتة الى منشآت الدولة وغيرها قابله آخر نما من رحم القطاع الخاص قبل 2003 واتسم بسيطرة راس المال الاسري عليه وبالتالي فهو ، بطبيعته، لا يميل للا ندماج ولتركيز راس المال بشكل سريع خشية فقدان السيطرة الاسرية على كل بنك. ومع هذه الطبيعة الاسرية ، هل تعتتقد ان احدا ما سيستطيع ارغام مالكي هذه البنوك على الاندماج الطوعي رغم ان البنك المركزي قد حاول هذا الامر في سياساته ومنها مثلا الخطة التي اعلنها في عهد الشبيبي بأن يصبح الحد الادنى لراسمال كل بنك 250 مليون دولار في منتصف 2013 والتي يبدو انها قد قطعت شوطا لا بأس به من النجاح رغم ازاحة القيا دة المهنية للبنك؟ كذلك، فاننا نعرف ان سياسة البنك المركزي في تشجيع التعاون والمشاركات والاندماج قد شجعت عددا من المصارف الخاصة على السعي لتعزيز قدراتها المصرفية من خلال مشاركات عقدتها البعض منها مع بنوك اجنبية (مصرف الائتمان مع البنك الوطني الكويتي ومصرف الشرق الاوسط مع البنك البريطاني ومشاركات اخرى مع بنوك لبنانية واردنية …الخ). ويعتقد من وجود جوانب قد تكون ايجابية في مثل هذه المشاركات في ظل التخلف الذي كان سائدا بالقطاع المصرفي العراقي عامة نسبة الى مصارف اقليمية وعالمية. وعبر اسئلتك يبدو انك لم تعر هذه التغييرات الاهتمام اللازم موضوعياً ، فهل هناك ايجابيات هنا مثلا؟
انني اميل الى ان هذا التوجه سينعكس ايجابيا على القطاع المصرفي وقدراته.
رابعا ، الاحظ انك لم تشر ايضا الى ايجابية قيام البنك المركزي بانشاء نظام للمدفوعات فيما بين البنوك وهو تطوير مهم عملانيا في ظل اوضاع القطاع المصرفي العراقي
خامساً، من اهم اسباب بقاء القطاع المصرفي العراقي (العام والخاص) ضعيفا هو بقاء العراق لحد اليوم محكوما ببنود الفصل السابع لقرارات مجلس الامن والتي لم تفلح وزارة الخارجية وبقية اجهزة الدولة بالتخلص منها . ولا زالت قيود الفصل السابع تؤثر على قدرات القطاع المصرفي في التحويل المستقل الى الخارج دون العبور من قنوات مصرفية خارج العراق. ولا شك انك تدرك بأن البنك المركزي والدكتور الشبيبي ليسا هما المسؤولين المباشرين عن حل هذا القيد المكبل للقطاع المصرفي العراقي الخاص والعام معا وبالتالي فأنا اجد تعليقك مفتقرا الى الدقة والواقعية عندما لم تتطرق الى هذا القيد والتذي يجب ان يوجه فيه السؤال الى الحكومة عامة ووزارة الخارجية بشكل خاص.
مخلص القول اذن ، ان ضمانات المصرف الخارجي المطلوبة للاعتمادات العراقية لها علاقة بخضوع العراق للفصل السابع اذ لا يستطيع اي مصرف عراقي التعامل بشكل مباشر مع الخارج بسبب قيوده بعد اكثر من 20 عام من فرضه. فهل المسؤول عن ذلك هو الطاقم المهني في المركزي ام الطاقم السياسي في الدولة ؟؟
سادسا ً، ورث العراق وما زال وضعا امنيا مضطربا وصراعات سياسية . وكما تعرف ، فإن القلاقل الامنية والسياسية تزيد عنصر المخاطرة في القرارات الاستثمارية والاقراضية معا. فهل يمكن لك ان تلقي اللوم على القطاع الخاص المصرفي لوحده ان كان مترددا عن الاقراض في ظل هذه البيئة المضطربة؟
انت تعلم يا عزيزي “ان رأس المال جبان” كما يقال والعهدة هنا على الدولة لتحويل جبنه هذا الى حوافز وذلك عبر سياسات لتوفير الاستقرار والامان كي لا يهرب راس المال (والبشر) وكي يطمئن القطاع المصرفي الخاص كي يأخذ مخاطر الاقراض بما يحقق تمويلا للتنمية. فهل قامت الدولة بما يكفي هنا رغم تضخم اجهزتها الامنية والعسكرية والذي انتقدنا ه كخيا ر استراتيجي خاطيء في تحقيق التنمية والتطور؟ ولماذا توجه اللوم الى البنك المركزي عندما يحقق مهمة الاستقرار النقدي ويعيد الثقة التي كانت مفقودة بالدينا ر – وهو دوره الاساسي – ولا تلوم بقية الدولة عندما تعجز في تحقيق الاستقرار السياسي والامني والذي يقلق القطاع المصرفي ناهيك عن عموم المواطنين ؟
ارجو ان تسمح لي بالايضاح بأن النظام المصرفي الناجح الذي ترنو اليه ونرنو له جمبعا لا يتحقق بقرار واحد ومن هيئة واحدة كالبنك المركزي بل له عدة عوامل محفزة منها الاستقرار السياسي ومنها نظام قضائي لا يشوبه الفسا د والمحابا ة. فهل توفرت هذه الشروط كما هو الحال في كندا حيث تعيش ام اننا في وادٍ آخر ؟
الدولة لها واجب ودور كبير هنا واعطيك مثلا على ذلك في قضية مصرف الوركاء فقد اودعت وزارة المالية حوالي 400 مليار او ما ينيف في ذلك المصرف الخاص ولكنها بين ليلة وضحاها قررت سحب هذا المبلغ مرة واحدة مما عزز انخفاض سيولة ذلك المصرف وادى الى ازمته المعروفة فتدخل البنك المركزي ليضعه تحت الحراسة. اننا جميعا ندرك ان المصارف الخاصة تحتاج الى الاشراف والتشجيع ان كان هدف الحكومة التحول الى اقتصا د سوق انتاجي خصوصا وان البلاد ومؤسساتها في طور الانتقال من نظام كانت الدولة فيه مهيمنة الى اسلوب آخر في الادارة الاقتصادية. ومع مثالنا اعلاه عن الوركاء، اود ان اسألك هل قامت الدولة خارج البنك المركزي بدعم القطاع الخاص المصرفي عبر الايداع فيه ايضا ا م سعت لتحجيم دوره؟ وهل نسًقت سياستها المالية هنا مع البنك المركزي عندما سحبت هذا المبلغ الضخم فجائيا ؟
في اقتصا د ذي مؤسسات انتقالية كالاقتصا د العراقي، علينا ان نتوقع الكثير من الاشكالات في القطاع المصرفي لكن ما لا يجب قبوله هو ان تتخذ وزارة المالية قرارا مستعجلا ادى الى اضعاف ان لم نقل انهيا ر احد اقوى المصارف الخاصة. فهل تم ذلك عبر التنسيق مع البنك المركزي الذي تدعو اليه اخي الكريم ام كان قرارا ارتجاليا آخر من اربا ب السياسة المالية ؟
بالنسبة لسؤالك عن مزاد العملة الاجنبية، ارجو العلم بوجود مزادات للعملة الاجنبية ب 29 بلد منها بلدان ذات اقتصا د ا ت واعدة ومتطورة نسبيا كالبرازيل والمكسيك و جارة العراق التي سألت عنها تركيا. اذن العراق ليس (كما تكرر اقوال بعض المسؤولين ) وحيدا بهذا المزاد
لم تذكر ان الدكتور الشبيبي استطاع بناء الاحتياطي الى 67 مليار دولار وهو انجاز يحسب لادارته ولاستقرار الدينا ر والاقتصا د. وحسب علمي فإن امكنة توزيع الاحتياطي معروفة وقد قدم البنك المركزي في عهده تقارير الى كل من الحكومة ومجلس النواب علما بأن السييد عبد الباسط تركي كان قد اكد معرفته بحجم الاحتياطي في المقابلة على قناة العراقية يوم 1 آذار 2013 الامر الذي دحض ادعاءات مسؤول كبير آخر قال انه لا يعرف عنه شيئا لتبرير استهدافه لقيادة البنك المركزي!!
واخيرا بما يخص قولك ان البنك المركزي كان “جزيرة معزولة” – وهو قول بدون اسانيد سبق لي وان قرأته لاحد المستشارين في ديوان مجلس الوزراء.
اسمح لي بالقول بأن الدعاية السياسية التي يبدو انك قد اخترت تصديقها بتكرارك لهذا القول كانت تحاول تبرير ما قامت به الحكومة من اجراء مبتسر للسيطرة على الاحتياطي. ومما يدحض مقولة الجزيرة المعزولة هذه ان البنك المركزي كان ينسق تنسيقا عاليا مع وزراء المالية الذين سبق ذكرهم في الفقرة (ثانياً) اعلاه. كذلك، فقد كان البنك المركزي يجتمع اسبوعيا في اللجنة الاقتصادية العليا الا انه كان يقاوم محاولات السيطرة للاستحواذ على الاحتياطي والتي صارت قصة معروفة للقاصي والداني.
واود التذكير هنا الى ان اغلب الاقتصاديين المهنيين قد حذروا الحكومة من مخاطر اللجوء الى الاحتياطي لتمويل الموازنة فذلك سيقود الى التضخم المسرع والبنوك المركزية في معظم بلاد العالم لها مهمة اساسية اولى هي لجم التضخم .
واخيرا اود السؤال منك الان هل تعتقد ان ما قامت به اجهزة الحكومة من تشهيروسجن ونفي للمهنيين- وهو احد المحاور الذي سعت الدراسة لتحليل مسبباته من منظور الاقتصاد السياسي – امر مقبول مهنيا ؟ وهل سينفع هذا الاسلوب تطور العراق ام يعيده الى ايام مضت وكنا نأمل انها انقضت مع الدكتاتورية؟
مع التمنيات
د. فاضل عباس مهدي
عزيزي الدكتور ، لكم مني كامل الاحترام،
لا خلاف حول مهنية الدكتور الشبيبي ، ونجاحه في التحكم بسعر صرف العملة العراقية طيلة تسع سنوات، والذي أراه انه الإنجاز الوحيد الذي تؤكد عليه وتكرره كل التعليقات، ولكن أهذا كل شي في عمل البنوك المركزية؟!!
اين الدكتور الشبيبي وفريقه المحترف من بناء نظام مصرفي ناجح يكون شريان ووعاء تنمية اقتصادية ، الا تكفي تسع سنوات من الفشل في هذا المجال للتفكير بخيار اخر (أتكلم هنا عن نهج ورؤية لا أشخاص بالضرورة)
الا تكفي ٣٥ مصرفا خاصا فاشلا وعاجزا عن دعم او المساهمة في نشاط اقتصادي ناجح .. لقد ترك الشبيبي النظام المصرفي العراقي عبارة عن صرافات عائلية لا تسمن ولا تغن من جوع. وأدرك هنا انه ورث اغلبها ، ولكن السؤال الملح اين دوره في تنظيم وإدارة هذا الملف الحيوي (وهو الخبير لأهميته القصوى)!؟؟
ارجو الحكم على فترة إدارة الشبيبي بمنظار مهني لا سياسي ، مع ادراك تداخل السياسي بالمهني احيانا كثيرة.
ان مكمن الخطر هو اننا المهتمون بالشأن المالي نتبع حقائق الأرقام لأننا نأمن جانبها اكثر من دعايات السياسيين والاقتصاديين السياسيين.
سيدي الكريم ، اسئلة عديدة تحتاج الى اجابة:
– ماذا كانت خطة البنك المركزي في عهد الشبيبي في زيادة وتطوير منح الائتمان وتمويل النشاط الاقتصادي النامي؟
لماذا اصر المركزي سنوات عديدة على المحافظة على معدل فائدة عال على ايداعات الخزينة من المصارف المحلية، وبذلك سحب السيولة من السوق وتشجيع المصارف على الايداع لدى المركزي بدلا من الوظيفة الاساسية لها وهي تمويل النشاط الاقتصادي؟
يمكن ان تكون الاجابة (المتكررة دائما) لخفض التضخم! وماذا بشأن تمويل الصناعة والتجارة ؟ وخلق وتعزيز نشاط اقتصادي فعلي. بدلا من تربيح المصارف!!
– كيف عالج البنك المركزي موضوع ضمان الائتمان؟
– باي نسبة زاد استخدام الشركات والأفراد للخدمات المصرفية؟ باي نسبة زادت الودائع؟
– كيف اسهم المركزي في تعزيز الثقة بالمصارف العراقية؟ ما ان ندخل في مفاوضات مع الموردين في الخارج الا واحجموا عن قبول الاعتمادات التي تصدرها المصارف العراقية ، الا بشرط ضمانها من مصرف خارجي.
– السؤال الاهم والادق، ماهي درجة تصنيف نظامنا المصرفي عالميا؟
– هل نجح موضوع الاستثمار الاجنبي في المصارف العراقية والشراكات مع المصارف الدولية؟
كيف تدار الاحتياطيات واين هي ؟ وكيف تستثمر؟ ما كانت تأثيرات الازمة المالية العالمية عليها؟ هل قدم المركزي طيلة تسع سنوات تقريرا شفافا لمجلس النواب؟ (وليس للحكومة).
– الا توجد وسيلة اخرى غير المزاد لتغطية الطلب على العملة الاجنبي؟ (السؤال مطروح على الاساتذة المختصيين) فلا نسمع مثلا عن مزادات على الاقل في دول الجوار!!
عزيزي الدكتور،
ثبات سعر الصرف ، المحافظة على استقلالية البنك المركزي، من الثوابت المهمة والانجازات الاهم.
ولكني لا افهم الاستقلالية بعنوان عدم التنسيق والتعاون… اي الجزيرة المنعزلة.
فاذا كان البنك المركزي يمسك زمام السياسة النقدية ، فهناك جهة مهمة ايضا تمسك بالسياسة المالية. وبالتي فمسألة التنسيق ليست رفاهية وليست اختيارية للجهتين.
واذا اصرت الجهتين على الاستمرار بنهجهم الشاذ حاليا .. فعلى مجلس النواب وهو السلطة الاعلى ايجاد صيغة اخرى لادارة البلاد النقدية والمالية.