قطاع التأمين الوطني والاجنبي

مصباح كمال: الأستاذ عبد الباقي رضا- تقييم دور القائد الإداري في مؤسسة تابعة للقطاع العام

شغل الأستاذ عبد الباقي رضا موقع رئيس مجلس الإدارة والمدير العام لشركة التأمين الوطنية في الفترة من 1 شباط 1966 لغاية 4 آذار 1978.  وهذه الدراسة هي محاولة في تقييم دور المدير العام في مؤسسة تابعة للدولة.  كتبت الدراسة أصلاً كمقدمة لكتاب بعنوان رسائل في السيرة الذاتية والتأمين، لم ينشر بعد، ضم مجموعة من رسائل الأستاذ عبد الباقي للكاتب.  وتم تعديل المقدمة قليلاً لتناسب النشر كدراسة مستقلة.

“لقد مرت ذكرى ميلادي الحادية والثمانون في 18/7/2011، وحسب معدلات الأعمار السائدة فلم يبق لي إلا أيام أو شهور أو أعوام قليلة في هذه الحياة فإذا كان هناك من يتذكرني ممن عاصرني ولديه القدرة على الكتابة لا أجد إلاك والأخ الدكتور سليم الوردي فعليكما يقع عبء الكتابة عني وعهدي في التأمين الوطنية.”

عبد الباقي رضا، رسالة إلى مصباح كمال، 22/7/2011.

“تعرفت بالسيد عبد الباقي رضا عندما كان مديراً لأحد أقسام شركة التأمين العراقية، وقد وجدته شخصاً ذكياً واسع الاطلاع وجدياً منتهى الجد في عمله، ونشأ بيننا علاقة ودية حميمة.”

بهاء بهيج شكري، بحوث في التأمين (عمّان: دار الثقافة، 2012)، ص 59.

ان اقتراحك وضع كتاب عن شركة التأمين الوطنية يأتي ضمن هذا الاهتمام [بقطاع التأمين في العراق ومتابعتك الحثيثة لشؤونه] وولائك للشركة الجديرين بالتقدير والإكبار.  اما اقتراحك إهداء هذا الكتاب لي فبقدر ما يسعدني ويشرفني ويعزز تعلقي بالشركة أقول لك بكل صدق واخلاص انني لا استحق ما تحمل تجاهي من وفاء نبيل أعجز عن الثناء عليه، ذلك انني لا اشعر أبداً بأنني قمت بأكثر مما يوجبه عليَّ واجب الوظيفة التي توليتها ولا استحق على ما أديتُ أكثر مما حصلتُ عليه.

عبد الباقي رضا، رسالة إلى مصباح كمال، 21-22/11/2011 [التأكيد من عندي]

[1]  نظرة عامة

هناك أفراد يتميزون بمكانة عامة في مجال الفكر والعمل والشأن العام، خارج النشاط السياسي، ولم يحظ هؤلاء بعناية مؤرخي “العقل العراقي”، وربما لم يقم باحث أكاديمي بإعداد دراسة نقدية عن أحدهم.  والإهمال أسوأ بالنسبة للأفراد الذين عملوا في مجال التأمين، وهو محط اهتمامنا، فهؤلاء يُنظر إليهم، في أحسن الحالات، كموظفين في الدولة لأن شركات التأمين كانت مملوكة للدولة لفترة طويلة وربما احتلَّ البعض منهم مواقع قيادية لأسباب سياسية لكن هذا ليس صحيحاً في كل الحالات.

تجميع عدد من رسائل الأستاذ عبد الباقي رضا (مع حفظ الألقاب فيما يلي) في كتاب يهدف إلى إبراز مكانته في محاولة للتمهيد للبحث في مكانة القائد الإداري المثقف لمؤسسة حكومية ضمن البيئة السياسية العامة التي كانت تؤكد على الحزب القائد والفكر ذي البعد الواحد، وهو فكر شعاراتي، وتمارس اضطهاد المعارضين كسياسة رسمية للدولة.

يمكن تلخيص القيمة الأساسية في نهجه الإداري في قول الحقيقة، والشجاعة في التعبير عنها في مواجهة السلطة.  ونجح في ذلك بفضل قوته الداخلية القائمة على عصاميته ونزاهته وموضوعيته واتقانه لصنعة الإدارة، التي أكتسبَ مهاراتها من خلال الممارسة (رسالة مؤرخة في 23/9/2011)، وقدرته على صياغة أفكاره بوضوح، وإخلاصه لمصالح الشركة بعيداً عن أي استفادة شخصية له أو لعائلته وأقربائه.  ولم يكن “يخشى لومة لائم” في اتخاذ القرارات.  كان، كما وصفه الأستاذ بهاء بهيج شكري، “شخصاً ذكياً واسع الاطلاع وجدياً منتهى الجد في عمله.”  هو بهذا المعنى شخصية كاريزمية، قوته نابعة من داخله، وشخصيته جاذبة لاحترام الآخرين.  كان حساساَ لبيئة العمل الإداري في الشركة وهكذا كان بالنسبة لزملائه من المدراء، كريماً في موقفه منهم، مستمعاً جيداً لهم، ومقدراً لقوتهم.  كان حضوره طاغياً لكنه لم يسلب قوة زملائه، وهكذا لم تكن قيادته تسلطية فردية.  لم يكن فاسداً ولم يُعرّض مصالح الشركة للخطر.

في الشركات الكبيرة يصعب على رئيسها الإلمام بكل تفاصيل العمليات التي تجري ولا يمكن له أن يتدخل بهذه التفاصيل، ولذلك فهو يعتمد ليس فقط على القواعد المنظمة لعمل الأقسام والعاملات والعاملين فيها وإنما، وهو أساسي ومضمر، السلوك المسؤول للعاملين.[1]  ولهذا كان موضوعياً في اختيار العاملين في الشركة، ولم تكن للمحسوبية دورٌ في اختياراته.  ولذلك كانت معنويات العاملين في الشركة جيدة، وربما عالية، بفضل العدالة في اختيارهم على عكس العديد من الإدارات الحكومية.[2]

عبد الباقي يمثل حالة فريدة في معرفة التفاصيل.  لقد كان مرهقاً بالعمل، يعمل فوق الطاقة الاعتيادية (يحمل بعض أوراق العمل وكذلك نسخ الكتب الصادرة من الشركة للبيت لقراءتها مساءً بدقة).  وكان بذلك يقدم القدوة لأقرانه وموظفيه – التفاني في خدمة الشركة.

كان فخوراً بنفسه بفضل استقلاليته وإمكانياته الفنية واستقامته التي ظلت ملازمة له في حياته العملية حتى هذا اليوم.  لم يكن حزبياً أو طائفياً.  كان مواطناً عراقياً يساهم في بناء الوطن من موقع اختصاصه.  لم يترك العراق للعمل في الخارج.  كان أنموذجاً فريداً نفتقده الآن.

[2]  لماذا هذه الرسائل

يضم هذا الكتاب مجموعة من الرسائل الشخصية، غير المعدة للنشر أصلاً، للأستاذ عبد الباقي رضا، صادرة من إداري متميز ربما يُشكّل حالة فريدة في العراق من حيث استمراره في خدمة قطاع التأمين لأكثر من نصف قرن، وصاحبها لذلك يستحق التعريف من خلال هذه الرسائل.  فهي تسجيل للحظات في تاريخ التأمين العراقي لعب فيها عبد الباقي دوراً مشهوداً.  وتضم معلومات عن تاريخه الشخصي، ودوره في العمل في مؤسسات قطاع التأمين الخاصة والعامة، وعن بعض مجايليه.  وأرى أن نشرها سيفيد الجيل الجديد من ممارسي التأمين مثلما أتوقع أن يستمتع به القارئ والقارئة المهتمة بالنشاط التأميني وكذلك المرء الذي يتوق لقيادة مؤسسة عامة.

وما يدفعني أيضاً إلى تمني إخراج هذه الرسائل في كتاب للعلن هو دعم نمط من الكتابة في الشأن التأميني لم نعهده من قبل.  وهو بهذا يمثل امتداداً للمقالة التي كتبها أ. د. سليم الوردي عن عبد الباقي[3] وبعض المقالات التي كتبُتها عن بعض الجوانب التاريخية للنشاط التأميني في العراق.  ولي أن أزعم بأن كتاباً كهذا له علاقة بقطاع التأمين لم ينشر قبل الآن.  وكان لي مشروع كتاب عن جوانب من تاريخ ونشاط شركة التأمين الوطنية يكتب على شرف عبد الباقي رضا (festschrift).  هذا الكتاب، مع الأسف، لم يرَ النور بعد رغم أن إدارة شركة التأمين الوطنية رحبت به وتبنت طبعه ونشره أواخر عام 2011 إذ أن من اخترتهم للمساهمة لم يكتبوا فصول الكتاب التي عهدتها لهم.

سأركز في هذه المقدمة على جوانب مختارة من المنهج الإداري لعبد الباقي رضا اعتبرها محاولة أولية في مجال الكتابة عن شاغلي المراكز القيادية في شركات التأمين العراقية.  آمل أن تتوفر المراجع المناسبة لاختبار الانطباعات والآراء التي أعرضها هنا وكذلك التوسع في بحث التاريخ الاقتصادي للنشاط التأميني في العراق.

[3]  ملامح من منهج عبد الباقي رضا في الإدارة

تقوم مناهج الإدارة الحديثة على القيادة، قيادة المنشأة والعاملين فيها، بهدف تحقيق أفضل النتائج المالية والتطوير المستمر للمنشأة.  هذا ما تخبرنا به كتب التنظيم والإدارة.  وهذا ما يسم قيادة عبد الباقي رضا.  ويتطلب البحث في دوره القيادي دراسة منهجه في إدارة الشركة في المجالات التالية:

إدارة العلاقة مع المؤمن لهم

إدارة العاملين والعاملات

إدارة العلاقة مع الحكومة

إدارة العلاقة مع شركات التأمين الأخرى

إدارة العلاقة مع معيدي التأمين

وآمل أن يتقدم الغير لتكريس دراسة مستقلة للموضوع، والاستفادة من المقابلات مع من هُم على معرفة به، ومفاتحة إدارة شركة التأمين الوطنية لفتح سجلاتها لأغراض البحث.  وقد يكون من المفيد أيضاً التوسع للبحث في سجلات الوزارات التي كانت معنية بقطاع التأمين وربما كذلك سجلات الأجهزة الأخرى.

حسب المعلومات المتوفرة في رسائله فإن عبد الباقي لم يتلقَ تدريباً متخصصاً أو عاماً في إدارة الشركات ما خلا ما مرَّ عليه خلال دراسته الجامعية الأولية في بغداد (كلية التجارة والاقتصاد، 1951-1955) وبعدها دراسته للماجستير في الولايات المتحدة (1957-1959).  لكنني لا استبعد انه ربما تعرَّف على منهج “الإدارة العلمية” لـ فردريك تايلور (1856-1915) من خلال مطالعاته.  أقول هذا لأن جوانب من هذا المنهج وجدت ترجمتها، في تقديري، في إدارته لشركة التأمين الوطنية (1966-1978).  فقد كان حريصاً على اختيار الأفراد المناسبين للوظائف، وعمل على تحويل الموظفين إلى أصحاب اختصاص قائم على المعرفة في مجال عملهم،[4] knowledge workers ووَضَعَ حزمة مناسبة من الحوافز بما فيها المكافآت الصغيرة لضمان قيامهم بأداء مهماتهم وتطوير أنفسهم.  وبالطبع، وبسبب كونه محكوماً بالقوانين وبالقرارات الخاصة بمنشآت الدولة، وشركة التأمين الوطنية واحدة من هذه المنشآت، كانت حريته في تقديم المكافآت مقيدة، وقد وسّعَّ فيها من خلال توفير فرص التدريب في الخارج وفي الترقية الوظيفية.

أما توزيع العمل في اقسام نوعية متخصصة على المدراء، فهو مما ورثه من سابقيه في إدارة الشركة حيث يجلس هو على قمة الهرم الاداري مع نخبة للتنظيم والاشراف على النظام بأكمله والتخطيط للمستقبل.[5]  ربما تعرَّف أيضاً على أفكار بيتر درَكَر ومنهجه في الإدارة من خلال الأهداف[6] حيث يتولى نخبة من المدراء رسم استراتيجية عمل الشركة، ووضع أهداف للمدراء المتخصصين.  ربما كان من حسن حظه أنه كان محاطاً بمجموعة من مدراء الأقسام، متميزة في اختصاصها وفي قدراتها الفنية مما وفر نمطاً من قيادة جماعية غير معلنة.  وهو لم يستعلِ عليهم ولم يكن يدّعي اختصاصاً في فروع التأمين المختلفة رغم تميّزه في الحسابات، وفي مجال التأمين على الحياة، ولم يكن هذا التأمين داخلاً آنذاك ضمن أعمال الشركة، لكنه كان في المقدمة بكل ما له علاقة بالشؤون المالية والحسابية والاستثمارات.  ولعل أفضل وصف له هو أنه كان الأول بين المدراء الآخرين first among equals

كان الهيكل التنظيمي للشركة هرمياً مع قدْرٍ من الصلاحيات لمدراء الأقسام وموظفين آخرين.  على سبيل المثال، منْحُه صلاحيات تسوية المطالبات بالتعويض (وهو تفويض قائم على الثقة بمن يمارس الصلاحية، والقناعة بوجود انضباط ذاتي لدى الممارس مع القدرة الفنية المناسبة).  وفي هذا ربما كان عبد الباقي يتماشى مع الاتجاهات المعاصرة في تقاسم المزيد من السلطة مع الموظفين رغم أن الجميع كان يعرف أن هناك مركزاً واضحاً للقيادة والتحكم يعطي الشركة هوية متميزة من خلال صياغة رؤية مشتركة للمستقبل ولإدارة العمل، وهذا هو من وظيفة رئيسها.  وفي غياب محاضر جلسات مجلس الإدارة والمستندات الصادرة من الشركة لا يسعنا عرض هذه الرؤية والهوية.  كان تصميم شعار الشركة (الذي لا يزال مستعملا حتى الوقت الحاضر)، والفعاليات المرتبطة بمناسبات معينة (العيد الفضي)، التضامن وروح الجماعة (السماح للموظفين بترك الشركة والمشاركة في تشييع الفنان فاروق فياض، وكان من المنتجين المرموقين في الشركة) بعض المظاهر الملموسة لإدارته.  إلا أن هناك تفاصيل تكاد أن تكون مخفية كتلك المتعلقة بالكشف الكامل عن ملفات الشركة أمام المحاكم، وهي الحادثة التي يرويها في إحدى رسائله (رسالة مؤرخة في 23/9/2011)، وكذلك عدم الخنوع للمواقف الغريبة والجاهلة لمن هم في السلطة (رسالة مؤرخة في 30/3/2012).

ويمكن القول انه نجح في خلق مؤسسة متماسكة، فتصرفه كان الأنموذج لتجاوز الانفصام بين الموظفين وطالبي التأمين والمؤمن عليهم.  فقد اهتم بموظفي الشركة كعناصر أساسية في تطوير الشركة وأداء خدماتها وعدم النظر إليهم كمفردات في تكاليف الانتاج.  كان يعرف جيداً أن العمل التأميني يقوم على المعرفة التي تتجاوز المؤهل الأكاديمي رغم أهميته ودوره في تعيين الموظفات والموظفين.  وكان على إدارته لذلك توفير الوسائل التي تستطيع من خلالها تشغيل عقول العاملين وليس مجرد السيطرة على وقت العمل، وقد وجد بعضاً من تلك الوسائل في التدريب داخل وخارج العراق، وتشجيع اللقاءات الأسبوعية لقسم الشؤون القانونية، وتشكيل لجان لدراسة قضايا معينة كان من آثارها، عدا توفير فرصة للموظفين للمشاركة في عضويتها، فرصة اختبار هؤلاء في معارفهم واكتشاف إمكانياتهم لاحتلال مواقع متقدمة في المستقبل.  أرتبط ذلك طبعاً بطموح الموظف ليرتقي بموقعه إلى درجة أعلى، لكن التدرج الوظيفي كان قيداً على إدارته في الترقية السريعة للعناصر الواعدة.  هل كان هذا ما يدور في ذهن عبد الباقي كقائد إداري؟  اعتقد ذلك من خلال تجربتي الشخصية في العمل في بعض اللجان والقيام ببعض المهمات وخاصة تلك التي تتطلب معرفة باللغة الإنجليزية.

تماسك الشركة جاء من خلال الإلمام بالتفاصيل التنظيمية والإدارية والأُلفة مع مدراء الأقسام والفروع وموظفين آخرين يراهم كمدراء في المستقبل.  وكان معروفاً عن عبد الباقي انه كان يقرأ نسخ الكتب الصادرة من أقسام وفروع الشركة بدقة ويهمش عليها بقلم الحبر الأخضر من باب التوجيه أو التصحيح أو المتابعة.

كانت مسألة الدقة أساسية عنده، نابعة من قناعة أن الشركة مؤتمنة على أموال الغير ويجب ترجمة هذا الائتمان في أداء العمل وفي الكتابة وفي التعامل مع جمهور المؤمن لهم باحترام.  وساعده في ذلك ذاكرته العظيمة للتفاصيل التي لا يزال محتفظاً بها.  تقول السيدة سعاد البيطار، مسؤولة المكتبة في شركة التامين الوطنية، والتي عاصرت عبد الباقي رضا وتتحدث عنه باحترام وتقدير عاليين، تقول انها عندما كانت تقدم له الكتلوكات الخاصة بالكتب المراد شراؤها لمكتبة الشركة كان “يبادر الى الاشارة الى ان بعض الكتب موجودة في المكان الفلاني او في القسم او الفرع الفلاني.”  وتضيف انه عندما ترجع الى الاوليات كانت تجد “ان كلامه صحيح وان الكتب فعلا موجودة في المكان الذي توقعه واشار اليه.  وهذا انما يدل على حرصه وتمكنه من عمله وذاكرته القوية.”  وتذكر السيدة البيطار أن مكتبة الشركة تأسست “كمكتبة متخصصة عام 1972 لغرض توفير المصادر والبحوث والمنشورات التي تخص نشاط التامين، إضافة إلى مصادر العلوم الأخرى المساندة لعمل التامين … وكان صاحب فكرة تأسيس المكتبة أ. عبد الباقي رضا عندما كان مديراً عاماً للشركة.  وهو أيضاً أول من عرض فكرة تعيين أمين مكتبة متخصص.”[7]

أراد أن يخلق تنظيماً متيناً، ضمن الظروف المتاحة لشركة عامة، تنظيماً لا يقتل روح المبادرة لدى العاملين، ولا يضم مدراء لا يتمتعون بالمؤهلات العصرية لقيادة أقسامهم.  كان همه الأساس أن يكون التنظيم صلباً وقوياً يتركز على كوادر متميزة تتمتع بالقدرات الفنية والإدارية المناسبة في اختصاصاتها.  ولذلك ركّز على الاستفادة من الكوادر القائمة عندما أصبح مديراً عاماً للشركة في 1 شباط 1966 ووضع قواعد، غير مكتوبة، لتكوين كوادر جدية شابة وذلك من خلال:

انتقاء الموظفات والموظفين (وكان ذلك قبل إدخال التعيين المركزي الذي سلب إدارات المؤسسات العائدة للدولة حرية التعيين) دون انحياز، واعتماد معايير الجدارة والمعرفة واللغة (العربية والإنجليزية)، وتعريض مقدم طلب التعيين لامتحان تحريري ومقابلة، للكشف عن مدى توفر هذه المعايير لدى مقدم الطلب.

التدريب داخل وخارج العراق.  وكان هذا ضمن منهج إعداد الصف الثاني لتولي الوظائف الإدارية.

عدم الوقوف أمام من يرغب في الاستزادة من التعليم (رسالة مؤرخة في 13/8/2011 بخصوص تشجيع أحد العاملين للدراسة صباحاً والعمل مساءً).

الاستفادة من فرص تشكيل اللجان لإدخال عناصر واعدة في عضويتها لتفيد وتستفيد.

[4]  طبيعة الإنتاج تحت إدارته

في عهده كانت شركة الـتأمين الوطنية مُحتكِرة لأعمال التأمين العام مثلما كانت الشركة العراقية للتأمين محتكرة لأعمال التأمين على الحياة وشركة إعادة التأمين العراقية متخصصة في أعمال إعادة التأمين دون أن يمنع تخصصها الاحتكاري قيام شركة التأمين الوطنية بالاكتتاب ببعض أعمال إعادة التأمين الواردة من الخارج.  وكانت سيطرة الدولة على التجارة الخارجية – المصدر الأساس لمحفظة التأمين البحري – طاغية فعقود التوريد على أساس سي أند إف C & F تُلزم المورد التأمين مع شركة التأمين الوطنية.

جاءت تأميمات تموز 1964 والمشاريع الصناعية المرتبطة باتفاقية التعاون الاقتصادي والفني بين العراق والاتحاد السوفيتي (1959) وبالخطط الخمسية في السبعينيات لتزيد من عدد المشاريع الصناعية والإنشائية، ومنها الهياكل الارتكازية، وعدد الوحدات الصناعية وغيرها من المنشآت التي أصبحت موضوعاً للتأمين لتشكل هذه مصدراً مهماً وأساسياً لأقساط التأمين التي كانت التأمين الوطنية تكتتب بها.  وقد كان لما عُرف بـ “التنمية الانفجارية” وسيطرة الدولة على التجارة الخارجية وملكية وسائل الإنتاج الأساسية دورٌ كبيرٌ في ارتفاع دخل أقساط التأمين البحري على البضائع والتأمين الهندسي على المشاريع[8] وما كان ينشأ عنها من أقساط إضافية في فروع التأمين الأخرى.

إزاء هذا الوضع، حيث المصدر الأساس لأقساط الشركة هو عقود الدولة ووحداتها الانتاجية، ماذا كان يميز دور عبد الباقي، كمدير عام، في الإنتاج؟  من دون توفر جداول أقساط التأمين المكتتبة في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي وتحليلها للفصل بين أقساط القطاع العام والأقساط المكتتبة من خارج هذا القطاع لا نستطيع أن نصدر حكماً باتاً عن حجم الجهد المبذول لتطوير أعمال الشركة.  مع ذلك، يمكن القول إن إدارة الشركة كانت تتصرف كما لو أن هناك منافسين لها، وهذا هو انطباعي خلال فترة عملي في قسم التأمين الهندسي (1969-1977).  كان التصرف نابعاً ليس من معرفة بأهمية المنافسة بقدر ما كان قائماً على قناعة تأدية الواجب بكفاءة وتقنية مع الحرص الشخصي على التعامل بمتطلبات العمل بحرفية واحترام المؤمن لهم من الأفراد والشركات.

لنضيف إلى ذلك تسويق منتجات التأمين بين الشرائح الاجتماعية التي شهدت تحسناً في دخلها في تلك الفترة بحيث صارت تستطيع شراء حماية تأمينية للأسرة (وثيقة تأمين حماية الأسرة كانت واحدة من المنتجات الجديدة التي أدخلها عبد الباقي)، والتأمين على السيارات، وتأمين المحلات التجارية الخاصة.  وفي عهده ازدهر الانتاج (قسم متخصص للإنتاج وطاقم من المنتجين في فروع الشركة) وتوسيع قنوات التوزيع من خلال وكالات مستقلة للتأمين تنتج الأعمال للشركة مقابل عمولة.  وكانت هذه الوكالات تشكل عنصراً مكملاً لسوق التأمين العراقي، ومؤثراً على بنية السوق التأميني، والطلب على التأمين، ومنافذ توزيع المنتجات التأمينية، وإشاعة الوعي التأميني.  كانت هذه الوكالات مستقلة تابعة للقطاع الخاص، ويمكن النظر إليها كحالة من حالات المشاركة في الإنتاج بين القطاعين العام والخاص، كما حاولت التنبيه إليه في مقدمتي لدراسة مشتركة عن وكالات التأمين.[9]  وفي عهده أيضاً تم تأسيس قسم التخطيط والتدريب الذي لعب دوراً مهماً في إدخال المفاهيم الحديثة لإدارة الإنتاج والتسويق.[10]

[5]  السياسة السعرية

لنتذكر انه خدم الشركة في الفترة (1966-1978) التي كانت هي شركة التأمين العامة الوحيدة في السوق – أي انها كانت محتكرة للتأمينات العامة إلى جانب احتكار شركة التأمين العراقية لتأمينات الحياة.

في ظل هذا الاحتكار كانت السياسة السعرية ذات طبيعة اعتباطية أو هكذا يبدو الأمر للبعض[11] لكننا نعتقد، رغم غياب قوى السوق المؤثرة في التسعير، أن تسعير المنتجات التأمينية كان يقوم على موازنة صندوق أقساط التأمين مع التزامات الشركة بتعويض الخسائر.  يعني ذلك أن إدارة الشركة كانت تنحو لتحقيق فائض من عمليات الاكتتاب لتمويل طلبات التعويض، والمستحقات الضريبية والرسوم، وتكاليف الإنتاج، وهامش لإدامة الإنتاج وتوسيعه، ونسبة من الأرباح.  لم تعتمد إدارة عبد الباقي على إيرادات الاستثمارات العينية والمالية لمقابلة التزامات الشركة بتعويض المؤمن لهم إذ تركزت السياسة، اختياراً أو ربما دون تفكير مسبق (وهو موضوع يستحق البحث)، على الاعتماد على الأرباح الاكتتابية.  وبفضل هذه السياسة استطاعت الشركة التفاوض مع معيدي التأمين الاتفاقي وتحقيق مزايا عديدة شملت توسيع القدرة الاحتفاظية للشركة، وزيادة نسبة عمولات الأرباح وغيرها ومنها توفير معيدي التأمين لفرص التدريب لموظفي الشركة.

ونرى أن التسعير كان يتأثر أيضاً بما كان معيد التأمين الاتفاقي يمليه على الشركة من شروط وأسعار وخاصة في اكتتاب الأخطار الكبيرة.  لا بل أن المعيد كان يوفر لشركة التأمين تعرفة أو قل دليلاً لتسعير أخطار مصنفة كفئات متميزة.  وكان هذا هو الحال في التأمين الهندسي.

أثناء إدارته استمرت الشركة في تحقيق الأرباح لها ولمعيدي التأمين.  ترى هل كانت هذه الأرباح بفضل الأسعار العالية أو الضغط على التكاليف، أو الصرامة في تسديد مطالبات التعويض؟  تحليل هذا الوضع، أي السياسة السعرية، يحتاج إلى بحث مستقل.

في إحدى السنوات حققت الشركة أرباحاً كبيرة، ربما غير اعتيادية، حدت به إلى تخفيض أسعار التأمين على السيارات بنسبة معينة.

هذه حالة فريدة إذ ليس من المعروف انها قد حصلت قبله أو تكررت فيما بعد.  أهمية قرار التخفيض تكمن في ان التخفيض لم ينشأ في ظل تنافس مع شركات تأمين فلم يكن هناك شركات أخرى تمارس التأمينات العامة، ومنها تأمين السيارات، غير شركة التأمين الوطنية.

يؤشر هذا القرار على أن احتكار النشاط التأميني لا يعني بالضرورة رفع الأسعار وهي الظاهرة المرتبطة باحتكار السوق.  ترى ما الذي حدا بعبدالباقي لاتخاذ هذا القرار؟  هل كان من بنات أفكاره؟  هل صاغه بالتعاون مع زملائه الآخرين في الشركة من رؤساء الأقسام؟  وهل بقيت أسعار تأمين السيارات على حالها بعد التخفيض؟  هل ساهم التخفيض في زيادة الطلب على تأمين السيارات؟  وماذا كان موقف معيد التأمين الاتفاقي؟  هذا الموضوع أيضاً يستحق دراسة مستقلة.

[6]  عبد الباقي رضا معاصراً لأحداث نصف قرن

شغل عبد الباقي رضا هادي موقع مدير عام شركة التأمين الوطنية للفترة من 1 شباط 1966 لغاية 4 آذار 1978.  عندما أصبح مديراً عاماً للشركة في 1 شباط 1966 كان قد مر تسعة عشر شهراً على تأميم شركات ووكالات التأمين.  وقتها كان عبد السلام عارف رئيساً للجمهورية (1963-1966) وقتل أو اغتيل في 13/4/1966 في حادث تحطم الطائرة المروحية التي كانت تقله.  تبعه في الرئاسة أخوه عبد الرحمن عارف (1966-1968) وكان عبد الرحمن البزاز رئيس الوزراء الذي وقع في 26/6/1966 اتفاقية وقف إطلاق النار مع الحركة الكوردية مُنهياً ست سنوات من النزاع العسكري (تضمنت الاتفاقية الاعتراف باللغة الكوردية لغة رسمية، وتمثيل كوردي في الحكومة.  في نهاية 1966 قوضت الاتفاقية).

شهد عبد الباقي بعد ذلك انقلاب 17/7/1968 الذي أطاح بعبد الرحمن عارف الذي أوصل أحمد حسن البكر إلى رئاسة الجمهورية (1968-1979) لينتزعها صدام حسين منه (1979-2003).  وشهدت فترة البكر اتفاقية الحكم الذاتي (11/3/1970) وتأميم شركة نفط العراق (حزيران 1972)، وبدء العمليات العسكرية ضد الأكراد (1975).

شهدت التأمين الوطنية خلال هذه السنوات نمواً في أقساط التأمين وفي استثمارات الشركة وتوسعاً جغرافياً رغم التقلبات السياسية.  وعاصر عبد الباقي ثلاث خطط خمسية للسنوات 1965-1970، 1971-1975، 1976-1980 (ترك التأمين الوطنية سنة 1978).

لقد كان عبد الباقي شاهداً على أحداث جسام في تاريخ العراق.  في أول يفاعته: الحرب العالمية الثانية، ثم ثورة تموز 1958 والتحول من النظام الملكي إلى النظام الجمهوري، الانقلاب الدموي في شباط 1963، انقلاب 1968 وما تبعه من ابتلاع حزب البعث للمجتمع، الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)، غزو الكويت (2 آب 1990) تحرير الكويت (1991) وعقوبات الأمم المتحدة والحصار الاقتصادي (1990-2003)، غزو العراق واحتلاله (نيسان 2003) والإطاحة بنظام صدام وما تلاه من تفكيك للمؤسسات .. الخ.[12]

ضمن هذه الأحداث يمكن تقسيم تاريخ شركة التأمين الوطنية كما يلي:[13]

1950-1958 من تأسيس الشركة إلى ثورة 14 تموز

1958-1964 من الثورة إلى التأميم

1964-1997 من التأميم إلى الانفتاح

1997-2005 من الانفتاح إلى صدور قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 (الأمر رقم 10).

شهد النشاط التأميني خلال هذا التاريخ التعاظم المستمر لمكانة التأمين العراقي حتى 1990، ومن ثم تدهوره ومراوحته في مكانه مع تغييرات بسيطة في سنوات الحصار (1990-2003)، وبعدها الشروع في ترميم مكانة الشركة ضمن بيئة تنافسية جديدة لم تعرفها من قبل.  لقد شغلت التأمين الوطنية موقعاً مركزياً في هذا التاريخ بعد مرحلة التأسيس رغم وجود شركات تأمين أخرى.  وكان عبد الباقي رضا على راس مرحلة ازدهار التأمين العراقي من أواسط ستينيات القرن الماضي وقبل بدء الحرب العراقية-الإيرانية عام 1980.

لم تلتقط المقدمة كل ما ورد في رسائل عبد الباقي رضا من معلومات وأفكار ومواقف، لكنني أرجو أن يكون ما تقدمت به محفزاً للغير للبحث في التاريخ الاقتصادي للتأمين العراقي وللأفراد الذين عملوا فيه وتركوا بصماتهم عليه.

*) خبير عراقي في قضايا التأمين

لتنزيل ملف بي دي أف انقر هنا


[1] Ha-Joon Chang, 23 Things They Don’t Tell You About Capitalism (London, Penguin Books, 2010), 43, 46.

[2] طارق الهيمص، كتابنا وكتابكم: شعار البيروقراطية العراقية، ص 39.  يمكن تحميل الكتاب من موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين باستخدام هذا الرابط:

http://www.iraqieconomist.net/wp-content/uploads/2011/10/KitabunaWaKitabikum.pdf

[3] أ. د سليم الوردي، “أنموذج للدور القيادي في الوظيفة العامة: السيرة الوظيفية للأستاذ عبد الباقي رضا” الثقافة الجديدة، العدد 347-348، 2012، ص 53-62.  نشرت أيضاً في مجلة التأمين العراقي: http://iraqinsurance.wordpress.com/2012/02/29/266/

[4] ثلاثة عناصر تحدد المعرفة التي تدخل في أداء الاختصاص الوظيفي بكفاءة: المعرفة العامة، معرفة صناعة التأمين، معرفة شركة التأمين.  فالعمل القائم على المعرفة يعطي صاحبها قدراً من الحرية أو يُمكّنه من رسم إطار وظيفته، لكن مساحة الحرية تظل مقيدة وخاصة في شركة تابعة للدولة.

عبارة “العامل المعرفي” مُستلَّة من

Peter Drucker, Landmarks of Tomorrow (New York: Harper & Row, 1957), p. 122.

وقد استخدم الاقتصادي بول باران عبارة “العامل بالفكر” تمييزاً عن “العامل باليد” من منظور ماركسي ليستنتج أن الشرط الأساس لأن يكون الفرد مثقفاً هو الرغبة المسكونة فيه لقول الحقيقة، إضافة إلى الشجاعة، والاستعداد للبحث العقلاني دون خوف مما سيقود إليه البحث.  وهو هنا يقتبس مقولة كارل ماركس الشهيرة: “نقدٌ لا يرحم لكل ما هو موجود، لا يرحم بمعنى عدم الخوف من النتائج التي يتوصل إليها النقد وبمعنى عدم الخوف من الصراع مع القوى المهيمنة.”  (من رسالة ماركس إلى آرنولد روج، أيلول 1843)

Paul Baran, “The Commitment of the Intellectual,” Monthly Review, 1961, included in Paul Baran, The Longer View (New York: Monthly Review Press, 1961), pp 3-15.

[5] لم يشمل التخطيط للمستقبل التحوط من المنافسين، وهو من العناصر المهمة في وضع استراتيجية للشركة في السوق القائم على التنافس، إذ أن شركة التأمين الوطنية آنذاك كانت الشركة الوحيدة التي تزاول أعمال التأمين العام، وكانت شركة التأمين العراقية، وهي أيضاً تابعة للدولة، متخصصة في أعمال التأمين على الحياة.  وبقي الاختصاص قائماً لغاية 1988.

وتقوم الاستراتيجية على الاختيار بين منهجين في التنافس.  التنافس على أساس التمايز في السوق من خلال تقديم القيمة المضافة للزبون، بحيث ان الزبون يدفع قسطاً أعلى لقاء تغطية التكلفة الأعلى المتكبدة في توفير القيمة المضافة (خدمة سريعة، نطاق أوسع لغطاء وثيقة التأمين .. الخ).  والتنافس على أساس التكلفة من خلال توفير الخدمة (وثيقة التأمين) بتكلفة أقل ربما على حساب النوعية ومستوى الخدمة.

[6] Peter Drucker, The Practice of Management, 1954.

[7] سعاد محمد محمد سعيد البيطار، “مكتبة شركة التامين الوطنية: لمحة سريعة،” مجلة التأمين العراقي:

http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2009/06/1972.html

[8] صبري زاير السعدي، التجربة الاقتصادية في العراق الحديث، (بغداد: دار المدى، 2009)، ص 77، 78.

[9] مصباح كمال ومشاركة منذر الأسود وفؤاد شمقار، “وكالات التأمين في العراق: محاولة أولية لاستثارة البحث،” مجلة التأمين العراقي.

http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2010/01/1.html

[10] د. سليم الوردي، “معايشتي لتجربة التخطيط في شركة التأمين الوطنية” (تموز 2012).  فصل من مشروع كتاب عن شركة التأمين الوطنية يكتب على شرف عبد الباقي رضا.  من المؤمل نشر الكتاب بعد اكتمال كتابة فصوله من قبل ممارسي التأمين الذين عاصروه.

[11] علقنا على هذا الموضوع في دراسة منشورة بعنوان “تأميم قطاع التأمين في العراق 1964: مقدمة نقدية،” مجلة التأمين العربي، العدد 109، حزيران/يونيو 2011، تحت العنوان الفرعي “نمو أقساط التأمين.”  نشرت الدراسة أيضاً في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

http://www.iraqieconomist.net/

وصارت الدراسة فصلاً من كتابي أوراق في تاريخ التأمين في العراق: نظرات انتقائية (بغداد: منشورات شركة التأمين الوطنية، 2012)، ص 109-136

[12] أتمنى أن يقوم أحد الباحثين بدراسة كمية تحليلية للعلاقة بين التقلبات السياسية وحركة أقساط التأمين.  [م ك].  فيما يلي سأشير إلى الهوامش التي أدخلتها بالحرفين الأولين من اسمي – كما يقتضي السياق.

[13] هذا التقسيم مجرد اقتراح يقوم على التقاط لحظات مهمة في تاريخ التأمين العراقي.  على سبيل المثال، فإن تأسيس شركة التأمين الوطنية عام 1950 سجّل دخول الدولة في قطاع التأمين.  مثلما سجلت الفترة من 1958-1964 تأسيس شركات تأمين خاصة (شركة بغداد للتأمين وشركة التأمين العراقية) برأسمال وطني عراقي وصدور قانون شركات ووكلاء التأمين رقم 49 لسنة 1960.  وهذا الاقتراح يمكن أن يُعدّل لإرجاع تاريخ التأمين إلى صدور قانون السيكورتاه العثماني لسنة 1905، مروراً بقانون شركات التأمين رقم 74 لسنة 1936 ومن ثم تأسيس أول شركة تأمين عراقية (شركة الرافدين للتأمين) برأسمال عراقي وأجنبي سنة 1946.  تحقيب هذا التاريخ هو من اختصاص المؤرخين الذين نأمل من أحدهم الانتباه إلى مكانة النشاط التأميني في الاقتصاد العراقي.  [م ك]

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

تعليقات (5)

  1. فاروق يونس
    فاروق يونس:

    شكرا لك استاذى مصباح كمال على تعقيبك
    استميحك العذر
    وحيث انك تكتب عن سيرة رجل يتصف بتواضع العلماء ( اذ يدرس ويتعلم ويتامل ) بين قوسين من تعليك
    اقول لك اخى مصباح
    قال لى الاخ عبد الباقى كان ذلك اثناء تشييد بناية شركة التامين الوطنية
    قال كلفت المهندس ( س ) للاشراف على تنفيذ بناية شركة التامين الوطنية لقاء 50 دينار فى الشهر
    لا ادرى ان كان الاستاذ عبد الباقى رضا يتذكر ام لا
    اخدنى الى احدى غرف البناية وقال انظر
    قال المهندس الاستشارى يجب ان توضع ( يدة مفتاح الباب ) بهذا الارتفاع
    لماذا ؟
    لتكون يدة المفتاح متناسبة مع طول الفرد العراقى
    سائلى هل انا محق فى استاجار مهندس استشارى لبناية الشركة لقاء 50 دينار شهريا ؟
    كان ذلك ايام كانت شركات التامين تابعة لوزارة التجارة بعد تاميمها مباشرة ثم انتقلت تبعيتها لوزارة المالية
    نعم كان الاستاذ عبد الباقى كما وصفته ( يدرس ويتعلم ويتامل )
    ولكن من يقول بان ذاكرتى تجدح مثل النار بعد اكثر من 40 سنة ؟

  2. Misbah Kamal
    Misbah Kamal:

    عزيزي الأستاذ فاروق يونس
    لقد كتبتَ كلاماً طيباً بحق استاذنا عبد الباقي رضا، فقد أضفتَ من تجربتك معه على ما هو عليه من تواضع العلماء إذ يدرس ويتعلم ويتأمل أولاً، ولا يندفع إلى القول احتراماً لنفسه واحتراماً لأقرانه، وتقديراً للمسؤولية التي تناط به. هكذا كان دأبه. وقد استشهدتَ بما قام به لإعداد لائحة قانون سوق بغداد للأوراق المالية. وعمل بذات المنهج عندما راجع مسودة قانون تنظيم أعمال التأمين وكتب عنه دراسة وقدم مقترحاً بشأنه (لم يؤخذ به)، وغيرها من المهمات التي تولاها في المجال المصرفي والمالي عموماً.
    تعلمتُ منه مثلما تعلم غيري أيضاً. واستشهد هنا بقول ذكره زميلي العزيز محمد مصطفى الكبيسي وفحواه هو أننا، في أول عهدنا بالتأمين نتلمس خطواتنا ونقترب من مبادئ التأمين ومفاهيمه، كنا نتحرك بين عمالقة التأمين في العراق ومنهم الأستاذ عبد الباقي. لقد كان حقاً ملهماً لنا، ولذلك نحاول أن نستذكر سيرته ومساهماته ومنهج إدارته الفريد لشركة تأمين عامة بتنا نفتقدها، ونرغب في استعادة شيء منها بالاقتران مع مستجدات زمننا الحالي.
    الأستاذ عبد الباقي رضا هو من طبقة العراقيين الذين أحبوا العراق رغم التقلبات السياسية، وبعضها قاتلة للناس، باعتبار أن الوطن هو أكبر من الإيديولوجيات التي تحركنا وانتماءاتنا المختلفة.
    انتهز هذه الفرصة لأشكر د. مظهر محمد صالح على الكلمات الطيبة التي قالها بحق أستاذنا عبد الباقي رضا والتي أخبرني به د. بارق شبر. وأشكره أيضاً لحسن تقديره لورقتي وتوزيعها على جمع من أصحابه ليتعرفوا على مكانة الأستاذ عبد الباقي.
    لك وللجميع موفور الصحة والأمان.
    مصباح كمال

  3. فاروق يونس
    فاروق يونس:

    الاستاذ الفاضل مصباح كمال المحترم
    فى رسالته اليك شخصيا كتب الاستاذ عبد الباقى رضا يقول ( اذا كان هناك من يتذكرنى ممن عاصرنى ولديه القدرة على الكتابة لا اجد الاك والاخ الدكتور سليم الوردى )22/7/2011
    ما السبب او السر فى ان يكون الاستاذ عبد الباقى رضا دقيقا بل ومحقا فى قوله ؟
    الى القارىء الكريم وجهة نظرى —
    الاستاذ عبد الباقى رضا انسانا من طراز خاص
    فهو رجل اجتماعى ولكنه انسان عصامى تذر نفسه لفطاع التامين العراقى بعيدا عن الاضواء
    الاستاذ عبد الباقى رجل كفوء يعتمد عليه
    فى انجاز اى عمل ضمن دائرة النشاط المالى وهده الحقيقة لا يعرفها الا من عمل معه امثال الاستاذ مصباح كمال وعلى سبيل المثال كلفه الاستاذ عبد الواحد المخزومى -بصفته رئيس لجنة اعداد لائحة قانون سوق بغداد للاوراق المالية فاخذ المهمة على عاتقه وسافر الى الامارات العربية وبعد ان اطلع على قوانين دول اخرى قدم الى اللجنة مسودة القانون ولم يبد ايا منا اعضاء اللجنة سوى صياغات بسيطة وقبلت اللائحة وشرعت بقانون
    لماذ الاستاذ عبد الباقى محقا بقوله ان الاستاذ مصباح والدكتور سليم هما خير من يستطيع الكتابة عنه ؟راى الشخصى الجواب هو :
    لان الاستاذ عبد الباقى رضا وامثاله من القادة العراقيين الذين قادوا حركة الاصلاح الادارى فى العراق عوقبوا بالابعاد عن مراكزهم الوظيفية دون سبب جنوه ( الا ان قالوا نحن ابناء العراق المخلصين لا نريد الا الاصلاح ما استطعنا الى ذلك سبيلا ) واذا كانت النفوس كبارا تعبت فى مرادها الاجسام !
    لا اريد ان اتحدث كثيرا عنما يتمتع به الاستاذ عبد الباقى من خلق كريم وحب لوطنه العراق واكتفى فقط بالاشارة الى لقائى الاخير معه وكان عائدا من زيارة لولده ( رائد ) فى الولايات المتحدة قلت له لماذا عدت ؟ قال كنت فى منتهى الرحة هناك ولكن لم استطع الغيش خارج العراق كانه كان يقول : مررت على الديار ديار ليلى — اقبل ذا الجدار و ذا الجدار —- وما خب الديار شغفن قلبى ولكن من سكن الديارا – نعم كان يبخث عن اصدقائه الذين ارسى معهم اساسيات القطاع العام للتامين فى العراق
    نعم امثال الاستاذ عبد الباقى رضا الذى جمع بين العلم والقدرة على القيادة والنزاهة وحب العمل ذون بحث عن مكافئة مادية ان مثل هوءلاء الناس قليلون
    اقولها للشهادة كان الرجال المتميزون امثال الاستاذ عبد الباقى رضا يتمتعون بمكانة خاصة فى العهد الملكى حتى بعد تقاعدهم ومع سقوط الملكية تغيرت القيم والمفاهيم والمقاييس بعضها الى الاحسن وبعضها نحو الاسوء ومن السيئات
    ( تسويد الامور الى غير اهلها )
    تحياتى لاستاذى مصباح كمال على مبادرته فى تكريم كل من يستحق الذكر والتقييم ومنهم الاستاذ والاخ العزيز عبد الباقى رضا اتمنى له الصحة والسعادة الدائمة

  4. مصباح كمال
    مصباح كمال:

    العزيز كامل
    أشكرك على تقييمك لأستاذي عبد الباقي رضا الذي تعلمتُ مبادئ التأمين في فترة إدارته لشركة التأمين الوطنية (1966-1978)، وكان أول من رعاني، كقائد إداري، لصقل معارفي التأمينية. كان يأمل مني أن أجمع بين المعرفة التأمينية والقانونية حتى أنه اقترح علي أن أدرس القانون في الجامعة المستنصرية كطالب مسائي، لكنني لم أعمل على تحقيق هذا الجمع وانتهيت بإكمال الدراسة في العلوم الإدارية في لندن. لم يقف عائقاً أمامي عندما طلبت الإجازة الدراسية لكن مجلس قيادة الثورة (أعلى سلطة في البلد يتدخل بشأنٍ صغير!) هو الذي أفسد علي الأمر وحرمني من الاستمرار في العمل في شركة التأمين الوطنية. لم يكن الأستاذ عبد الباقي ليقف أبداً، لا بل كان يشجع كل من يرغب في التوسع في تعليمه. كان حقاً، بالنسبة لي، ولغيري أيضاً، مثالاً لما يجب أن يكون عليه القائد الإداري الحديث، وهو ما حاولت الإلمام ببعض ملامحه في دراستي عنه.
    أنا مسرور لتقييمك لما كتبتُ عن أستاذنا الكريم عبدالباقي. وهنا علىَّ أن اعترف بأنك والدكتور صبري زاير السعدي كنتما دائماً من المشجعين لي على الاستمرار في كتاباتي التأمينية. وكنتُ استلهم بعضاً من عنادكما في البحث والنشر عن قضايا الاقتصاد العراقي، وكأنه واجب وطني، بغض النظر عن طبيعة السلطة الحاكمة والخلافات في البيت العراقي. وكنتما أيضاً من المعلقين على جوانب من النشاط التأميني في العراق مثلما فعل غيركما كالدكتور كاظم حبيب والدكتور باسم جميل أنطون وآخرين. ومن رأي أن الاهتمام الاقتصادي بالتأمين من شأنه أن يساهم في إشاعة ثقافة تأمينية صلبة تجد بعضاً من أسسها في المقولات الاقتصادية، وهو ما أرجوه. ولذلك قمتُ بتجميع مقالات لي لها علاقة بمواقف بعض الاقتصاديين العراقيين نشرتها ككتاب إلكتروني بعنوان التأمين في الكتابات الاقتصادية العراقية (مكتبة التأمين العراقي، 2014) https://www.academia.edu/7118197/Insurance_in_Iraqi_Economic_Writings
    أشكرك ثانية على ترحيبك وتقييمك لمكانة الأستاذ عبدالباقي رضا في تاريخ التأمين العراقي. وأشاركك رجاء العمر المديد له ليستمر في عطاءه فهو لا يزال يشغل موقعاً مهماً في مجلس إدارة شركة التأمين الوطنية في بغداد، وسيشارك في أوائل أيلول القادم في اليوبيل الذهبي للاتحاد العام العربي للتأمين الذي كان من مؤسسيه عام 1964.
    مصباح كمال

  5. Avatar
    كامل العضاض:

    تصويب مهم لتعليقي السابق الذي أرسلته قبل دقائق لعنايتكم
    قرأت بمتعة كبيرة مقال زميلي وصديقي الأستاذ مصباح غازي كمال، فهو كاتب وإنسان أمين وصادق وعلى خلق عظيم، وهو كرّس تخصصه وعلمه في مجال التأمين الذي يمثل خدمة فائقة وأساسية في مجال التقنية الحضارية وفي مجال المساهمة الفاعلة في التنمية الإقتصادية والإجتماعية وفي زيادة الناتج المحلي الإجمالي. والأستاذ مصباح هو خير من تتلمذ ونهل من علم وتجارب أستاذنا الغالي عبد الباقي رضا،، أبو رائد، الذي على ما أتذكر، درّسنا لسنة في كلية التجارة في العراق. والأستاذ عبد الباقي كان، لمن كل من عرفه، إنسانا راقيا وأمينا ودقيقا وصادقا. ويأتي مقال العزيز مصباح لتقييم دور أستاذه عبد الباقي رضا، كقائد بل ورائد لنشاط التأمين في العراق لإكثر من عقد من الزمن، ليس فقط رائع مهنيا، بل وأمين وموضوعي وذا دلالة وإنارة، راسيا الأرضية للدراسات الفنية والعلمية والنقدية لكل المعارف ولروادها وناشريها ومثبتي تطبيقاتها الرصينة في عراق كان بأمس الحاجة لهذا النوع من الرجال العارفين والمخلصين والمبدعين من أمثال أستاذنا عبد الباقي رضا. أنا هنا لا أنوي أن أقدم مناقشة فنية بخصوص دور التأمين في العراق خلال العقدين السابع والثامن من القرن العشرين، ولكني مترع بوفاء وصدقية الصديق مصباح، ومعجب ومكبر لإمانة وحصافة أستاذنا عبد الباقي في بذله القيادي الرائد لتجربة التأمين العام والمتخصص في العراق. فما أحوج العراق اليوم الى قادة متخصصين مثل الأستاذ عبد الباقي رضا، كما ما أحوجنا الى كتاب أوفياء لإساتذتهم ومعلميهم كالأستاذ مصباح الذي أعتبره من أبرز الإختصاصين في مجال التأمين، كما هو الحال عند الدكتور سليم الوردي الذي للأسف لم أتعرف عليه شخصيا. وأد في الختام أن أشد على يد الصديق الثر والوفي الأستاذ مصباح كمال، راجيا له أن يستمر في إغناء معارفنا، نحن غير المختصين فنيا في مجال نشاط التأمينن، وهو علم يتاخم إختصاصنا في الإقتصاد القياسي والحسابات القومية. شكرا وألف شكر لإخي مصباح الوفي، وألف تحية لإستاذنا الرائد أبو رائد، عبد الباقي رضا، ممن خدموا العراق بكفائة وأخلاقية نادرة، راجيا له عمرا مديدا، غير متأثر بعلم الإحتمالات العمرية التي يضج بها فرع التأمين على الحياة!!
    أخوكمّ د. كامل العضاض

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: