جدل اقتصادي

د. كامل العضاض: نقاش حول النزاع الدائر بين الإقليم والمركز!

قرأت مقال الزميل المحترم ألاستاذ. كامل مهيدي، بعنوان؛ “بمناسبة تشكيل الوزارة الجديدة”، وتعقيب الزميل الفاضل حمزة الجواهري عليه بكثير من الإهتمام.

عموما، شخّص الأستاذ المهيدي بحصافة وموضوعية وبالإستناد الى بينّات دستورية وقانونية طبيعة ونوعية الخلافات بين المركز أو الحكومة الإتحادية وسلطة إقليم كردستان بخصوص إدارة وتصدير النفط الخام ومنتوجات بعض المصافي في الإقليم وفي الأراضي المتنازع عليها، وفقا للتسمية التي أطلقتها حكومة الإقليم عليها. ونبدي بعض الملاحظات الإضافية؛

أولا، تشكل التشخيصات الواردة في مقال الأخ المهيدي كشفا فاقعا ومتينا لطبيعة هذه الخلافات وما تنطوي عليه من أخطار على مستقبل العلاقات بين المركز والإقليم؛ إذ يتضح أن ما سيترتب عليها هو ليس فقط  إحتمال إنفصال الإقليم الذي أضحى نغمة يومية يرددها رئيس الإقليم مسعود البرزاني، إنما أيضا ما يحمله من إحتمالات شديدة بوقوع نزاع مسلح قد يصبح مدمرا وحائلا أمام  إي تقدم أو نمو للإقتصاد العراقي، سواء في الإقليم أو في بقية العراق.

وقد أثار الزميل حمزة الجواهري، الخبير النفطي البارز، بعد أن فصّل التجاوزات الدستورية والإستحواذات الكيفية لسلطة الإقليم على الحقول النفطية في المنطقة وما يلحقها من أنبوب نقل الى الموانيء التركية، وبعد ان عقدت ستين عقدا نفطيا جائرا مع شركات نفط اجنبية، ومنافيا حتى لحقوق الشعب الكردي، كل ذلك جرى بتفرد وبدون تنسيق مع الحكومة الإتحادية، نقول، اثار عددا مهما من الأسئلة التي ستفرزها طبيعة الخلافات وما تنطوي عليه من خرق فضيع للدستور من جانب سلطة الإقليم، وما تتضمنه من تجاوزات خرقاء على حقوق الشعب العراقي في جميع أنحاء البلاد، ومما سيسبب نزاعا مسلحا سيأـي بنتائج وخيمة على كل من الشعب العراقي والأكراد.

ثانيا، والخلافات لا تقتصر على إدارة وتصدير وإستغلال النفط والغاز الذي هو، بموجب الدستور ووفقا للمادة 111 منه، ملكا للشعب العراقي في جميع المحافظات والإقليم، وانه بموجب المادة 112، اولا وثانيا، يقع ضمن صلاحيات الحكومة الإتحادية، مع إقرار التعاون والتنسيق مع المحافظات (والإقليم) المنتجة للنفط والغاز. نقول، هي ليست مجرد إختلافات على تفسير هذه المواد، إنما أيضا تشمل خروقات متعددة أخرى لسلطة الإقليم حتى للمفهوم الدستوري للعلاقة الفدرالية بين المركز والإقليم. وعلى سبيل المثال لا الحصر، لا تدفع حكومة الإقليم حصيلة الضرائب والرسوم الكمركية للحكومة الإتحادية، وتشرّع قوانينها وحتى دستورها وكأنها دولة مستقلة، وحتى بدون تنسيق مع الحكومة الإتحادية. بل هي فرضت نسبة على موازنة الحكومة العامة مقدارها 17%، بإفتراض غير مدعوم إحصائيا بأن هذه النسبة تمثل نسبة سكان الإقليم في مجموع سكان العراق، بل وهي تطالب الآن بزيادة هذه النسبة الى 25%.

 فضلا عن ذلك، ومن المعروف في النظم الفدرالية في العالم أن حصة الإقليم من الموازنة يجب أن تستند الى حجوم وأقيام وآماد تنفيذ المشاريع التي يجب أن تكون مدعمة بدراسات جدوى إقتصادية وفنية في الإقليم، مع بيان حجوم الإنفاقات الإدارية التي لا تسدها الضرائب المحلية في هذه الإقليم. زد على ذلك، يتوجب على سلطة الإقليم تقديم كشوفات عن الموارد والإنفاقات حسب أبوابها المصنفة، مع كل المبررات القانونية والحسابية. هل سلكت سلطة الإقليم هذا المسلك منذ قيامها حتى اليوم؟ الجواب كلا، بل هي تتصرف، تماما، كدولة مستقلة وتثير نزاعات حول أراضي تسميها متنازع عليها، علما، إنها لم يسبق لها بالتأريخ أن كانت دولة مستقلة وسُلبت منها هذه الأراضي وأنها كانت تتنازع عليها. اضف الى ذلك، فكركوك والمناطق الأخرى تسكنها أقوام عراقية من اثنيات عربية وغير عربية لها الحق في تقرير إنتماءها الوطني للدولة العراقية، كما كانت عبر العصور! وأكثر من ذلك، تستغل حكومة الإقليم هجوم داعش الإرهابي فتتحرك لإحتلال كركوك وما تسميها بالمناطق المتنازع عليها بالقوة، ثم تعلن بأنه لا حاجة بعد الآن للحديث عن تطبيق مقتضيات المادة 140 لتسوية هذا الموضوع على اساس الإستفتاء  الذي يتطلب العودة الى إرادة العراقيين من غير الأكراد في تقرير مصيرهم.

ثالثا، نستنتج أن هذه الخلافات عصية على الحل في الأمد المنظور، وأن على الحكومة الفدرالية أن تبلور منظورا إستراتيجيا لتسويتها سلميا لصالح كل العراقيين. وغني عن القول، بأن هذا النزاع المُهندس من قبل سلطة الإقليم والقادة السياسيين الأكراد، قصير النظر بالنسبة الى مستقبل التنمية في إقليمهم المغلق بريا والذي تنقصه الموارد غير النفطية، وحيث ستكون الموارد النفطية التي يستولون عليها خلافا للدستور هي بالطبع ناضبة ولا تشكل اكثر من 16% أو حوالي 40 مليار برميل في أحسن الأحوال، من المخزون النفطي في بقية العراق الذي قد يتجاوزمخزونه النفطي ال 400 مليار برميل والذي سيستغرق إستنزافه أكثر من قرنين ونصف من الزمن. هل من مصلحة الأكراد، في حالة إستقلالهم، حرمان أنفسهم من هذاه الموارد الكافية لتحقيق تنمية مستدامة في جميع أنحاء العراق، بضمنها الإقليم؟ السؤال محال الى العقلاء من القادة الكرد ومستشاريهم والمصفقين لهم!!

*) باحث وكاتب إقتصادي ، مستشار سابق للامم المتحدة

ألاراء الواردة في المقالات المنشورة على موقع شبكة الإقتصاديين العراقيين لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة التحرير وانما وجهة نظر كاتبها فقط، وهو الذي يتحمل لوحده المسؤولية العلمية والقانونية

حقوق النشر محفوظة لشبكة الإقتصاديين العراقيين. يسمح بالاقتباس واعادة النشر بشرط الاشارة الى المصدر

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: