قوانين وتشريعات اقتصادية

عادل اللامي: ملاحظات تشريعية على مسودة مشروع قانون مجلس الاتحاد المقدمة من رئيس الجمهورية

   الاعراف والتقاليد الدستورية العالمية المعروفة خصوصا في الدول الاتحادية ذات الديمقراطيات  العريقة التي تبنّت نظام ازدواجية السلطة التشريعية بسب كونها بالدرجة الاساس دول اتحادية تشكلت من انضمام عدة دويلات كالولايات المتحدة الامريكية حيث يتكون البرلمان الامريكي (الكونكرس) الذي يتكون من غرفتين هما مجلس النواب ومجلس الشيوخ او كانتونات كالاتحاد السويسري حيث يتكون البرلمان من غرفتين ايضاً (مجلس النواب ومجلس الشيوخ) او تكون الدولة الاتحادية قد تشكلت عادةً من مجموعات اقليمية متجانسة تريد الانضمام الى دولة واحدة من دون الانصهار التام في الدولة الجديدة وترغب بالاحتفاظ ببعض الحقوق والاختصاصات كأن تكون اقاليم ومقاطعات جغرافية قائمة بالدرجة الاساس على مكونات قومية لغوية ، من هنا جائت فكرت تأسيس مجلس يمثل رغبات ومصالح هذه المكونات الاقليمية ويكون عدد الاعضاء الممثلين لتلك المكونات الجغرافية متساوٍ واقل من عدد اعضاء المجلس الثاني الذي يمثل عموم الشعب وبعدد يتناسب مع عدد السكان.

   لقد تراجعت كثير من الدول ومنها الدول الاتحادية عن فكرة وجود مجلسين تشريعيين ومع الزمن ونتيجة للتطور الديمقراطي ففي بعض الدول الاسكندنافية مثلاً تمّ الغاء المجالس “الارستقراطية” اي المجلس التشريعي الاول كما حصل في السويد وفنلندا والدانمارك والنرويج، او تم التقليل من اهميتها بشكل كبير كما حصل في بريطانية، او تم تحويلها الى هيئة ديمقراطية كما هو الحال في بلجيكا وفرنسا وهولندة.

  لقد قضت هذه الاعراف ان تكون العلوية للمجلس الاول الذي يمثل بشكل اساس الدويلات، الولايات، الاقاليم، الكانتونات او المقاطعات المنضوية في اتحاد لتشكل الدولة الاتحادية (الفدرالية) والذي يسمى حسب تقاليد الدول عدة مسميات مثل مجلس الاعيان، مجلس الشيوخ ، مجلس اللوردات ، مجلس الولايات او مجلس الاتحاد كما في الدستور العراقي النافذ ولكنها تدل على ان اعضائه يمثلون النخبة في تلك الولايات وعادة ما تكون شروط انتخابهم او اختيارهم او تعيينهم اكثر صرامة ومميزات من اعضاء المجلس الثاني والذي يكون المجلس الأدنى حسب تلك الاعراف والتقاليد الدستورية حيث تكون شروط انتخابهم اقل متطلبات ومميزات من اعضاء المجلس الاول، فمثلاً يكون الحد الادنى لعمر المرشح 40 او 35 سنه، او ممن لديهم ملائة مالية معينة او ممن تبوءوا مناصب مهمة وغيرها…

   بالرغم من ان فكرة المجلسين التشريعيين ولدت من رحم الدول الاتحادية، إلا ان الفكرة ايضا لاقت رواجاً في بعض الدول غير الاتحادية اي الدول البسيطة مثل البرلمان المصري الذي يتكون من مجلس الشورى وله العلوية ومجلس الشعب وايضا في الاردن فان البرلمان الاردني يسمى مجلس الآمة ويتكون من غرفتين العلوية للغرفة الاولى ويسمى مجلس الاعيان الاردني والذي يعين الملك اعضاءه تعييناً والغرفة الثانية هي مجلس الشعب الاردني الذي ينتخب من الشعب، كذلك في العراق ايام العهد الملكي.

   وبالرغم من هذه الاعراف فقد خالف المشرع الدستوري العراقي هذه الاعراف بعدم اعطاء العلوية لمجلس الاتحاد ولم ينص الدستور على هيكلية وطريقة اختيار اعضاء مجلس الاتحاد ولم يحدد صلاحياته وغيرها كما حصل مع التفاصيل الدستورية التي تنظم حياة مجلس النواب العراقي، بل ترك ذلك بالاشارة فقط في نص المادة (65): (يتم انشاء مجلسٍ تشريعي يُدعى بـ (مجلس الاتحاد) يضم ممثلين عن الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في أقليم، وينظم تكوينه، وشروط العضوية فيه، واختصاصاته، وكل ما يتعلق به، بقانونٍ يسن بأغلبية أعضاء مجلس النواب.) وبذلك افقد هذا المجلس العلوية والاهمية التي انشأت من اجلها هكذا مجالس ، ناهيك عن ان مسودة مشروع قانون انشاء هذا المجلس نصت في المادتين (2 و3) على ان الشروط الواجب توفرها في عضو مجلس الاتحاد هي نفس الشروط الواجب توفرها في عضو مجلس النواب وايضاً فان طريقة انتخابهم هي نفس طريقة وقانون انتخاب مجلس النواب. اذا نحن لسنا امام مجلس اتحاد قوي ويتمتع بعلوية لكي يمثل مصالح المكونات الاقليمية والادارية للمحافظات العراقية ويحد من غلواء السلطة التنفيذية والتشريعية معاً ازاء المكونات الجغرافية للدولة العراقية “الفدرالية” . بل اضفنا مجرد توسعة لمجلس النواب العراقي وكاهل جديد على الميزانية العراقية من جهة وعلى حسن سير العملية التشريعية وسرعتها وجديتها لتلبية متطلبات بناء الدولة العراقية الجديدة التي تعاني من الكثير من الكبوات والمشاكل والاهمال من جهة اخرى، وسوف يكون مجلس الاتحاد ما هو إلا صورة مصغرة لمجلس النواب بكتله واحزابه الحالية وايضاً ستكون ارادة اعضاء مجلس الاتحاد مرهونة بارادة نفس قادة كتل مجلس النواب.

   من الملاحظات التي تدل على نية المشرع في هذه المسودة التقليل من صلاحيات وسلطات رئيس مجلس الوزراء بصفته اهم منصب سيادي في الدولة وحسب الدستور العراقي انه ذكرت فيه عبارة (رئيس الجمهورية) – 20- مرّة وذكرت عبارة (مجلس الوزراء) – 6- مرات فقط ولم تذكر عبارة (رئيس مجلس الوزراء ) مطلقاً. وفيما يلي بعض التفصيلات لملاحظاتنا حول نص مشروع هذا القانون نأمل ان تدرس بعناية من المشرع العراقي لهذا القانون.

* حقوقي وأول رئيس لمفوضية الانتخابات العراقية.

الملحق : نص مسودة مشروع قانون مجلس الاتحاد المقدمة من رئيس الجمهورية بصيغة ملف بي دي أف. انقر هنا لتنزيل الملف

الاراء الواردة في كل المواد المنشورة على موقع شبكة الإقتصاديين العراقيين لاتعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير وانما عن كاتبها فقط وهو لوحده يتحمل المسؤلية العلمية والقانونية

 

حقوق النشرة محفوظة لشبكة الإقتصاديين العراقيين ويسمح بالاقتباس واعادة النشر بشرط الاشارة الى المصدر

http://iraqieconomists.net/ar/

 

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: