الموازنة العامة

د. جعفر عبد الغني: ملاحظات حول مقترحات النائب عدنان الجنابي ولؤي الخطيب بشأن الموازنة العامة لسنة 2015

تحت عنوان ” موازنة عام 2015 بين التحديات المالية وفرص الاصلاح الإقتصادي” صدر مقال مشترك  لعضو مجلس النواب عدنان الجنابي و رئيس معهد العراق للطاقة الاستاذ لؤي الخطيب يشمل مجموعة من المقترحات تتعلق بالاصلاح الاقتصادي  و توفير مبلغ مقداره خمسون بليون دولار لموازنة عام  2015 ونشر نصه على موقع شبكة الإقتصاديين العراقيين بتاريخ 30/12/2014

الخطة المقترحة بالمذكرة تحوي على بعض المقترحات الجيدة للغاية سيما تلك المتعلقة بزبادة كميات النفط المنتجة و المصدرة لتامين اقصى ما يمكن من مبالغ لدعم الميزانية .وتتمثل هذه الزيادة برفع حصة الكميات المصدرة سنويا من نفط كركوك من250 الف برميل الى 350 الف برميل و حصة الاقليم من 250 الف برميل الى 400 الف برميل.

و احي بشدة مقترحهم بشأن التعاون مع الشركات العالمية للاستفادة من الغاز الطبيعي المصاحب لانتاج النفط الخام لاستخدامه في انتاج الطاقة الكهربائية وربما في بعض المشاريع الصناعية الاخرى كمادة اولية للانتاج كما هو الحال في صناعة الاسمدة النتروجينية او في انتاج الحديد بواسطة الخزل المباشراو في صناعة الاطارات و الالمنيوم وغيرها من الصناعات المستهلكة للطاقة بغزارة.و لا يخفى على كل المهتمين بالتنمية الصناعية ان مستقبل العراق الصناعي سيستند على الصناعا ت البتروكيمياوية التي يعتمد انتاجها على الغاز الطبيعي و السوائل النفطية وعلى ما يتدرج منها من منتجات كالصناعات البلاستيكية و اللدائن المختلفة لانتاج النسوجات و الاقمشة وغيرها من الصناعات الاستهلاكية.

و بالرغم من اعترافنا بان الاهداف الرئيسية للورقة انصبت على توفير موارد اضافية للميزانية لملافات العجز الكبير فيها الا ان الكثير من هذه الاجرائات تمس حياة الفقراء من ابناء الشعب العراقي الذين يشكلون حوالي ثلاثين بالمائة من السكان لذا وجدنا من الصعب السكوت عنها بل تناولها لكي لا نخلط الصالح بالطالح. أن السنين الصعبة الاخيرة من تاريخ العراق الحديث شهدت اكبر العمليات لسرقة  المال العام من قبل الساسة والمرتبطين بهم من اصحاب النفوذ الجشعين من الاقارب و الاحباب و الانساب تعدت مئات المليارات من الدولارات.مما يستوجب التوجه بالعمل على استردادها أؤ جزء منها وسيكون هذا خير مورد صالح لاعادة العافية للاقتصاد العراقي وسد العجز في موازناته العامة.

علينا اولا التوقف قليلا حول فقرة الغاء الدعم المفروض على اسعار المشتقات النفطية  فبا لرغم من اعترافنا بان هذا الدعم يشكل ثغرة كبيرة في الموازنة خصوصا و نحن نستورد جزئا كبيرا من هذه المشتقات بالعملة الصعبة الا اننا يجب ان لا ننسى ان زيادة كلفة النقل  الناجمة عن هذا الالغاء ستنتقل بشكل مباشر الى المستهاك الفقير.و أن النتائج و الابعاد الاقتصادية المتعلقة بهذا الاجراء لها تاثيرات خطيرة على حياة المواطن اليسيط التي يجب ان تكون في مركز الاعتبار الرئيس  للموازنة. ويجب ان لاننسى العذابات الاضافية  التي سيشكلها هذا الاجراء على حياة اكثر من مليون من العوائل النازحة و المشردة نتيجة لاعتدائات عصابة داعش الاجرامية وسيطرتها هلى اجزاء غير قليلة من الاراضي العراقية. واخيرا يصعب على المواطن البسيط بل حتى المختص الربط بين هذا الموضوع وانخفاض اسعار النفط العالمية ولم يتوحب عليه دفع ضريبة هذا الانخفاض.

و تعليقا على مقترحات اصلاح قطاع الكهرباء الذي اصبح العقدة الاولى في حياة العراقيين فاننا و باختصار كبير لا يمكننا توقع عما سيحدثه الغاء التخصيصات الاستثمارية و التشغيلية لهذا القطاع وهكذا بدفعة واحدة ولا عن درجة الفوضى التي ستنجم عن ذلك.أن هذا الاقتراح يذكرني بالاوامر ( القوانين ) التي كان يصدرها الحاكم المدني الامريكي للعراق و التي تجاوز عددها المائة على مبدأ  (  كن فيكون ) . كان الهدف الاساس لكل هذه القوانين ( الاوامر ) هو بناء اقتصاد ليبرالي على الطريقة الامريكية وفقا لمبادىء ومعتقدات الجناح اليميني في الحزب الجمهوري الامريكي.و قد كنت ولفترة وجيزة خلال عملي في العراق كما كان صديقي العزيز عدنان الجنابي شهودا على ذلك.ولابد ان ننتبه بان مشاكل العراق ليست اقتصاية بحته و يا ليتها كذلك بل هي  مشاكل اجنماعية و ثقافية و حضارية ترتبط بحياة الملايين من العراقيات و العراقيين الذين عانوا من ازمات حادة للغاية خلال العقود  المنصرمة من الدكتاتورية و الحروب و الحصار  و الاحتلال و كل ذلك خلال فترة لا تتعدى الجيلين  من الزمن . واكثر ما نخشاه ان يصيب قطاع الكهرباء ما اصاب القطاع الصناعي العام من مأّسي و توقف لازال الاقتصاد و المجتمع العراقي يئن منها.

اما ملاحظاتنا حول تدابير ( خطة النقشف ) التي اقترحت تحويل تخصيصات البطاقة التمويتية البالغة ستة مليارات دولار للنازحين و العائلات الفقيرة  بصيغة كوبونات او صكوك مالية لتغطية نفقات التموينية و الوقود .المشكلة في هذا الاقتراح تكمن في كيفية تمييز العوائل الفقيرة هذه علما بان البطاقة التمونية نافذة العمل منذ سنين طويلة بل عقود بدون القدرة على التمييز بين من يستحق استلامها ومن لا يستحق ذلك. وهذا الاقتراح يصعب للغاية تحقيقه لا سيما في ظرف سنة و احدة.

ولا بد من وقفة جدية عند مقترح ( التدابير الاخرى )  وخاصة ما يتعلق منها بفقرة  (خصخصة  )  مشاريع الدولة ابتدائا بمشاريع الشركات التابعة لوزارة الصناعة و التسائل هنا هو اليست هذه الخطة نافذة المفعول منذ بدء الاحتلال و الاوامر ( القوانين )  التي اصدرها بول بريمرو لغاية الوقت الحاظر و هي تظهر في كل خطة و ميزانية سنوية بدون تحقيق اية نتيجة. وفي هذه الاثناء لم يبدي اي مستثمر عراقي او اجنبي اية رغبة للدخول او الارتباط بهذه الخصخصة اوالتعاقد على مشاريعها بينما الدولة العراقية لا تبدي اية رغبة في اعادة تأهيل تلك الشاريع ا و تشغيلها من جديد. الم يكن الحرى بوزارة الصناعة و الحكومة العراقية اعادة تأهيل المشاريع الصناعية الستراتيجة الكبرى ورفد السوق العراقية ة الاقتصاد الوطني بمنتجاتها و مداخيلها و العمالة التي توفرها . وفي اي حال من الاحوال فان المشاريع العاملة تكون اكثر جاذبية لمن يرغب من المستثمرين من المشاريع المتوقفة التي صدأت مكائنها .لماذا اصبح القطاع الصناعي العام منبوذا من ساسة العراق بعد ان اصدر الحاكم الامريكي الحكم باعدامه  وإزالته بل وتحجيم الحديث عنه ؟ الم يكن القطاع الصناعي بفضل و وزن القطاع العام يشكل رقما مهما في حسابات الدخل القومي.؟ أين هي الصناعة الان ؟ بل واين الزراعة ؟ اصبحنا بلدا يستورد كل شيء و لا ينتج الا اليسير و يتربع التجار في الهيمنة على اقتصادنا وعلى ما نأكل و نلبس ونملء بيوتنا من اثاث.يجب ان لا نستمرفي غمض عيوبنا وعسى ان نتعلم من حاضرنا لنبني مستقبلنا.

ولا بد وان نعترف بان القطاع العام في العراق سيما في مجال الخدمات العامة و الصناعة اصبح يمثل جزا من موروثنا الشعبي وذلك منذ انطلاقه في اوائل الخمسينيات من القرن الماضي ابتدائا من تشكيل مجلس الاعمار و شروعه في بناء السدود و الخزانات ومشارع الري و الارواء و البزل و المصافي و الاسمنت و الكبريت ومشاريع الكهرباء الكبرى .ان راسمال الدولة المستثمر في القطاع العام هو الذي بادر في بناء النهضة الحديثة في العراق

و بقي هذا القطاع يمثل المحور الاساس  للتنمية الصناعية في العراق. وكان القطاع الخاص الصناعي و المصرفي و الخدمي يحقق نجاحات ملموسة كذلك بل كان يتفاعل مع القطاع العام في تبادل المنتجات و الخبرة على اساس المنافع التبادلة. وفي ظل حكم البعث الشمولي حقق القطاع العام لاسيما الصناعي منه خطوات مهمة الى الامام في كافة المجالات و الصناعات. وقد شمل ذلك الصناعات الثقيلة كصناعة الحديد و الصلب و الصناعات الهنسية الدقيقة و الصناعات الكيمياوية و الكهربائية والاستهلاكية و الغذائية.وقد ارسلت هذه النهضة وبسبب من غباء النظام ونزعته العدوانية رسائل رعب الى الغرب بامكانيتة و عزمه على انتاج الاسلحة الذرية و اسلحة الدمار الشامل الكيمياوية و الجرثومية. وعلى اساس  هذا السيناريو رتبت حملة احتلال العراق للقضاء التام على هذه القدرات و اجتثاث جذورها. و بالفعل تم الاحتلال وتم تدمير كل شيء باستثناء الصناعة النفطية لاسباب لا تخفى على احد. نعم اختفى القطاع العام و المشاريع الصناعية و الستراتيجية الكبرى وارسل العاملين فيها الى بيوتهم مع الاستمرار في صرف رواتبهم التي تشكل عبئا ليس في القليل على الميزانية العراقية.

وبتهديم القطاع الصناعي العام انهار معه القطاع الصناغي الخاص بل اختفت الصناعة من مشروع التنمية العراقي ولم يبق الاترديد الشعارات الفارغة و الكلاع المعسول.ان هذا المصير الذي بلغناه يمثل في رأي قمة الادلجة الاقتصادية لمشروع التنمية مفادها اعتماد اللبرالية الامريكية كنظام اقتصادي اجتماعي للعراق مهما كلف الامر وكيفما كان السعر. ولا من ا حد ينظر او  يبحث عن البدائل والحلول المتاحة لاعادة الحياة للصناعة العراقية وايجاد موارد جيدة للدخل القومي بدلا من اللجوء الى مشاريع التقشف على حساب فقراء العراقيين و المعدمين. لقد سبقنا الكثيرون  في البناء و التقدم كالنمور الاسيوية و الناهضون في امريكا الوسطى و الجنوبية . لقد فعلتها اوربا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية لتبني واحدة من اهم الاقتصاديات العالمية.فلماذا يحرم علينا فعل الشيء ذاته لاتقاذ اقتصادنا و بلادنا من الازمة التي نعيشها.

وفي الختام اود التعبير عن تثميني العالي للجهود التي بذلها الزميلين النائب الاستاذ عدنان الجنابيى و الاستاذ لؤي الخطيب في اعداد هذه الوثيقة المهمة و توقيت اصدارها لتتزامن مع مناقشة الميزانية في البرلمان واخيرا لهم الشكر الجزيل لتحفيزي على كتابة هذه السطوربعد توقفي التام عن ذلك.واعتذر لزملائي محرري الورقة عن اللغة القاسية التي قد اكون استخدمتها بدون مقاصد شخصية. و اكرر من جديد تقديري العالي لمهنيتهم

(*) مستشار أقدم سابق في منظمة الامم المتحدة للتنمية الصناعية

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

تعليقات (2)

  1. Avatar

    شكرا لك دكتور
    اود ان اضيف معلومة
    بالامكان رفع الدعم عن المشتقات النفطية دون المساس بالطبقة الفقيرة . وذلك من وسائط النقل الحكومية العامة فقط بالوقود واعادة بناء الاسطول البري . مع تطبيق نظم مراقبة الكترونية ونظام تزود بالوقود من خلال بطاقات الكتروتية لضمان عدم التلاعب بالوقود . هذا الاجراء سيوفر للدولة مليارات الدنانير سنويا من الارباح حيث ستزداد معدلات اللجوء لوسائط النقل الحكومي
    كذلك لدي ملحوظة الا تعتقد ان الاسواق اغرقت بالبضائع الكمالية وارهقت كاهل المواطن خصوصا واننا مستهلكين ولسنا منتجين وبالتالي هذا كله يؤثر النظم الاجتماعية والاقتصادية ويسبب مشاكل جمة في مقدمة السلع الكمالية اجهزة النقال الباهضة الثمن الذي يبلغ سعر بعضها اكثر من 1000 دولار الا تعتقد ان هذا يؤثر على كتلة النقد الخارجة من البلد لقاء سلع غير انتاجية

  2. فاروق يونس
    فاروق يونس:

    اخى العزيز الدكتور جعفر عبد الغنى
    اولا – ملاحظتك حول مقترحات الناـب عدنان الجنابى والاستاذ لوْى الخطيب بشان الموازنة العامة لسنة 2015 ليست ملاحظات عابرة بل توْكد على اهمية تصيع العراق واحداث ثورة زراعية خصراء فى العراق وليس الاستمرار على ريع نفطى ناضب
    ثانيا – موقفك من دعم المشتقات النفطية قابل للمناقشة
    ثالثا – اتفق معك بشان الموقف من البطاقة التموينية واضيف ما يلى
    1- هل يعقل ان يحصل شخص على اعانة من الدولة بموجب البطقة التموينية وهو خاضع لضريبة الدخل ؟
    2- لماذا يحصل الاغنياء والميسرون فى العراق على صافى اعانة وليس على صافى ضريبة ؟
    اتمنى لك الصحة والعمر المديد

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: