المصارف وأسواق المال

سمير عباس النصيري: القطاع المصرفي العراقي في عام 2016 بين الانهيار والنهوض

مضى عام 2015 وقبله عام 2014 والعراق يمر بأزمة اقتصادية ومالية خانقة بدأت بالتصاعد والتفاقم وظهرت على السطح منذ منتصف عام 2014 لأسباب موضوعية وذاتية اصبحت معروفة ليس للاقتصاديين المختصين فقط وانما للجمهور ايضا ويمكن تحديدها كما يلي :
1- سوء الادارة المالية والفساد المالي والاداري في مؤسسات الدولة الاقتصادية .
2- التصرف غير العقلاني وغير المخطط للموارد النفطية المتحققة للأعوام السابقة وعدم وجود الاحتياطي الحكومي .
3- هبوط اسعار النفط في السوق العالمية بنسبة 65 % عن اسعاره قبل سنة تقريبا .
4- تكاليف ومتطلبات الحرب على الارهاب واحتلال ما يسمى بداعش بحدود 40% من مساحة العراق .
5- عدم وجود منهجية أو استراتيجية واضحة للاقتصاد العراقي .
6- ارتباك الرؤية وعدم التنسيق بين السياستين المالية والنقدية .
7- الاعتماد بشكل كلي ومطلق على الموارد النفطية وعدم قيام الحكومات المتعاقبة على وضع الخطط والبرامج لتنويع الموارد وتشجيع القطاعات الاقتصادية الاخرى كالزراعة والصناعة والسياحة …. الخ .
8- عدم تطبيق الاستراتيجيات التي اعدتها لجان وهيئات المستشارين في مجلس الوزراء وبالتعاون مع المنظمات الدولية التابعة للامم المتحدة والتي بلغ عددها بحدود 16 استراتيجة لم يتم وضعها موضع التطبيق كما لم يتم دعمها ايام الوفرة المالية في عوائد النفط .
9- عدم التوجه نحو بناء وتأمين البنى التحتية والمؤسسات الراعية والداعمة للاقتصاد العراقي وادخال العراق في اتفاقيات وعقود طويلة الامد بهدف تطوير الصناعة النفطية ولكن واقع الحال يؤكد الضرر الكبير الذي ستحدثه هذه العقود وعلى سبيل المثال عقود جولات التراخيص .
10- اصرار البنك المركزي على استخدام الاليات والاساليب المعتمدة سابقا في تطبيقات السياسة النقدية ومنها الاستمرار بمزاد بيع العملة الاجنبية وبيع بحدود (200 مليون دولار يوميا ً).
بالرغم من المشاكل الكبيرة التي تعرض لها سوق التداول النقدي وعدم استقرار سعر صرف الدينار العراقي وهروب نسبة من العملة الاجنبية الى خارج العراق لاهداف غير اقتصادية كما هو معلوم اضافة الى تحميل البنك المركزي مسؤولية بالرغم من أنه لا يتحملها هو لوحده لأن هذه العملية يجب أن تتحملها جهات عديدة ومؤسسات حكومية مختصة كوزارة التجارة والتخطيط والمالية والداخلية والاعلام غير المختص الذي يروج للاشاعات والاتهامات وأخيرا المضاربين وتجار العملة والمنتفعين من المزاد وهم كثر وبأختلاف عناوينهم .
11- قيام البنك المركزي العراقي بأجازة تأسيس مصارف غير رصينة ومنح تراخيص لمساهمين وأصحاب رؤوس اموال لا يفقهون في الاقتصاد والعمل المصرفي شيئا والمهم أن يكون رأس مال المصرف لا يقل عن 250 مليار دينار وقد تحول قسم كبير من تجار العملة والصرافين الى رؤساء مجالس ادارات وأعضاء مجالس ادارة وجلبوا مدراء مفوضين وقيادات مصرفية غير مختصة وأنطلقوا من مفهوم أن المصرف هو لتمشية أعمالهم الخاصة ونسوا إن هناك حقوق مساهمين وإن هناك اهداف إقتصادية محددة للعمل المصرفي هو المساهمة في الناتج المحلي الاجمالي وبالتالي أن يكون للمصارف دور مهم وأساسي في التنمية الاقتصادية المستدامة وتقديم أفضل الخدمات الحديثة والتقنية للزبائن وتنمية ثقافة الادخار لدى الجمهور حيث تؤكد الاحصائيات والمؤشرات في عام 2015 ان نسبة الادخار بلغت 23% ونسبة الاكتناز بلغت 77% وهذا يؤشر مدى عدم ثقة الجمهور بالقطاع المصرفي العراقي خصوصا في الفترة الاخيرة .
12- الابقاء على تطبيق القوانين التي لاتنسجم مع واقع الاقتصاد العراقي والتي جاء بها الحاكم المدني الامريكي (بول بريمر) في عام 2004 ومنها قانون المصارف 94 لسنة 2004 وقانون البنك المركزي 56 لسنة 2004 وقانون سوق العراق للاوراق المالية 74 لسنة 2004
وهذه القوانين هي التي تنظم العمل المصرفي واالاقتصادي في العراق إضافة الى قانوني الاستثمار وغسل الاموال اللذان تم اجراء التعديلات عليها اخيرا بعد ان استمر النقاش والتجاذبات فيها كثيرا في مجلس النواب العراقي . وبما ان الجميع يعرف أن الحلقة الاساسية والاولى والتي بدأ بها القطاعات الاقتصادية بالعمل هو القطاع المصرفي اي القطاع التمويلي والاستثماري الذي يجب ان يلعب الدور المطلوب في التمنية الاقتصادية وهو الان يمر بأضعف مراحله للاسباب أعلاه ومهدد بالانهيار وبالتالي اذا حصل الانهيارفحتما سينهار الاقتصاد العراقي خصوصا وان اسعار النفط الأن لاتزيد عن 30 دولار للبرميل بينما موازنةالعام 2016 اعتمدت سعر 45 دولار للبرميل لذلك نعتقد يجب على مجلس الوزراء ولجنة الازمة والبنك المركزي العراقي التوقف لمراجعة وتحليل وتشخيص الاسباب ومحاولة الوصول الى حلول ناجحة للازمة التي يعاني منها الاقتصاد ويعاني منها القطاع المصرفي العراقي مقترحا ما يلي :
مقترحات النهوض في القطاع المصرفي العراقي
أولا : الدور الحكومي
1- قيام البنك المركزي بدراسة الواقع الذي تعيشه المصارف الحكومية والاهلية من خلال مراجعة وتقييم وتصنيف هذه المصارف استناداً الى بياناتها المالية ونتائج اعمالها لعام 2015 واعتماد مؤشرات تقييمية واضحة ومستندة الى قانون المصارف النافذ والمعايير الدولية ومن ابرز هذه المؤشرات المركز المالي والسيولة وكيفية توظيف ودائع الزبائن واستثمارها والالتزام بالتعليمات النافذة وبشكل خاص ما يتعلق بمنح الائتمان النقدي بأنواعه بما يضمن المحافظة على حقوق المساهمين وحركة اموال الزبائن الداخلة لهذه المصارف والخارجة منها وشفافية البيانات والمعلومات والافصاح عنها حسب معايير المحاسبة الدولية .
2- تكليف فريق عمل مختص في التحليل المالي وتحديدمعايير كفاءة الاداء للمصارف في جميع مجالات العمل المصرفي الاداري والمصرفي و الائتماني ويفضل ان يكون هذا الفريق مستقلا وحياديا اخذين بنظر الاعتبار نتائج نظام التقييم الامريكي camels لعامي 2013 و2014.
3- إشتراك رابطة المصارف العراقية ومستشارين وخبراء مصرفيين مستقلين لا يعملون في هذه المصارف من أجل اعداد تقرير المراجعة والتقييم اعادة تصنيف المصارف وتحديد المصارف التي تستمر بالعمل في القطاع المصرفي من عدمه ٍوالمصارف التي يقترح دمجها مع مصارف اخرى بهدف زيادة كفاءة عملها وتغيير اداراتها الحالية بإدارات متخصصة وكفوءة وتطوير عمل المصارف الجيدة والرصينة ومساعدتها على الاستمرار بالعمل ضمن القطاع المصرفي العراقي ضمن سياقاته السليمة والصحيحة بإعتبار ان القطاع المصرفي هو الاساس في بناء الاقتصاد الوطني .
4- قيام البنك المركزي العراقي بالسيطرة الكاملة والشاملة على حركة العمل المصرفي في العراق من خلال التركيز على الرقابة الاستباقية الالكترونية المكتبية والميدانية وبشكل مبرمج ومخطط وتحديد المخالفات والهفوات والتجاوزات للادارات التنفيذية المصرفية واتخاذ اجراءات تصحيحية وفي بعض الاحيان رادعة بعد اعطائهم الوقت اللازم والكافي للتصحيح والاصلاح .وتحمل المسؤولية القانونية لمجلس الادارة والادارة التنفيذية وبشكل محدد وواضح وعدم اعطاء مرونات مطاطة في المعالجات بأسلوب كتابنا وكتابكم .
5- تطبيق قرار مجلس ادارة البنك المركزي العراقي بشأن ضوابط ترشيح اعضاء مجلس الادارة والموظفين القياديين في المصارف والتركيز على الكفاءة المهنية والنزاهة الوظيفية والسمعة الشخصية والتجارية والخبرات الاختصاصية وعدم التهاون في ذلك ابدا كما هو ما يحصل حاليا بترشيح مجالس ادارات ومدراء مفوضين وقياديين من غير المواصفات المطلوبة لاعتبارات المحسوبية والمنسوبية .
6- التأكيد على الفصل بين المالكين والادارات التنفيذية وعدم السماح لهم بالتدخل مطلقا بالعمل التنفيذي ويمكن للمالكين اعتماد مستشارين مختصين في اعداد الخطط المصرفية والتحليل المالي وتحديد كفاءة الاداء ومتابعة تنفيذ ما يخططه المجلس وبأسلوب يتناسب مع الحرص على اموال المساهمين والزبائن واستثمارها بالشكل السليم والواضح .
7- اتخاذ الخطوات المدروسة لتأسيس مصرف للتنمية والاستثمار تشارك براسماله الدولة بنسبة لا تزيد عن 25% وان يدار من قبل القطاع المصرفي الخاص وتتولى الدولة التوجيه والرقابة على ان تخضع حساباته لمراقبة وتدقيق ديوان الرقابة المالية .
8- هيكلة المصارف الحكومية والعمل على خصخصتها وفقاً للمذكرة الموقعة مع البنك الدولي مع التركيز على مساهمتها مع بعض المصارف الرصينة في القطاع المصرفي الخاص وبنسبة لاتزيد عن 25 % على ان تدار هذه المصارف بعقلية اقتصاد السوق وتخضع لرقابة ديوان الرقابة المالية وبهدف تحقيق مساهمة تتجاوز النسبة الحالية البالغة 8 % من الناتج المحلي الاجمالي والوصول بها الى النسب المتحققة في الدول الاقليمية .
9- الدراسة والتحليل بشكل دقيق لتقارير البنك الدولي حول الوضع المالي في العراق والاستفادة من الافكار المطروحة في هذه التقارير بهدف اصلاح القطاع المصرفي العراقي والتركيز بشكل واضح على تهيئة البنى التحتية المصرفية وتطبيق التقنيات الحديثة في العمل المصرفي مع استكمال المشاريع التقنية التي ينفذها البنك المركزي العراقي . لانه كما هو معروف ويجب ان يعرف بأن العراق يقع في الربع الاخير للدول المتخلفة في التقنيات المصرفية على الاقل على مستوى الدول الاقليمية والمجاورة .
10- يجب ان يلعب الاعلام الاقتصادي المختص والوطني دورا فاعلا واساسيا في دعم الاصلاح المصرفي من خلال تبني مشاكل العراق الاقتصادية وازمته المالية الحالية والمساهمة في خلق الاستقرار الاقتصادي وتمكين ومعاونة المؤسسات الاقتصادية .
والمصارف في تجاوز مشاكلها وان يكون اعلاما اقتصاديا ًوطنيا ً يقاتل كما يقاتل العراقيون الاباة الان دفاعا ً عن الوطن . لا ان يكون إعلاما ً مضادا ً بالنوايا كما يحصل وأن تكون مهمته فقط التشهير والقاء التهم على المصارف وتعميم تقصير بعض المصارف على جميع منظومة العمل المصرفي العراقي الأمر الذي سيؤدي الى الاضرار بالاقتصاد الوطني وذراعه الاساسي القطاع المصرفي من خلال اضعاف ثقة المواطنيين المحليين والبنوك المراسلة العربية والاجنبية بالعمل المصرفي في العراق .
ثانيا ً :- دور البنك المركزي العراقي
1- اعادة النظر بسياسته الخاصة بالسيطرة على السياسة النقدية وبالتحديد الياتها ووسائلها المتعلقة بالمحافظة على سعر صرف الدينار العراقي مقابل العملات الاجنبية وفق معدلات متوازنة وثابتة نوعا ما . وهذا يتطلب دراسة موضوع مزاد بيع العملة وقيام البنك بتأمين الدينار العراقي الى وزارة المالية وامكانية قيام المالية بالدور والتعامل بالنقد الاجنبي بدلا ً عنه. والحد من الممارسات المعتمدة من بعض اصحاب النفوس الضعيفة في استغلال هذا المزاد في غسل الاموال .وخلق المضاربات في السوق النقدي .
2- إعادة النظر بدراسة واصدار لوائح ارشادية وتنفيذية جديدة وتوجيه المصارف للعمل بما ينسجم مع النظرة الجديدة لأدارة السيولة النقدية مع التركيز على موضوع اعادةتصنيف الديون المتعثرة وتحديد الاحتياطي المخصص لها .
3- الاسراع بتأسيس شركة ضمان الودائع بما يجعل البنك يساهم في الرقابة والمشاركة في ادارة ودرء المخاطر .
4- تفعيل وتطوير مبادرة تشجيع وتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة ذات الجدوى الاقتصادية والتنموية وتحقيق هدف الحد من البطالة وبدون تعقيد للإجراءات التنفيذية وجعل عملية التنفيذ هي احدى معايير التقييم المعتمدة للمصارف لعام 2016
5- التعاون مع هيئة الاوراق المالية ودراسة تحفيز وتطوير سوق العراق للاوراق المالية وايجاد الوسائل والاليات التي تؤدي الى رفع اسعار مؤشر السوق والشركات بما يتلائم وموجوداتها ومعايير انتاجها وارباحها بما لا يقل حتما ًعن قيمة الاسهم الاسمية .
6- قيام البنك المركزي بتشكيل فريق من رابطة المصارف والخبراء والمستشارين الاقتصاديين والمصرفيين من القطاع الخاص يقدم المشورة والخبرة لمجلس ادارة البنك ودوائره المختصة وقبل صناعة القرارات المهمة الخاصة بالسياسة النقدية ومدى تأثيرها على الوضع الاقتصادي .
7- التأكيد على قيام البنك المركزي العراقي بأنجاز اعداد خطته للخمسة سنوات المقبلة بعد دراسة الواقع الحالي واستقراء المستقبل الاقتصادي للعراق ويمكن الاستعانة بخبراء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والمؤسسات المالية الرصينة في هذا المجال .
8- إعادة النظر بالهيكل الاداري والتنظيمي و الفني للبنك المركزي العراقي ليشمل الادارات واعادة تأهيل وتوزيع الموظفين بشكل يتناسب مع الوضع الحالي للبنك والقطاع المصرفي والنظرة المستقبلية لعام 2016 وما بعدها .
9- تحويل مركز الدراسات المصرفية الحالي الى معهد للتدريب والدراسات المصرفية يفصل عن الهيكل التنظيمي للبنك المركزي ويدار من مجلس ادارة من البنك المركزي والمصارف الحكومية ورابطة المصارف ومختصين من القطاع الخاص ويمول تمويل ذاتي وبأعانات من الحكومة والقطاع المصرفي .وتنظيم عمله بقانون ويتولى تدريب وتأهيل الموارد البشرية المصرفية ويرتبط به مركز للبحوث الاقتصادية والمصرفية والتركيز على الدورات المتخصصة لاعضاء مجالس الادارات والمدراء المفوضين والقيادات المصرفية في القيادة والحوكمة وفي ادارة المخاطر المصرفية و التشريعات التي تنظم العمل المصرفي .
(*) باحث وخبير اقتصادي
حقوق النشر محفوظة لشبكة الاقتصاديين العراقيين. يسمح بالاقتباس واعادة النشر بشرط الاشارة الى المصدر. شبكة الاقتصاديين العراقيين 1 كانون الثاني 2016
كل المواد المنشورة على موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين لاتعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير وانما عن رأي كاتبها وهو يتحمل المسؤولية العليمة والقانونية
 

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: