السياسة النقديةملف البنك المركزي العراقي

حسين عطوان: تعقيب على مقال الاستاذ حاتم جورج حاتم الموسوم "استقرار سعر الدينار العراقي مقابل الدولار" هل هو حقاً ضرورة تنموية.

أولاً/ استقرار سعر صرف الدينار يحقق الاستقرار السعري في الاقتصاد العراقي.
يُعدُّ تحقيق الاستقرار السعري بوابةً للنمو الاقتصادي. وقد دأبت البنوك المركزية على اتخاذ الاستقرار السعري هدفاً أساسياً تسعى إليه من خلال السياسة النقدية بأدواتها المختلفة لتوفير بيئة مؤاتية للنمو الاقتصادي، وهذا ما وفرته السياسة النقدية نسبياً في العراق، إلا أنَّ السياسة المالية غير المنضبطة فضلاً عن عدم التنسيق بين السياستين كانا السببين الأساسين في إعاقة عجلة النمو الاقتصادي في العراق، إذ ولدت هيكلية الموازنة العامة للبلد طيلة السنوات الماضية والتي تغلب عليها النزعة الاستهلاكية بدلاً من الاستثمارية ، توسعاً كبيراً في الطلب الكلي الأمر الذي أوصل  الاقتصاد العراقي إلى نقطة محدودية الطاقات المتاحة لإنتاج السلع والخدمات بشقيها القابلة و غير القابلة للمتاجرة، وبالتالي تحولت الموازنة العامة إلى مصدر لتوليد الاختلالات السعرية  في مفاصل الاقتصاد العراقي كافة.
ان التزام السياسة النقدية بإستقرار سعر صرف الدينار العراقي لتحقيق الاستقرار السعري نابعٌ من أنَّ درجة انتقال أثر أسعار الصرف Exchange Rate Pass-Through إلى الأسعار المحلية يعتمد على عوامل إقتصادية (كلية وجزئية). وهذا يعني أنَّ درجة انتقال الأثر يختلف مقدارها باختلاف ظروف الدول واختلاف قطاعاتها الاقتصادية.
وَرَدَ في أصل المقال ” أن استقرار سعر الدينار مقابل الدولار لا يضمن الاستقرار السعري في الاقتصاد العراقي. ابتداء فإن استقرار سعر الدينار مقابل أي عملة أجنبية أخرى لا يعني سوى استقرار المُعامل الذي تحوّل بموجبه إلى العملة المحلية أسعار السلع المستوردة من البلد الاجنبي المعني. وهذا يعني ان استقرار هذا المعامل لا يحول دون استيراد التغيرات السعرية التي تحدث في البلدان الاخرى.”
ويمكن القول بهذا الصدد أنَّ ارتفاع مستويات التضخم (التغيرات السعرية التي تحدث في البلدان الأُخرى) هو عامل واحد من عدة عوامل أُخرى تؤثر في درجة انتقال أثر سعر الصرف إلى الأسعار المحلية. فهناك المرونة السعرية للعرض والطلب والتي تؤثر في درجة انتقال أثر سعر الصرف إلى الاسعار المحلية، إذ أنَّ انخفاض مرونة الطلب المحلي بالنسبة للتدفقات المدينة يرفع من درجة انتقال أثر سعر الصرف إلى الأسعار المحلية. والعامل الآخر هو حصة السلع والخدمات المستوردة في سلة الاستهلاك الرئيسة معبراً عنها بالـ(CPI)، فكلما كانت هذه الحصة مرتفعة ارتفعت درجة انتقال أثر سعر الصرف إلى الأسعار المحلية. والعاملان آنفا الذكر حاضران في الاقتصاد العراقي.
فضلاً عن ذلك، هناك العوامل الجزئية، مثل الستراتيجية المعتمدة من قبل الشركة المُصَّدرة. فقد تكون الحصة السوقية أولوية أهدافها ولو على حساب الهامش الربحي، كذلك قيام الشركة بعمليات  تحويل الانتاج، أي الانتقال من شراء المواد الأولية من السوق المحلي إلى استيرادها من الخارج بالاعتماد على أسعار تلك المدخلات.
كل ما سبق يعني أن مستويات التضخم (التغيرات السعرية التي تحدث في البلدان الاخرى) ليست العامل الوحيد المؤثر في درجة انتقال أثر سعر الصرف إلى أسعار السلع والخدمات المحلية، فضلاً عن ارتباط هذا العامل بالبيئة التضخمية للبلد المُصَّدر والاستقرار النسبي لسياسته النقدية. فإذا نجحت الأخيرة باستهداف مستويات تضخم معينة فإنَّ ذلك لن يحفز المنتجين (المّصَّدرين)على زيادة أسعارهم نتيجة لارتفاع الكلفة لديهم ما داموا مقتنعين بأنَّ السياسة النقدية قادرة على المحافظة على استقرار الأسعار[1].
أما فيما يخص السلع غير القابلة للمتاجرة وتأثيرها في صياغة الاستقرار السعري كما ورد في أصل المقال، فيمكن القول أنَّ ثمة مفارقة في الاقتصاد العراقي، حيث أصبح العراق يستورد وبشكل كبير الخدمات والمهارات والمتطلبات الخدمية مثل( اتساع الخدمات الطبية الخارجية التي كانت متوافرة محلياً، وخدمات الشركات الأمنية وشراء السكن خارج العراق، وقيام شركات أجنبية بتنفيذ مشاريع اسكان وجلب مستلزمات العمل والبناء، فضلاً عن لوازم البنية التحتية وأساسياتها ومتطلباتها وكثير من المهارات ). كل هذه الخدمات والمتطلبات تعد جزء كبير من السلع والخدمات غير القابلة للمتاجرة لكن في العراق تحولت إلى سلع وخدمات قابلة للمتاجرة يتم إشباع الطلب الكلي عليها عبر الاستيراد الكثيف[2]، وبالتالي فإنَّها اخذت تخضع لقانون السعر الواحد. هذا الأمر وَلَّدَ ضغوطاً تضخمية وشكل قيداً على الاستقرار السعري في العراق ناجم عن نمو الانفاق الحكومي، وعلى الخصوص شقه التشغيلي في الموازنة العامة، فضلاً عن الانخفاض الشديد في إنتاج السلع  والخدمات غير القابلة للمتاجرة القادرة على منافسة مثيلاتها من الاستيرادات، الأمر الذي يتطلب التدخل في سوق الصرف باستمرار للحفاظ على استقرار الأسعار.
كل ذلك يعني أنَّ قناعة وإيمان المؤسسة النقدية في العراق ممثلة بالبنك المركزي بأنَّ استقرار سعر صرف الدينار- في ظل نظام مالي يفتقر بشدة للعمق Demonetizing   and  financial depth lack of  وارتفاع السيولة المصرفية وأسعار الفائدة الموجهة إدارياً تكون القنوات المعتادة لانتقال اثر السياسة النقدية إلى القطاع الحقيقي غير فاعلة إلى حد كبير. بالتالي، فإن الأداة الأساسية المتاحة أمام المركزي العراقي هي التدخل في سوق الصرف الاجنبي، إذ ان سعر الصرف الثابت عاد بالفائدة على الاقتصاد العراقي[3] –  يؤمن استقراراً سعرياً نسبياً في الاقتصاد العراقي، وهذا ما تحقق طيلة السنوات الماضية.  الأمر الذي وَلَدَ مناخاً ملائماً للنمو الاقتصادي، إلا أنَّ عدم انضباط السياسة المالية فضلاً عن عدم الاستقرار الأمني والسياسي حال دون الوصول إلى الهدف التنموي.
ثانياً/ مناقشة الأهداف المتوخاة من تخفيض سعر صرف الدينار.
1-  إذا كان الهدف من تخفيض سعر صرف الدينار( من خلال قيام المركزي العراقي بزيادة سعر شراء الدولار من وزارة المالية ) هو سد جزء من عجز الموازنة العامة فإنَّه لا يغطي سوى نسبة ضئيلة جداً من العجز في الموازنة وقد تكون هذه التغطية أقرب إلى الوهم منها إلى الحقيقة[4] . وهذا التخفيض في سعر الصرف سينعكس بصورةٍ مباشرةٍ في إرتفاع المستوى العام للأسعار.
2-  إذا كان الهدف من تخفيض سعر الصرف (من خلال قيام المركزي العراقي بزيادة سعر شراء الدولار من وزارة المالية، والتخلي أو تقليل الدفاع عن المحافظة على استقرار سعر صرف الدينار ) هو تحفيز النشاط الزراعي والصناعي للتصدير أو إحلال الواردات، فيمكن القول بهذا الصدد أن تخفيض سعر الصرف هو النائب المالي (Fiscal proxy) للتعرفة الجمركية، والجانب الايجابي في تخفيض سعر الصرف هو عدم تميزه بين طالب العملة لغرض الاستهلاك وطالبها لغرض الاستثمار في الخارج، إلا أنَّ تخفيض سعر الصرف لا يميز بين الأنشطة الاقتصادية التي يُراد دعمها من قبل الحكومة عبر تعرفة جمركية و الأنشطة الأخرى التي لا تريد الحكومة دعمها. هذا من جانب، ومن جانب آخر، فإذا كان تخفيض سعر الصرف يهدف إلى تحفيز النشاط الزراعي والصناعي للتصدير، فيجب أنْ نعلم بأنَّ مساهمتهما المتوقعة ضئيلة. كما أنَّ مشكلة الصادرات أو إحلال الاستيرادات في معظمها ليست تنافسية يخلقها سعر صرف منخفض – وحتى ان بالغنا في التخفيض فنحن نعمل مع شركاء تجاريين لديهم تخفيضات غير متناهية بسعر الصرف- بل في:
أ‌-       سوء الإدارة المالية للقطاع الخاص بشقيه (الزراعي والصناعي).
ب‌-      الإنفاق الحكومي غير المنضبط فضلاً عن تغليب الشق الاستهلاكي منه على الاستثماري وعدم تنفيذ الأخير بصورة كاملة طيلة السنوات الماضية.
ت‌-      أزمة تكاليف بسبب الطاقة والأمن.
ث‌-      انعدام الضريبة الكمركية اللاجمة والمحفزة.
كل ذلك يجعل الاتكاء على تخفيض سعر الصرف كالمستجير من الرمضاءِ بالنارِ، لأنَّه سيؤثر في مستوى الرفاهية المتواضع أصلاً لشريحة الدخول الثابتة، في الوقت الذي لا تستطيع الحكومة القيام بتحويلات لمتضرري التخفيض من الفقراء، وبالتالي فهذا الهدف إذا ما قورن بتأثيراته المحتمله والمجربة يتضاءل، لذا فان خفض الصرف للعملة الوطنية مشابه للعلاج الكيماوي يتم اللجوء إليه في آخر الخيارات لا في مقدمتها كونه سهل التنفيذ[5] .
3-   إذا كان وراء هدف التخفيض الاحتفاظ النسبي بالاحتياطيات الأجنبية وعدم استنزافها من خلال سياسة تقشفية عبر سعر الصرف المنخفض، فسيكون لذلك تأثيرات أليمة وقاسية على مستوى المعيشة المقومة بالدينار العراقي المدافع عنه بالاحتياطيات الأجنبية. وسواء تم التخفيض أم لم يتم فان الاحتياطيات تتناقص طالما يدار العراق بسياسة مالية غير منضبطة.
باعتقادي البسيط أنَّ استخدام التخفيض في الوقت القريب غير مؤثر دون الأدوات الأخرى والسياسات الأخرى وأنَّ هدف الحفاظ على قوة الدخل فضلاً عن استهداف التضخم يتقدم على الاهداف الأخرى.
إنَّ تحميل السياسة النقدية أعباء غياب سياسة ضريبية وتجارية، وفساد مستشرٍ، وسياسة مالية غير منضبطة لسنوات أمر ليس بالمنطقي ولا بالمعقول.
كل ما سبق لا يعني قدسية المحافظة على استقرار سعر صرف الدينار العراقي إلا أنَّ استقرار سعر صرف الدينار ضرورة ماسّة على أقل تقدير لحين تهيئة الظروف والإجراءات اللازمة لغرض التخفيض ومن أهمها (تعرفة كمركية كابحة لبعض الاستيرادات غير الضرورية، وسياسة ضريبية فعالة، ووضع اطار لضبط الانفاق العام سياسة مالية يستجيب لظرف العراق المالي. أما التحجج بعدم قدرة الدولة على خفض عجز الموازنة وتحفيز الإنتاج الوطني وإنفاذ القانون، لا سيما تحصيل الضرائب والرسوم الجمركية والسيطرة على المنافذ الحدودية وضبط فوضى الإنفاق الحكومي الجاري ومكافحة الفساد المستشرِ، فيمكن القول ” اليس فرض الضرائب ومسك الحدود واجبات بدائية لأي دولة، فماذا إذا تعرضت لأزمة ، آليس درء المفاسد يتقدم ؟ ، كما أنَّ فقدان السيطرة الكاملة على زيادة الايرادات العامة بسبب تأثيرانخفاض  أسعار النفط ، لا يعدم امكانية زيادتها كما سيلاحظ، كذلك يستدعي الضغط على النفقات العامة إلى أقصى ما يمكن”[6] (للمزيد من التفاصيل بهذا الصدد راجع مقال الاستاذ الدكتور محمود داغر تحت عنوان “حلول سهلة أم بناء دولة” المنشور في شبكة الاقتصاديين العراقيين بتاريخ 17/2/2016).
(*) باحث اقتصادي – البنك المركزي العراقي            
 
حقوق النشر محفوظة لشبكة الاقتصاديين العراقيين. يسمح بأعادة النشر بشرط الاشارة الى الصدر. 23 نيسان 2016
http://iraqieconomists.net/ar/
 
 
 
الهوامش
[1]) Lian An. (2006). “Exchange Rate Pass-Through: Evidence Based on Vector Auto recession With Sing Restrictions” Munich Personal Repec Archive(MPRA), No.527, pp2-8.
([2] صالح، مظهر محمد. (2012). “الطاقة الاستيعابية للنفقات التشغيلية ومرونة الكلفة المالية للسياسة النقدية” مجلة العلوم الاقتصادية والادارية، المجلد 18 العدد 65 : ص3.
([3] داغر، محمود محمد محمود. ومعارج، حسين عطوان مهوس. (2016). “سعر صرف الدينار العراقي ما بين النظام الواقعي والنظام المعلن للمدة (2004-2012)” ، البنك المركزي العراقي ، ص 16.
https://www.cbi.iq/documents/mahmoud%20and%20hussein.pdf .
بالاعتماد على صندوق النقد الدولي. (2013). تقرير الخبراء حول مشاورات المادة الرابعة لعام 2013 مع العراق، http://www.imf.org/external/arabic/pubs/ft/scr/2013/cr.
[4]) يُنظر: عطوان، حسين. (31/1/2016). ” تغطية عجز موازنة 2016 من خلال تخفيض سعر صرف الدينار العراقي: التداعيات والآثار ” ، مقال منشور في شبكة الاقتصاديين العراقيين.
([5] داغر، محمود.(17/2/2016). “حلول سهلة أم بناء دولة” ، مقال منشور في شبكة الاقتصاديين العراقيين.
( [6] داغر، محمود .(17/2/2016). “حلول سهلة أم بناء دولة” ، مصدر سبق ذكره.
 
لتنزيل المقال كملف بي دي أف سهل الطباعة انقر على الرابط التالي
Hussain Atwan-Comments on the paper of Mr. Hatim G. Hatim regarding the stability of the Iraqi Dinar-final

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

تعليقات (5)

  1. Avatar
    علاء فريد ابراهيم:

    لماذا لا يعوم الدينار العراقي تدريجيا حيث ان هذا الاتجاه سوف يقلل الضغط على احتياطي العملة في البنك المركزي والتخلص النهائي من عملية الدفاع عن الدينار مقابل الدولار التي سوف تاءدي في نهاية المطاف الى فقدان جزء كبير من الاحتياطي الدولاري وترك تحديد قيمة الدينار الحقيقي الى السوق مع الاخذ بنظر الاعتبار تفعيل برامج الحماية الاجتماعية ودعم الفقراء وتخصيص مبلغ مالي لكل عائلة عراقية على البطاقة التموينية تحسبا للتظخم الذي سوف يحصل بشكل مؤقت لان الاحتياطي في البنك المركزي سوف يزداد بعد هذا الاجراء في تحرير سعر صرف العملة بشكل تدريجي ومدروس وكثير من دول العالم اتجهت هذا الاتجاه ومنها دولة مصر حيث اتخذ السيد السيسي رئييس جمهورية مصر قرار بتحرير سعر صرف الجنيه ادى الى رفع الاحتياطي الدولاري الى مستويات مريحة حسب مايقول الاعلام الاقتصادي المصري والمصارف فلماذا لا تتم دراسة هذه الحالة التي حصلت في مصر ونستفاد من التجربة المصرية في توحيد سعر العملة حيث كان هناك سعرين صرف للدولار في مصر وايضا في العراق سعر البنك الرسمي وسعر السوق – في حالة توحيد سعر الصرف سوف يادي الى زيادة الاستثمارات القادمة الى العراق وتنشيط التجارة والصناعة وتقليل البطالة ورفع مستوى المعيشة وتقليل الفقر وهذا يتطلب قرارت شجاعة

  2. حاتم جورج حاتم
    حاتم جورج حاتم:

    الاستاذ الفاضل حسين عطوان،
    يسرني جدا ان يكون من بين المهتمين بدراستي” استقرار سعر الدينار العراقي مقابل الدولار: هل هو حقا ضرورة تنموية” احد الاقتصاديين الشباب المجدّين.
    قرأت تعقيبك بامعان. ولكني لا ازال مقتنعا بوجهة النظر حيال سعر الينار العراقي مقابل الدولار التي اوصلني اليها التحليل الذي اتبعته في الدراسة. وليس لدي شخصيا في الوقت الراهن ما اضيف على الموضوع اكثر مما قدمته في الدراسة نفسها وفي الردود على تعليقات كل من: الدكتور كامل العضاض والدكتور محمد سعيد العضب والدكتور حسن عبد الله بدر والاستاذ فاروق يونس.
    واود ان استغل هذه الفرصة لـ:
    – اؤكد على اهمية ما ورد في تعليق الدكتور عبد الحسين العنبكي من ضرورة التمييز بين النتائج والتاثيرات التي تحدثها اي سياسة اقتصادية في الامد القصير عن تلك النتائج والآثار التي تتمخض عنها السياسة المعنية في الامدين المتوسط والطويل؛
    – الاعراب عن مشاركتي الاستاذ حسن العنبكي مخاوفه من استمرار الهبوط في مستوى الاحتياطي.
    مع كل التقدير والاحترام
    حاتم جورج حاتم

  3. Avatar
    حسين العنبكي:

    السلام عليكم ورحمة الله
    زميلي المبدع والمتميز، شرح مفصل ووافٍ.
    يبدو ان الاقتصاديين العراقين – ومن خلال محاولتهم في وضع المعالجات الناجعة للاقتصاد- قد اتجهوا إلى 3 اتجاهات مختلفة، الأول مع تخفيض سعر الصرف ومن ضمنها الطروحات الرائعة للاستاذ حاتم جورج حاتم، والبعض ممن يمثل السلطة التنفيذية كالاستاذ عبد الحسين العنبكي وغيرهم، وآخرون يرون ان تخفيض سعر الصرف واقع يفرض نفسه لكن لم تتهيأ له الظروف المناسبة، واخرون يرون ان سعر الصرف مؤشر مقدس لا يجب المساس به.
    في العراق -ومنذ عقود من الزمن-، فإن حلول اليوم هي مشاكل الغد، مثلا التوسع في التوظيف على مستوى القطاع العام، كان في وقته حل لمعدلات البطالة المرتفعة وفي ظل وجود ايرادات مالية ضخمة لم يكن التوظيف يمثل مشكلة بالنسبة للسلطة التنفيذية، الآن أصبح التوظيف يمثل الجزء الأكبر من الموازنة العامة وبسبب انخفاض اسعار النفط فإن الحكومة تواجه مشكلة في تأمين الرواتب والأجور.
    تخفيض قيمة الدينار العراقي وان كان يمثل حل على مستوى الحد من استنزاف الاحتياطيات الدولية أو تمويل جزء من عجز الموازنة العامة للدولة، الا ان ذلك سينعكس سلبًا على مستوى الأسعار وسيمثل اقتطاع جزء من دخول حاملي الدينار العراقي.
    الاستمرار بالمحافظة على قيمة الدينار العراقي، سواء كان مقيم بأعلى من قيمته الحقيقية أم لا، وبقاء اسعار النفط في مستويات متدنية – انخفاضها اكثر- فإن ذلك سيعزز من استنزاف الاحتياطيات الدولية وبالتالي الوصول إلى المستوى الذي لا تغطي فيه الاستيرادات من السلع والخدمات لعدة أشهر – مع ثبات العوامل الأخرى، ضمنها تردي القاعدة الانتاجية الوطنية وعدم وجود بوادر حقيقية لدعم المنتج الوطني-.
    في الحقيقة القرارين ينطوي على كل منهما مشكلة، تبقى المفاضلة بين القرارين، وبرأيي المتواضع وباستمرار الوضع على ما هو عليه، لن يبقى أمام السلطة النقدية سوى تخفيض سعر صرف الدينار العراقي، خصوصًا واننا نشهد انخفاض في مستوى الاحتياطيات إلى ما يقارب 53 مليار دولار.
    مودتي

  4. أ.د.عبدالحسين العنبكي
    أ.د.عبدالحسين العنبكي:

    الاخ استاذ حسين المحترم
    انا افرح كثيرا عندما ارى اقتصاديين شباب لديهم محاولات علمية رائعة وانت منهم ، فلا تتحسس من ملاحظاتي واود بيان الاتي :
    – في البلدان التي تعاني فجوة تنمية واسعة مثل العراق تكون الاولوية للتنمية ، والتنمية لا يحفزها سعر صرف مستقر في العراق ، لان هنالك متغيرات اخرى اكثر اهمية من بينها ضيق السوق امام المنتج المحلي ، والناجم عن ارتفاع الكلف وعدم القدرة على المنافسة امام سوق مفتوح للمستورد وسعر صرف داعم للمستورد ايضا ، وعليه اخي العزيز راجع نظريات التنمية وسوف تجد ان الحلقات المفرغة يجب ان تكسر ، وواحدة من الحلقات هو سعر الصرف ، لان الاستقرار في سعر الصرف لا يخلق تنمية في العراق لانها معاقة بعوامل اخرى ، بينما التنمية عندما تحصل سوف تخلق فيما بعد استقرار في السوق ، استقرارك الذي تعنيه مفتعل بقوى نقدية تخلقها السياسة النقدية ، والاستقرار الذي انشده حقيقي لانه متاتي من قوى حقيقية من جانب العرض والانتاج وتنويع القاعدة الانتاجية ، استقرارك الذي تنشده متاتي من سياسة تعمل على الامد القصير عززت الجانب الريعي وخلقت ارضاءات وقتية وقد اصبحنا في الامد الطويل بعد 13 سنة ولم تخلق التنمية ، واستقراري الذي اعنيه متاتي من علاج جذري يخلق اعراض جانبية غير ممدوحة في الامد القصير الا انه يخلق التنمية في الامد الطويل .
    – عزيزي استاذ حسين ، درست العلاقات الدالية بين سعر الصرف والتضخم فوجدت الاتي :
    1- العلاقة ضعيفة جدا عندما يكون التضخم دالة في سعر الصرف والمعلمة لا تتعدى (0.005) وفشلت الدالة في الاختبارات الاحصائية.
    2- هنالك مشاكل القياس الاقتصادي ظهرت في النموذج ، لان العلاقة باتجاهين ، فاذا ما حصلت التنمية وصرنا ننتج ما ناكل وصار سعر صرف عملتنا متاتي من قيم حقيقية ووصلنا او اقتربنا من الاستخدام الشامل فان الاسعار للسلع ستكون متراجعة لان العرض كبير وستكون قيمة الدينار مقابل السلع والخدمات اكبر وسيتراجع الدولار امام الدينار لان قوة الدينار تاتي من قوة الاقتصاد لا العكس.ولذلك على مدى السنوات السابقة كان البنك المركزي يدفع الدينار بعكازه الى الاعلى ، وفي نفس الاتجاه كانت معدلات التضخم الى الاعلى ، هذه المفارقة تعني ان سعر الصرف المستقر حسب مفهومك لم يقمع التضخم ، الا انه كان عامل مساعد في قمع التنمية .
    3- لو ترك البنك المركزي سعر صرف الدينار لينخفض لكان هنالك اثر واضح في ارتفاع التضخم في الامد القصير ( وهذا عرض جانبي لعلاج ) مغذى بتوقعات متشائمة ، الا انه سرعان ما يزول عندما يبدا الدواء باعطاء مفعوله ، وتتحرك القوى الحقيقية بزوال الدعم الذي يوفره سعر الصرف المغالى فيه للمنتج الاجنبي ، والاثر الوقتي لارتفاع الاسعار سوف يقابل باثر تشغيل وتوليد دخول توزع على عناصر الانتاج بعد ان كانت عاطلة ، والزيادة في الدخول تواجه الزيادة بالاسعار ويعود الاثر الاجتماعي المحتمل الناجم عن التضخم الى وضعه الطبيعي .
    أ.د.عبدالحسين العنبكي

  5. Avatar
    مصطفى محمد:

    تحية طيبة ….
    اشكرك استاذ حسين على هذا التعقيب الرائع والقيم ، ولكن عدم التنسيق بين السياستين النقدية والمالية ادت الى انهيار سعر الصرف الدينار مقابل الدولار ، اي السياسة المالية تجري في نهر والسياسة النقدية تجري في نهر اخر ، واجزم لك بأن تحقيق الاستقرار السعري لم يتحقق وذلك بسبب عشوائية والتخبط في سعر الصرف
    تحياتي

اترك رداً على حاتم جورج حاتم إلغاء الرد

%d مدونون معجبون بهذه: