الرئيسيةالسياسات الاقتصادية

أ.د.عبدالحسين العنبكي *: السياسات الاقتصادية الحكومية …معززة للاختلالات الهيكلية في الاقتصاد العراقي (الحلقة 5)

خامساً: تشوه هيكل التمويل المصرفي = تشوه هيكل الاقتصاد

 

لن تكون هنالك تنمية حقيقية قادرة على تنويع الاقتصاد العراقي مالم يتوفر التمويل في الحجم والزمان والمكان والاوجه المناسبة لاستهداف الأنشطة والقطاعات القادرة على امتصاص التمويل وجعل مخرجات التمويل في المشاريع الممولة قادرة على استعادة التمويل المقترض خلال سقف زمني مجدي يكون فيه معدل العائد على الاستثمار وبلوغ نقطة التعادل بمقدار وبفترة مجدية يحمل معه إمكانية تحقيق التصحيح اللازم للتشويهات الهيكلية في الاقتصاد.

كنا قد توصلنا في الحلقات السابقة الى ان تشوه هيكل الأسعار يفضي الى تشوه هيكل الاقتصاد، وبافتراض ان هيكل الأسعار سليم وقرارات المستثمرين سليمة ومثلت البوصلة المعتمدة لولوجهم الى أنشطة اقتصادية منتجة، الا انه لا يمكن الجزم بإمكانية تنويع الاقتصاد ما لم يكون هيكل التمويل هو الاخر سليم وخالي من التدخلات الحكومية والانحرافات الناجمة عن الفساد والمصالح الشخصية لضمان انسياب الأموال صوب المشاريع المختارة، وهنا يمكن الوقوف على الكثير من محاور اختلال هيكل التمويل المصرفي ونعرج عليها بالآتي:

 

  1. هروب التمويل من القطاعات الإنتاجية الى الريعية:

ووفقاً (لطريقة العنبكي) لمقياس الطاقة الاستيعابية للاستثمار التي استخدمت من قبل عدة باحثين بعد ظهورها عام 1997(ينظر: كتاب الفجوات الثلاث للعنبكي 2018، ص135، ميثم عبدالحميد، رسالة ماجستير،تطور العوائد النفطية وإمكانات الطاقة الاستيعابية للاستثمار2014،ص6) ، يمكن تحديد الفرق بين حجم الاستثمارات التي تستوعب فعلاً خلال فترة عادة ما تكون سنة وحجم الاستثمارات الكلية لتحديد حجم الطاقة الاستيعابية للاستثمار، ولضمان توجيه التمويل نحو المشاريع المختارة وفقاً لمعايير اقتصادية سليمة ودون تشوهات ، فان الامر يستدعي استمرار إضافة وحدات من راس المال المستثمر ( التمويل السلس ) الى النقطة التي يكون فيها التغير السنوي في إنتاجية راس المال المستثمر مساوياً للتغيير السنوي في كلفة راس المال المستثمر ، ونتوقف عندها عن إضافة جرعات إضافية من التمويل للمشاريع الاستثمارية، لماذا؟، لان الاستثمار سيكون بعدها غير مستوعب ، أي ان إنتاجيته الحدية ستكون اقل من كلفته الحدية ، فاذا افترضنا (وفق الطريقة المشار اليها) ان الاقتصاد هو ( الاسفنجة ) وان الأموال المستثمرة هي ( الماء ) فإننا نستمر بإضافة الماء طالما تمتصه الإسفنجة وتبقى حاملة له في خلاياها، ونتوقف عند عن الإضافة عند اخر قطرة مضافة تبقى محمولة في الاسفنجة، أي نتوقف عن الاستثمار عند اول قطرة ساقطة من الاسفنجة لأنها سوف تمثل استثمار غير مستوعب ، وبما ان اسفنجة الاقتصاد العراقي ليست نظيفة وانما مشبعة خلاياها بالأتربة والعوالق والانسدادات والترسبات ( بيئة استثمار غير صالحة) تتمثل في غياب البنى التحتية والطاقة والكثير من العوامل المكملة الإدارية منها واللوجستية فان كمية الأموال المستوعبة في استثمارات منتجة ستكون اقل ، الامر الذي يدفع المقترضين لرؤوس الأموال الى تغيير وجهتها نحو مجالات وانشطة سريعة الربح منخفضة المخاطر ، وهذا يعني الهروب من القطاعات الإنتاجية الحقيقية (المثقلة خلاياها بالعوالق والتعقيدات) الى القطاعات التجارية والخدمية كالمطاعم والمولات والاستيرادات المعززة لريعية الاقتصاد واستدامة وحدانية اعتماده على قطاع النفط وبالتبعية مزيد من الاختلالات الهيكلية ومزيد من عدم التنوع للاقتصاد العراقي وهذا يعد عائق نوعي يمنع المستثمرين الجادين والحقيقين من التورط في الاقتراض ومواجهة الخسارة والفشل، بل ان دراسات الجدوى الحقيقية هي التي تنصحهم من عدم الاستثمار في هذه الأنشطة وبالتبعية عدم التورط بقروض لا يستطيعون الوفاء بسدادها، فلا يقدم الى هذا النوع من التمويل الا المستثمرين المغامرين وغير الجادين او المخدوعين من جهات حكومية تمنحها القرض مقابل رشا وتلقيها في اليم لتفشل وتتنصل عنها، او مستثمرين طارئين من جهات متنفذة معولة على الوهم واخذ القرض دون ان نرى مشروع حقيقي وتنتظر الشطب الحكومي للديون مستقبلا.

لمواصلة القراءة انقر على الرابط التالي

أ.د.عبدالحسين العنبكي- السياسات الاقتصادية الحكومية -تشوه النظام المصرفي.الحلقة 5

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: