الرئيسيةالمكتبة الاقتصاديةقطاع التأمين الوطني والاجنبي

مصباح كمال: البحث عن دور اليهود العراقيين في النشاط التأميني( 1920-1970)

من باب التقديم:

تمهيد لبحث دور اليهود العراقيين في النشاط التأميني

 

 

مهنتي الأساسية هي أن أحاول بحذر صنع الذكريات من الوثائق المنسية من الماضي.[1]

 

 

ما الذي نكسبه من دراسة ماضي النشاط التأميني غير حس، ربما يظل غير معلن وغير محدد، باستمرار تجربة جماعية في مجال اقتصادي محدد بتنا ورثة لها.  لكننا بالكاد نجد حضوراً لهذا الحس بين ممارسي التأمين في الوقت الحاضر.  ربما لو كان هناك كتاب عن تاريخ هذا النشاط فإنه كان سيعزز من حضور هذا الحس، ولحفّزَّ على رؤية الماضي، كما الحاضر، من أرضية معرفية.[2]

 

 

تفتقر مكتبة التأمين العراقي إلى دراسات حول تاريخ النشاط التأميني في العراق قائمة على البحث في المصادر الأولية.  هناك إشارات سريعة لهذا التاريخ متناثرة هنا وهناك في مقالات يصعب الوصول إليها، وفي كتب لا تفي الموضوع حقه من الاهتمام.  ربما كانت دراسة ستار كرمد عيدان[3] سوق التأمين العراقية: دراسة تحليلية في الجذور التأسيسية مطبوعة أصلًا بالآلة الكاتبة (84 صفحة) لدى شركة إعادة التأمين العراقية (2012) للتداول داخل الشركة، هي الأولى من نوعها للبحث في التاريخ الاقتصادي للنشاط التأميني في العراق.[4]

 

نحن لا نعرف مَن مِن العراقيين كان يعمل في مجال التأمين في مرحلته التأسيسية، عددهم ومؤهلاتهم المهنية والأكاديمية، قدراتهم الاكتتابية، معارفهم اللغوية، توزيعهم الجغرافي في ألوية (محافظات) العراق، عدد الأجانب العاملين في هذا المجال.  الانطباع العام هو أن النشاط التأميني في أواخر القرن التاسع عشر والعقود الأربعة الأولى من القرن العشرين كان محصوراً بوكالات أو فروع شركات التأمين الأجنبية وبالتالي فإن إدارتها ربما كانت، في البدء، بيد الأجانب الممثلين لهذه الشركات في العراق.

 

*****

 

من المعروف أن التعليم في هذه الفترة لم يكن منتشراً في العراق لكن مدارس الأليانس اليهودية كانت تُخرّج أعداداً مهمة من الطلاب، والطالبات أيضاً، بمهارات لغوية ومعارف علمية.[5]  ربما كان البعض من هؤلاء، مع آخرين، من أوائل من عمل، في النشاط التأميني في العراق.[6]  وقد شرح د. كاظم حبيب[7] دور العراقيين اليهود في النشاط الاقتصادي، وتعرفُ الأجيال القديمة من العراقيين يهوداً عملوا كتجار في سوق الشورجة وسوق دانيال وأسواق أخرى في بغداد وبعض ألوية العراق (وستصبح هذه مصادر طلب للحماية التأمينية).

 

نفترض أن أعمال وكالات التأمين الأجنبية في هذه الفترة، في بغداد والبصرة والموصل، كانت تقتصر على التأمين البحري للسلع المستوردة والمصدرة، وخاصة للشركات الأجنبية العاملة في العراق، والقليل من تأمين الممتلكات من الحريق وفيما بعد تأمين السيارات.  وإذا كان هذا صحيحاً فإن البديات الأولى للتأمين التجاري في العراق لم تكمن في طلب محلي وطني للحماية التأمينية، كما هو الحال بالنسبة لظهور التأمين في بريطانيا ودول أوروبية أخرى.

 

فمن المعروف أن سنة 1920 شهدت تأسيس فرعين لشركتي تأمين بريطانيتين في بغداد هما شركة بروفينشال للتأمين Provincial Insurance Company وشركة ﮔـارديان للتأمين Guardian Assurance Company استمرتا في العمل، من خلال وكالات التأمين المؤسسة في العراق، لحين صدور قرار التأميم سنة 1964.  ونفترض أن تأسيهما لم يكن أصلاً لتلبية طلب محلي عراقي للتأمين.  لقد ارتبط دخول هاتين الشركتين وغيرها من الشركات إلى العراق، من خلال الفروع أولاً وربما بالتزامن مع تأسيس الوكالات، لتلبية الطلب على التأمين من الشركات الأجنبية، وخاصة البريطانية، العاملة في مجالات اقتصادية مختلفة وربما بعض المصالح العراقية.

 

لقد نشأت هذه الوكالات في الوقت الذي كان التغيير الاقتصادي في العراق يجري ببطء وكانت “الصناعة” الوطنية قائمة بشكل عام على الأسس التقليدية اليدوية في المدن رغم إنشاء بعض الكيانات الصناعية الحديثة (معمل فتاح باشا للغزل والنسيج في بغداد سنة 1926 على سبيل المثل) ومنشآت توليد الكهرباء وإسالىة الماء والتلفون وبناء الطرق والجسور.  وكان التراتب الاجتماعي هرمياً تميّز بتمتع فئات صغيرة بالامتيازات المادية والثروات والسلطة وفي أسفل الهرم الفلاحين.

 

“شهدت فترة عشرينات القرن العشرين تغييرات سريعة ومهمة تمثلت بتشكيل مؤسسات الدولة المختلفة بما فيها المؤسسات التعليمية والمالية، وزيادة سكانية وخاصة في بغداد.  وظهر في هذه الفترة أيضاً ميل نحو توسيع نطاق الملكية الخاصة وتكديس الثروة من خلال توسيع روابط العراق مع الأسواق العالمية.  لكن هذه التغييرات وغيرها لم تترجم نفسها في هذه الفترة بقيام شركة تأمين عراقية.  وسيمضي ربع قرن قبل أن تتأسس مثل هذه الشركة.”[8]  وبفضل هذه التطورات بدأ ظهور طبقة وسطى شكّل بعض أفرادها فئة من المؤمن لهم المرتقبين تهتم بالتدبر للمستقبل.  نزعم أن وكالات التأمين كانت تبيع وثائق التأمين لأفراد هذه الطبقة ولأصحاب المحلات التجارية وخاصة اليهود منهم.  وتشهد وثائق التأمين الصادرة باسم المجلس الجسماني اليهودي اهتمامه بالتأمين على الممتلكات العائدة له (كما سنبين في فصل التأمين في الأرشيف اليهودي العراقي).

 

كان من نتائج احتلال العراق (1917) وربط اقتصاد العراق بالمتروبولات الغربية تقويض علاقات الإنتاج التقليدية، وبدء تكوين سوق لشراء قوة العمل، وتنامي طبقة تجارية جديدة (من بينها الكومبرادور)، وبناء مؤسسات السلطة المدعمة بالجيش والشرطة، وتعزيز دور العشيرة في الريف (الإقطاع) والمدينة (السياسة)، والسيطرة الأجنبية على الثروة النفطية وإدارتها، إضافة إلى تأجيج مواقف جديدة، غير محسوبة في تفكير قوة الاحتلال والطبقة الحاكمة في العراق، تجسدت في السياسة (المعارضة) والثقافة في أشكالها المختلفة بما فيها تطوير الهوية الوطنية العراقية التي عبّرت عن نفسها في السياسة وفي الاقتصاد – كما تجلّت فيما بعد.

 

*****

ربما كانت وكالات التأمين[9] التي يديرها يهود عراقيون هي التي وسّعت محفظة التأمين من الحريق من خلال التأمين على المحلات التجارية والمستودعات العائدة للتجار من اليهود وغير اليهود في الشورجة والأسواق التقليدية القريبة منها وما يماثلها في البصرة والموصل ومدن أخرى؛ وكذلك محفظة التأمين البحري-بضائع.  إن صحَّت هذه الأطروحة فإن هذه الوكالات المؤسسة في العراق ربما كان لها دور فعّال في التمهيد لإنشاء سوق وطنية للتأمين.  هذا على الرغم من أن رصيد أقساط التأمين المتراكمة لديها، بعد تسديد التعويضات وعمولات الوكالات، كانت تحوّل إلى المتروبولات.[10]  لا نعرف حجم أقساط التأمين المكتتبة وحجم الإرصدة المحولة إلى الخارج.  وستمضي عقود عديدة قبل أن يصبح تصدير الأرصدة بالعملة الصعبة موضوعاً للنقاش والتشريع (مع صدور قانون تأسيس شركة إعادة التأمين العراقية 1960 وتوسع أعمالها داخل وخارج العراق).

 

من المناسب هنا التأكيد على أن الرأسمال اليهودي العراقي لم يقم بتأسيس شركات للتأمين، وهي الأساس في تشكيل سوق وطنية للتأمين.  ترى هل كان هذا الامتناع أو التردد بسبب عدم المعرفة الكاملة بالأسس الفنية التي تنتظم عمل شركات التأمين، أو التخوف من تحمل النتائج المالية غير المعروفة أو المتوقعة للاكتتاب بأخطار التأمين.  نعرف من تاريخ البدايات الأولى لشركات التأمين في بريطانيا أنها كنت تنطوي على عنصر المغامرة والوعد، غير المضمون، بتحقيق مكاسب مادية من تحمل أخطار الغير.

 

ليس هناك ما يفيدنا في كتابة المزيد حول هذا الجانب من موضوع الكتاب ويظل بحاجة إلى من يبحث عنه.  يكفي هنا القول إن العراق شهد ولادة سوق جنيني للتأمين مع إقدام شركتين بريطانيتين على تأسيس فرعين لهما في بغداد.  واكتفى رأس المال التجاري اليهودي بالاستثمار في وكالات للتأمين التي لا تتحمل، بفضل طبيعتها، الأخطار المكتتب بها.  ولن تتأسس أول شركة تأمين “عراقية” إلا في سنة 1946 كانت مساهمة الجانب العراقي في رأسمالها 40%.

 

*****

 

رغم تشريع انتزاع المواطنة من معظم اليهود العراقيين، 1950-1951، فإن عددا منهم استمروا في العمل مع وكالات التأمين الممثلة لشركات التأمين الأجنبية وتلك العائدة لرجال أعمال عراقيين كموظفين أو كلاء إنتاج.[11]  وقد تميزوا بمعرفة تأمينية جيدة كما جاء في رسالة من المرحوم عبد الباقي رضا بتاريخ 18-19 تشرين الأول 2016، فقد كتب لي باقتضاب عن أحدهم وهو اسحق صَدْقَه: “كان يعمل في وكالة [حمزة وعباس] الدرزي للتأمين … كنت على معرفة به شخصياً وكان شخصاً محترماً جداً من جميع النواحي.”[12]  وقد نشر اسحقِ صدْقه كتابا صغيراً بعنوان دليل التأمين البحري، (بغداد: مطبعة دار المعرفة، 1954)،[13] مما يدل على مستوى معرفته التأمينية.  وفي معرض تعليقه على وكالة شركة نيوزيلند للتأمين كتب بهاء بهيج شكري الآتي:

 

“وكيلها عراقي الجنسية يدعى حمزة الدرزي.  ومديرها يدعى اسحق صِدْقه وهو من الجالية اليهودية العراقية، وكان على مستوى عالٍ من الخبرة بالتأمين العام المباشر، ويعتبر من أوائل رجال التأمين في العراق.”[14]

 

ترى هل كنا سنتعرّف على غيره لو كلَّفت واحدة من شركات التأمين العراقية “العريقة” باحثاً لكتابة تاريخها والأطوار التي مرّت بها ومن أدارها وعمل فيها ووكالات التأمين التي تعاملت معها، كما هو الحال في أسواق التأمين الغربية وغيرها من الأسواق.  وإذا كان مثل هذا التاريخ غائباً يصبح السؤال والبحث عن دور اليهود العراقيين في النشاط التأميني والكتابة عنه ترفاً لا طائل منه.  ومع ذلك فإن ما يكشفه السؤال قد يساعد في دفع البحث إلى الأمام للتعرّف على بدايات هذا النشاط في العراق.  نقول هذا لأن السؤال من بعض قادة التأمين (كبهاء بهيج شكري وعبد الباقي رضا) ومن بعض الزملاء والأصدقاء في لندن قد قادنا للتوصل إلى بعض المعلومات الأولية عن عمل عدد من المواطنين اليهود في قطاع التأمين.  كمثل على ذلك ما جاء في تعقيب لبهاء بهيج شكري على مادتين أرسلتهما له، وقد تفضل بقراءتهما والتعليق عليهما.  أنقل مقاطع مطولة من تعليقه أدناه بنصها كما جاء في رسالته المؤرخة في 8 كانون الأول 2016:

 

…. اعود الى التعقيب على رسالتك بخصوص إهمال موضوع التامين في مناهج الأحزاب السياسية في العراق[15] ودور اليهود في النشاط التأميني في أواسط القرن الماضي،[16] فحسبما ارى ان الموضوعين متشابكين، وان دراسة اي ظاهرة يجب ان لا تنفصل عن جذورها التاريخية والظروف المحيطة بمسيرة تطورها.  فالتأمين بشكله الحالي باعتباره نظاما لتوزيع خسارة القلة على الكثرة كانت اول صورة من صوره هو التامين البحري وقد مورست هذه الصورة في القرن الرابع عشر من قبل اللومبارد المقيمين في شمال إيطاليا وهم مجموعة من اليهود، وبسبب اضطهاد الدولة الرومانية [؟] حينذاك للطائفة اليهودية هاجر اللومبارد الى إنجلترا ونقلوا معهم هذا النظام الى هناك.  وعن هؤلاء اللومبارد انبثقت هيئة اللويدز، فأصبحت إنجلترا الموطن الذي ترعرع فيه هذا النظام، خصوصا بعد ان تمكن هؤلاء اليهود من السيطرة على النشاط التجاري هناك.  ولم يقتصر الامر على التامين البحري، فبعد ان حصل حريق لندن المشهور سنة ١٦٦٦ واتى على معظم المحلات التجارية العائدة لهم طرأت لديهم فكرةً التامين من الحريق الى جانب التامين البحري.  وما ان حدثت الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر حتى كانت فرصتهم الذهبية في تطويره لتغطية الاخطار الجديدة التي صاحبت الثورة الصناعية.  ومن تحصيل الحاصل القول ان ممارسة هذا النظام لم تقتصر على إنجلترا بل انتشرت في جميع الدول الأوربية، كما تنقلت الى أمريكا مع المهاجرين اليهود الذين استوطنوا فيها.  لهذا نجد ان التامين أصبح جزا لا يتجزأ من النشاط التجاري والصناعي بل أصبح فقرةً من فقرات متطلبات الفرد الأوربي والأمريكي، لهذا درجت الأحزاب السياسية في هذه الأقطار على تضمين مناهجها فقرات تتعلق بالنشاط التأميني.

 

وخلال تلك الفترة لم تكن هناك دول عربية، بل مجرد ولايات تابعة للدولة العثمانية، وقد حاولت شركات التامين التي تأسست في أوربا ان تجد لها سوقا في دويلات السلطنة العثمانية فأسست وكالات لها في تلك الولايات بموافقة السلطان العثماني لمزاولة التامين البحري، غير ان نشاط هذه الوكالات جوبه بالرفض من قبل رجال الدين الذين كانت لهم كلمة مسموعة من قبل السلطة والعامة على حد سواء فكان الامام أحمد الحنفي[17] هو اول من أفتى بتحريم التامين باعتباره عقد لزوم بما لا يلزم، ثم تلاه شيوخ الأزهر وبقية علماء الدين من المذاهب الأربعة، وكان من بين الذين أفتوا بتحريمه الشيخ محمد ابو زهرة، أستاذ الفقه الاسلامي في قسم الدراسات العليا في جامعة القاهرة، معللا تحريمه بكونه من صناعة اليهود وانه يتعارض مع قواعد الميراث والوصية في الشريعة الإسلامية.  ولم يقتصر الامر على الفتاوى الفردية بل صدرت الفتوى بتحريمه من قبل مؤتمر العلماء المسلمين المنعقد في مكة في السبعينات من القرن الماضي.  لهذا أصبحت الذهنية التأمينية ضعيفة في البلاد العربية.  وبالرغم من أن علماء المذهب الجعفري قد أفتوا بتحليل التامين الا ان حججهم لم تكن من القوة بحيث تطغى على فتاوى التحريم، هذا فضلا عن ان عامة الشيعة لا يهمهم التامين بقدر ما تهمهم المواكب الحسينية ومواسم الزيارات، لهذا لم يجد موضوع التامين مكانا له في منهاج الاحزاب السياسية سواء أكانت أحزابا علمانية او دينية.

 

وبصدد ما ذكرته عن الحزب الشيوعي، فأخبرك من تجربتي الشخصية بان الاتحاد السوفياتي على الرغم من كونه دولة ماركسية لا مجال فيها للنشاط التجاري الخاص الا انها كانت تُمارس التامين واعادة التامين بنفس طريقة الدول الرأسمالية، فمؤسسة انكوستراخ التي تعاملت معها شركة التامين الوطنية سنة ١٩٥٨ تضم خبراء متمرسين في فن التامين، ومنهم السيد كوركين الذي عملت معه فترة ثلاثة أشهر.  كان خبيرا حقا في التامين المباشر وهو الذي علم موظفي التامين من الحريق طريقة تحليل المحفظة التأمينية لتقرير نطاق إعادة تأمينها، وان منهاج الحزب الشيوعي العراقي هو منهاج مرحلي، وقد جاء مضمونه مساير للحاجة المرحلية.

 

وأخلص من هذا الى القول بان الاصل في التامين هو تجارة يهودية[18] فليس غريبا أن تبرز سيماؤهم في هذا الحقل في العراق وان ضعف الذهنية التأمينية لدى عامة الجمهور العراقي وفتاوى التحريم هي السبب في تجاهل الأحزاب السياسية له.

 

وعلى ذكر اليهود فقد ورد اسم اسحق صدقه في كتاباتك، فأخبرك بانه قد نشأت بيني وبينه علاقة صداقة قوية، فكان هو لولب جمعية التامين العراقية، وقد اتصل بي بعد صدور كتابي النظرية العامة للتامين[19] ليهنئني عليه، ويخبرني كيف انه استفاد من قراءته، ومن ذلك اليوم توثقت العلاقة بيني وبينه واستمرت حتى هجرته من العراق.

 

كان لصدور قانون نزع الجنسية العراقية[20] عن المواطنين اليهود أثره السلبي على قطاع التأمين، وبالتأكيد قطاعات أخرى في التجارة والمال، إذ فقد القطاع أعدادا، لا نعرف حجمها، من ممارسي التأمين من المواطنين اليهود خلال فترة قصيرة جداً.  لا نعرف مدى تأثير هذه الخسارة، المعرفية والعملية، على القطاع.  ترى هل كان تطور القطاع سيكون مختلفا لو استمر هؤلاء في مواقع عملهم؟  التاريخ اللاحق للقطاع (ستينيات وسبعينيات القرن الماضي) يؤشر على استمرار تطور القطاع من حيث التشريع ونمو أقساط التأمين وتعزيز المعارف والمهارات المهنية مع التقلص الشديد في عدد اليهود العاملين في وكالات التأمين.  وقد ارتبط هذا التطور مع ازدياد عدد الخريجين من جامعة بغداد وسياسة الاستخدام الصارمة من قبل شركات التأمين العامة في انتقاء العناصر المؤهلة.

 

إن إهمال ذكر دور ممارسي التأمين اليهود هو جزء من الإهمال العام لدور كل ممارسي التأمين في العراق.  فنحن لا نعرف إلا القليل عن بعضهم، وما نشرناه من دراسات ضمن مطبوعات مكتبة التأمين العراقي (الإلكترونية) لا يلامس إلا سطح الموضوع.

 

كما أن ذكر عدد قليل من الأسماء والتقييمات المتوفرة لدينا، لشخص أو أكثر، لا يرقى إلى دراسة تاريخية موثقة.  لذلك يجب النظر إلى محتويات هذا الكتاب الصغير على أنها مجرد محاولة في الاقتراب من موضوعه، وهو أبعد ما يكون من قدراتنا البحثية في الوقت الحاضر.

 

*****

 

أود التنبيه أن محاولتي للتقرب من بحث دور المواطنين اليهود في النشاط التأميني في العراقي لا تعني تبجيل أو تعظيم هذا الدور وتحويله إلى أسطورة كتلك التي كانت شائعة في الماضي أن اليهود في أوروبا هم أول من استحدثوا التأمين البحري وحتى مؤسسة التأمين التجارية وبعض الأدوات المالية وكذلك إطلاق الرأسمالية.[21]  وهي أسطورة خاطئة كما يبيّن الباحثون.[22]  في متابعتنا لدور المواطنين اليهود لا نبحث بينهم عن “قائد” أو “رائد” في مجال التأمين من شاكلة بهاء بهيج شكري ومصطفى رجب وعبد الباقي رضا وآخرين في مجال نخصصاتهم المختلفة، فلم نشهد واحداً بهذه الصفة بين اليهود، بل نبحث عن المساهمة الجماعية الأولية في إرساء قواعد العمل التأميني دون أن نغمط دور الآخرين المجهولين، حتى الآن، ممن عملوا في وكالات تأمين قاموا بتأسيسها أو عملوا فيها.[23]

 

إن المعرفة بالتأمين والمهارات المرتبطة بتطبيقها لم تكن ذات مصدر محلي بل كانت مستوردة من الخارج، وهي مرتبطة أصلاً بالتوسع الإمبريالي البريطاني من خلال الحرب والاحتلال.  فلغة التأمين كانت إنجليزية، وهي المفتاح لفهم مكانة المواطنين اليهود في النشاط التأميني بفضل امتلاكهم لهذه اللغة.  وستمر عدة عقود قبل أن نشهد إدخال اللغة العربية في إصدار وثائق التأمين والتظهيرات (ملاحق وثائق التأمين) والإشعارات الدائنة والمدينة.

 

من المناسب جداً هنا الإشارة والإشادة بالدرجة العالية من اندماج وتناغم اليهود مع غيرهم في المجتمع العراقي وتكيّفهم الجيد مع الثقافة العراقية والعربية مع الحفاظ على عقيدتهم والتوراة.[24]  نعم، تظل هناك الفروق الدينية والاقتصادية والثقافية، بالمعنى الواسع، قائمة كما هو الحال في كل المجتمعات إلا أن الخيط الأساس الجامع كان التوجه نحو ما يمكن أن يسمى بالنزعة العراقية، وخاصة بعد تأسيس الدولة الحديثة سنة 1921، ليتشكل منها هوية عراقية قوامها المواطنة (التي لم تتعز بما يكفي وأصابها التشظي وخاصة بعد الاحتلال الأمريكي سنة 2003).  لقد كان العراق وما يزال كغيره مجتمعاً متعدد الثقافات.  قد تتناقض هذه الفكرة مع أخرى أشيعت من قبل النخبة الحاكمة ومثقفيها في الولايات المتحدة وحتى في دولة إسرائيل حول تكوين مجتمع جديد قائم على مفهوم البوتقة الاجتماعية أو القومية melting pot الصاهرة للتمايزات النابعة من أصول متعددة، وهو مفهوم لا ينهض به الواقع.

 

لقد تميَّز المواطنون اليهود في العراق بتعليمهم العلماني واللغوي وفق النظام الأوروبي المتقدم المتبع في مدارس الأليانس ومدرسة شماش وغيرها من المدارس اليهودية.  وكان هذا التعليم، في رأيي، هو المفتاح لولوج العمل التأميني وأعمال مالية وتجارية أخرى.  لكن هذا المستوى من التعليم لم يجعلهم يقفون خارج النظام العام في العراق سواء ما تعلق بحياتهم أو ممارسة عملهم أو ثقافتهم العربية.

 

أجرؤ على القول ان معرفتهم باللغة الإنجليزية ساعدتهم على اكتساب المعرفة التأمينية من خلال قراءة بعض كتب التأمين المرجعية في الوقت الذي لم يكن هناك إلا القليل من هذه الكتب بالعربية عن التأمين.  على سبيل المثل، كتاب جمال الحكيم التأمين البحري: دراسة علمية عملية قانونية (القاهرة، 1955)، وكتاب بهاء بهيج شكري النظرية العامة للتأمين (بغداد، 1960).[25]  مقابل ذلك وقبله كان هناك العشرات من الكتب باللغة الإنجليزية، نذكر منها على سبيل المثل:[26]

 

Frederick Templeman, Marine Insurance: its Perils & Practice (1903 and subsequent reprints)

 

Victor Dover, A Handbook to Marine Insurance (1924 and subsequent reprints)

 

John H. Magee, General Insurance (1936 and subsequent reprints)

 

  1. R. S. Smith and H. W. Francis, Fire Insurance Theory & Practice (1938 and subsequent reprints)

 

يذكر د. جمال عبد الرسول الدباغ في مقدمة مصنفه البيبلوغرافي من النتاج المعرفي العراقي في إدارة الخطر والتأمين وإعادة التأمين لغاية العام 2000 أن لديه[27]

 

حصيلة من مؤلفات التأمين العربية لعلها تفوق حصيلة المؤلفات العراقية قد تتاح الفرصة لنشر فهارسها مستقبلاً، فضلاً عن مجموعة من الكتب باللغة الانكليزية يعود بعضها إلى حوالي (100) سنة، ومنها:

  • Sneath, 1920, Insurance
  • Davidson, 1923, Fire Insurance
  • Poole, 1930, The Marine Insurance of Goods, 2 ed.
  • Welson, 1931, The Law Relating to Insurance Agents and Brokers
  • Templeman & Greenacre, 1934, Marine Insurance
  • Hardy, 1937, Risk & Risk-Bearing, 3 ed.

 

يعني هذا أن ممارس التأمين اليهودي العراقي، بفضل معرفته للغة الإنجليزية، كان أوفر حظاً لدراسة التأمين، في العقود الممتدة بين ثلاثينيات وخمسينيات القرن العشرين، اعتماداً على مراجع باللغة الإنجليزية.  تغير المشهد مع تأسيس كلية التجارة والاقتصاد (1946-1947) وتخرُّج أول دورة فيها سنة 1949-1950.  وبعد ذلك، 1955، أدخل تدريس موضوع المصارف والتأمين في قسم العلوم التجارية في الكلية (كان هناك قسم للعلوم الاقتصادية).

 

إذا سلَّمنا بهذه المصادر للمعرفة التأمينية لدى ممارسي التأمين اليهود، ترى كيف اكتسبوا المهارات العملية المرتبطة بالعملية التأمينية اكتتاباً وتعويضاً؟  هل اكتسبوها من بعض الموظفين الإنجليز الذين كانوا يعملون في فروع شركات التأمين الأجنبية (تأسس اثنين منهما سنة 1920)، أو من خلال دورات تدريبية، أو الدراسة الشخصية للكتب المرجعية في التأمين؟

 

*****

 

إن مشروع هذا الكتاب الصغير ذي شقين.  الأول، إلمساهمة في بحث تاريخ التأمين في العراق.  الثاني، الكشف، قدر الإمكان، عن مساهمة المواطنين اليهود في هذا التاريخ كي لاتظل هذه المساهمة مخفية أو مكبوتة أو مهملة أو مرفوضة.  ومن المهم التأكيد هنا على عدم إخضاع هذا التاريخ للمصالح والمواقف السياسية، في الماضي أو في الوقت الحاضر، تجاه دولة إسرائيل، فالبحث في التاريخ وببساطة يقوم على إثارة سؤال ما الذي حدث في الماضي على شاكلة الحفر في الحجر الذي يقوم به علماء الآثار المتجردين من الأهواء السياسية المُسبقة.[28]  وأزعم أن مقالتي “التأمين في الأرشيف اليهودي العراقي: قراءة أولية” تندرج في هذا السياق.  إن هذا التاريخ يعود للعراق ولا علاقة له بدولة إسرائيل و/أو الصهيونية مع الأخذ بنظر الاعتبار أن هجرة/تهجير يهود العراق، خلال فترة قصيرة، لم يكن حدثاً طبيعياً بل مصنوعاً[29] بتوافق مصالح معينة لتعظيم الثقل السكاني في دولة إسرائيل ضمن خطة جلب أول مليون يهودي إلى فلسطين.[30]  فبعد صدور قانون نزع الجنسية كان عدد المواطنين اليهود الذين سجلوا اسماءهم لمغادارة العراق نهائياً صغيراً (ربما أقل من 150؟) وهو ما دفعت الحركة الصهيونية إلى أعمال التفجير التي طالت كنيساً وأماكن أخرى،[31] كانت المحفز الأكبر على خلق أجواء الهلع بين المواطنين اليهود وزيادة عدد المسجلين للهجرة.

 

وبودي التأكيد أيضاً على أن معظم المزاعم والاستنتاجات وحتى بعض المعلومات في هذا الكتاب تظل مؤقتة وقابلة للنقض لحين الكشف عن المزيد من الحقائق والأدلة المادية التي قد تكون متوفرة في سجلات وكالات وشركات التأمين ووزارات ودوائر الدولة المعنية بالتأمين والشركات والكتب التوثيقية التي قد تكون متوفرة في المكتبة الوطنية أو مكتبات أخرى.

 

من المناسب هنا أن نقتبس ما كتبه أحد المؤرخين في سياق تفنيده لبعض الخرافات:

 

لا يتعامل التاريخ كما نُعرّفه مع الفعل البشري فحسب، بل يتعامل أيضًا مع عالم من الأفكار كما يحدث في الزمان والمكان.  لم تترك الجماعات البشرية في الماضي البعيد ورائها أعمالًا مكتوبة، ولا نعرف سوى القليل جدًا عن كيفية توجيه معتقداتهم وتخيلاتهم وعواطفهم لأفعالهم الفردية والجماعية.[32]

 

ورغم اختلاف السياق والعمق التاريخي فإن ما يرد في هذه الفقرة تؤكد لنا حقيقة عدم وجود أعمال مكتوبة من قبل اليهود العراقيين عن مؤسسة التأمين وشركات التأمين، ولا نعرف ما كان يوجّه افعالهم الفردية أو الجماعية في مجال عملهم في وكالات التأمين، وباستثناء حالة واحدة (كتاب عن التأمين البحري لاسحق صدقه) فإنهم لم يتركوا لنا “أعمالًا مكتوبة.”

 

*****

 

هناك أحداث مهمة في تاريخ العراق الحديث ربما كانت لها بعض الآثار التأمينية التي لم تخضع للبحث.  يرد في البال هنا، على سبيل المثل، ثورة 14 تموز 1958، وما كان يسمى بحركة التمرد في شمال العراق، وكذلك ما هو أقرب إلينا: الانتفاضة التشرينية سنة 2019.  وهناك ما يمس موضوع هذا الكتاب وأعني به فصل الذعر في تاريخ العراق الحديث المعروف بالفرهود (1-2 حزيران 1941)، وخاصة في بغداد حيث قتل “145 طفل ورجل وامرأة،” واقترن بأعمال سلب ونهب للمتلكات[33] لم تدرس أثاره التأمينية على العاملين اليهود في وكالات وفروع شركات التأمين الأجنبية (لم تكن هناك بعد شركة تأمين عراقية) وعلى المؤمن لهم من المواطنين اليهود وغير اليهود.

 

من آثار الفرهود خلق حالة من التوتر والترقب والخوف لدى المواطنين اليهود، لكننا نزعم أن هذا الوضع لم يؤثر على شراء التأمين من قبل المواطنين اليهود، وعلى من كان يعمل في قطاع التأمين، فليس معروفاً إن كان البعض منهم قد غادر العراق في الفترة الممتدة من الفرهود حتى صدور قانون نزع الجنسية سيء الصيت.  وحتى بعد صدور القانون ظل عدد من اليهود يعملون في وكالات التأمين.

 

*****

 

أزعم أن دور المواطنين اليهود في سوق التأمين العراقي منذ أوائل القرن العشرين لحين صدور قانون إسقاط الجنسية العراقية كان مهماً في تطور السوق واتخذ أشكالاً مختلفة.  يمكن إجمال أهمية دورهم بالآتي:

 

  • لقد كان يهود العراق من أوائل العراقيين الذين عملوا في مجال التأمين، وهو نشاط اقتصادي لم يكن معروفاً في العراق حتى بدايات القرن العشرين. وهم بهذه التشخيص يعتبرون من رواد العاملين في مجال التأمين في العراق.

 

  • لقد لعبوا دوراً واضحاً في تأسيس وكالات التأمين عندما لم تكن هناك شركات تأمين عراقية، كما نبين في أحد فصول هذا الكتاب؛ وهم بذلك مهدوا السبيل لوضع اللبنات الأولي لتأسيس سوق التأمين العراقي. لكننا لا نعرف هوية المؤسسين وخلفياتهم الاقتصادية ومؤهلاتهم.

 

  • كما أنهم وفَّروا لسوق التأمين العراقي منتجين أفراد متعلمين لبيع وثائق التأمين لشرائح مختلفة من الشعب في وقت كانت فيه المعرفة بالحماية التأمينية لدى أغلبية الناس ضعيفة أو معدومة لا بل كان التأمين لدى فئات عديدة مرفوضة بقوة التأثير الديني.

 

  • وكانوا يشكلون عناصر العمل الأساسية في وكالات التأمين وفروع شركات التأمين الأجنبية. وتميز هؤلاء بدراستهم في مدارس يهودية عراقية تقوم بتعليم العلوم الحديثة واللغات الأجنبية وعلى رأسها اللغة الإنجليزية، التي كانت مماثلة لما يدرّس في المدارس الأوروبية.

 

  • باستثناء كتاب تأميني صغير استهدينا إليه (دليل التأمين البحري لاسحق صَدْقَه) ليس معروفاً إن قام ممارسو التأمين العراقيين من اليهود بنشر كتابات تأمينية، وإذا كان هذا صحيحاً فإنه من المناسب النظر إلى مساهمتهم الجوهرية في المجال العملي التطبيقي لمناهج الاكتتاب رغم أن معظمها كان مقتصراً على تطبيق تعرفات التأمين الأجنبية (البريطانية أساساً) وشروطها على فروع التأمين المختلفة، وكذلك تقييم الخسائر الخاضعة للتأمين وتسوية المطالبات بالتعويض، ومسك الدفاتر الحسابية.

 

  • اعتماداً على معلومات زودنا بها الزميل منعم الخفاجي فإن ممارسي التأمين اليهود كانوا نشطين في جمعية التأمين العراقية،[34] فقد ذكر أن اسم سكرتير الجمعية S. Shohet يرد في رسالة تعليمات صادرة من الجمعية إلى الأعضاء تحمل تاريخ 29 ديسمبر 1958. وكما نقلنا عن بهاء بهيج شكري فإن اسحق صدقه كان لولب هذه الجمعية.

 

*****

 

في الفترة التي كان فيها اليهود العراقيون نشطين في سوق التأمين العراقي كان هناك شركة تأمين عراقية واحدة (شركة الرافدين للتأمين تأسست سنة 1946، برأسمال عراقي 40% وأجنبي 60%).  وليس معروفاً ان أحداً منهم عمل في هذه الشركة.  وكذا الأمر بالنسبة لشركة التأمين العراقية (تاسست سنة 1958) وشركة بغداد للتأمين (تأسست سنة 1959)، وكانتا تعودان للقطاع الخاص.  وإذا كانت هذه الملاحظة صحيحة فإن دورهم في مجال إعادة التأمين (الاتفاقية والاختيارية) كان معدوماً وفي أحسن الحالات ضئيلاً جداً، فوكالات التأمين التي كانوا الأكثر نشاطاً فيها لم تكن بحاجة إلى حماية إعادة التأمين.[35]  رغم هذا الاستدراك المتأخر فإني أراه صحيحاً ذلك لأن أول شركة لإعادة التأمين في العراق كانت شركة إعادة التأمين العراقية (تأسست سنة 1960)، وكان معظم موظفيها من خريجي الجامعات العراقية، ومن بينها جامعة الحكمة للآباء اليسوعيين في بغداد (تأسست سنة 1956، وكانت تضم عدداً من الطلاب والطالبات اليهود) يتمتعون بمستوى لائق من اللغة الإنجليزية وكانوا يخضعون لدورات تدريبية مكثفة.[36]  واستفادت الشركة عند تأسيسها من بعض الموظفين المتمرسين في شركة التأمين الوطنية ومن خبير تأمين من الشركة السويسرية لإعادة التأمين.[37]

 

علينا أن نتذكر أنه في هذه الفترة (التي تلت إسقاط الجنسية) كان عدد ممارسي التأمين من اليهود العراقيين، العاملين في قطاع وكالات التأمين، قد تقلص كثيراً (العدد غير معروف)، وكان مجال العمل في المؤسسات العائدة للدولة، ومنها شركات التأمين، مقفلاً أمامهم منذ أربعينيات القرن العشرين.

 

لقد كان هذا الوضع من النتاجات الضارة لقانون نزع الجنسية عن يهود العراق الذي تسبب في خسارة معظم ممارسي التأمين العراقيين من اليهود خلال فترة قصيرة جداً لم يبق منهم، بعد الهجرة/التهجير الجماعي للمواطنين اليهود سنة 1950، إلا البعض الذي تمسك بوطنه العراقي وعمل في بعض وكالات التأمين.  وحتى هؤلاء لم يستطيعوا الاستمرار في العمل، وبحلول 1970، بعد حفلة الإعدام في ساحة التحرير، بغداد، في 27 كانون الثاني سنة 1969، خلا منهم سوق التأمين العراقي نهائياً.[38]

 

*****

 

قبل أن أنهي هذه المقدمة أود الإشارة إلى انشغال عائلة يهودية عراقية عريقة، وعلى رأسها داود ساسون، هاجرت إلى الهند في القرن التاسع عشر (1830)[39] كانت نشطة في مجالات تجارية مختلفة، وخاصة تجارة الأفيون قبل أن توسع نشاطها في المتاجرة بسلع أخرى والتطوير العقاري، مع شئ من الاهتمام بالتأمين، فقد ورد في أحد الكتب التي صدرت باللغة الإنجليزية مؤخراً الآتي:

 

كان التأمين البحري أداة أخرى لإدارة المخاطر.  لقد كان التأمين باهظ الثمن، يتراوح ما بين 2 إلى 5 في المائة من قيمة الشحنة، لكنه ضروري نظراً إلى كثرة غرق السفن أو تعرضها للضرر بسبب الأنواء الغادرة السائدة في العديد من طرق الشحن في آسيا وفي الطريق إلى بريطانيا.  حتى قبل الإقدام في العمل مباشرة، استثمرت عائلة ساسون في شركات التأمين؛ وفقًا لصحيفة London and China Telegraph، كان سليمان داود ساسون أحد المدراء الخمسة الذين يمثلون David Sassoon & Sons في شركة North China Insurance.  في وقت لاحق، دخلت العائلة مجال التأمين البحري، وإن كان على نطاق ضيق.  كان هذا النوع من التكامل الرأسي غير عادياً بالنسبة للتجار في ذلك الوقت، وهو يكشف بشكل واضح جداً عن فهم وطموح لواحدة من أكبر سلالات العوائل في القرن التاسع عشر.[40]

 

وفي حين كانت هذه العائلة وشركتها D. Sasson Sons and Co نشطة في الهند والصين وتلاقت مصالحها التجارية المتنوعة بما فيها تجارة الأفيون مع المصالح الإمبراطورية البريطانية،[41] قبل أن ينتقل بعض أفرادها إلى بريطانيا ويصبحوا قريبين من المؤسسة السياسية، إلا أنه ليس هناك ما يفيد أن اهتمامها التأميني المحدود قد امتد إلى العراق رغم العلاقات التجارية الأخرى مع بعض المدن الإيرانية وبغداد والبصرة، ورغم تصديرها لبعض البضائع إلى العراق ودول الخليج، ورغم إرسال بعض أفراد الأسرة إلى بغداد لاختيار محاسبين وآخرين للعمل في مقر الشركة في بومباي.

 

*****

 

يضمُّ هذا الكتاب المقالات التي نشرتها عن حضور اليهود العراقيين في مجال العمل التأميني، آثرت أن أجمعها في هذا الكتاب الصغير لعله يساعد غيري في البحث الأصيل في المصادر عن تاريخ النشاط التأميني في العراق خاصة وأن ما كتب عن هذا التاريخ قليل جداً[42] ولا يشير إلى دور المواطنين اليهود في النشاط التأميني.

 

لقد حاولت في هذه المقالات التقرب من هذا التاريخ ثم حاولت التوسع قليلاً لكنني توقفت لأن المصادر والمراجع ليست متوفرة لدي.  ضمن هذا الإطار فإن عنوان الكتاب وكذلك فترة التغطية فيه الكثير من الطموح الذي لا يسعفه واقع البحث حالياً سواء ما تعلق منه بتاريخ التأمين في العراق عموماً أو دور اليهود في هذا التاريخ.  وحتى اختيار التاريخين 1920 و1970 فيه شيء من الاعتباط، وما دفعني إليهما هو أن سنة 1920 شهدت دخول شركتين بريطانيتين للتأمين إلى العراق هما شركة بروفينشال للتأمين Provincial Insurance Company وشركة ﮔـارديان للتأمين Guardian Assurance Company استمرتا في العمل من خلال وكالات التأمين لحين صدور قرار التأميم سنة 1964.  وافترض أن هاتين الشركتين ربما استخدمتا مواطنين عراقيين من اليهود بفضل مؤهلاتهم اللغوية وربما التأمينية.  أما سنة 1970 فهي التي أزعم أنها شهدت خروج آخر مواطنين يهوديين عملا في قطاع التأمين من العراق، منشي كوهين (1910-1987) الذي عمل لبعض الوقت في ستينيات القرن الماضي في شعبة الحسابات في الوكالة التي تمثل شركة ﮔـارديان للتأمين؛[43] وصباح عقيرب الذي عمل في شركة هارون داود شوحيط وإلياس عقيرب المحدودة، وكيل شركة ليـﮔل أند جنرال، وشركة ساوث بريتش إنشورنس كومباني ليمتد.[44]

 

آثرت أن أضم للكتاب مقالاً لي بعنوان “وكالات التأمين في العراق عام 1936: محاولة في التوثيق” لأنه أقرب ما يكون إلى خلفية أراها مناسبة لعرض دور المواطنين اليهود في النشاط التأميني الذي تركّز على عملهم في وكالات التأمين، فليس معروفاً حتى الآن إن كان أحداً منهم قد عمل في شركة تأمين.  وكذلك ضم ورقة صباح عقيرب،[45] التي كتبها في تشرين الثاني 2015 اعتماداً على ذاكرته، عن أوضاع التأمين في العراق خلال الفترة الممتدة من أربعينيات وحتى أواسط ستينيات القرن العشرين.

 

يمكن، لم يرغب، قراءة هذا الكتاب الصغير من أوله إلى آخره، أو يمكنه أن يختار أن يبدأ القراءة من أي من فصوله رغم أن هناك خيط يجمع بينها حاولت التعريف به في هذه المقدمة.  وأعني به دور ممارسي التأمين وأصحاب وكالات التأمين من اليهود في تشكيل سوق عراقي للتأمين.

 

استفدت من فرصة تجميع مقالاتي المنشورة في هذا الكتاب بإضافة بعض الهوامش عن معلومات استهديت إليها في وقت لاحق.

 

أود التنبيه على بعض التكرار في الأسماء والمعلومات في هذه المقدمة وردت أصلاً في أماكن أخرى من الكتاب.  لقد جاء هذا التكرار بفضل مناقشة بعض الأفكار في المقدمة ولم أشأ التخلص منه كي أبقي على انسيابية السرد والحجة.

 

أود التنبيه أيضاً بأنني لم أعمد إلى كتابة تاريخ سردي أو مرجعي لدور اليهود العراقيين في التأمين، فمثل هذا التاريخ ليس ممكناً لندرة المصادر وما هو متوفر منها ليس كافياً.  إن ما كتبته ما هو إلا محاولة لفهم وإبراز دورهم المسكوت عنه إذ ليس معروفاً وجود مقالات ودراسات بهذا الشأن.

 

سترد معظم أسماء الأشخاص مع حفظ الألقاب.

 

سأكون شاكراً لمن لديه أية معلومات وتعليقات لها علاقة بموضوع هذا الكتاب إرسالها إلى عنواني المثبت في صفحة بيانات النشر للاستفادة منها في إعداد طبعة منقحة.

 

أشكر كل من ساعدني بتوفير المعلومات أو التعليق ممن يرد اسماءهم في ثنايا الكتاب.

 

بودي أن أؤكد بأنني وحدي أتحمل المسؤولية عن أي سوء فهم أو سوء تفسير أو أخطاء قد تكون حدثت في تأليف هذا الكتاب.

 

كانون الثاني 2023

 

 

[1] Shlomo Sand, The Invention of the Land of Israel (London and New York: Verso, 2012). p 272.

كتب المؤلف هذه العبارة في سياق استعادة وتأكيد تاريخ الوجود الفلسطيني المهمل عن قصد في كتابات المؤرخين الإسرائيليين.

 

[2] مصباح كمال، أوراق في تاريخ التأمين في العراق: نظرات انتقائية (بغداد: منشورات شركة التأمين الوطنية، 2011)، ص 4.

 

[3] كان ستار كرمد عيدان مديراً لقسم التأمين غير البحري في شركة إعادة التأمين العراقية وتقاعد عن العمل قبل سنوات.  وقد قمت بكتابة عرض نقدي لدراسته في تشرين الثاني 2013، نشر في موقع مجلة التأمين العراقي:

http://misbahkamal.blogspot.com/2014/06/origins-of-iraqs-insurance-market.html

 

وقد كان لي محاولة للتعاون معه سنة 2018 على نشر دراسته ضمن منشورات مكتبة التأمين العراقي ككتاب إلكتروني لتعميم الاستفادة منه إلا أن هذا المشروع لم يتحقق.  وكذلك لم تتحقق محاولة أخرى سنة 2019 مع زميلي تيسير التريكي على إيجاد ناشر للدراسة لطبعها ككتاب ورقي بدلاً من قيامي بنشرها كمطبوع إلكتروني.  وهكذا حرم القارئ العراقي من الاطلاع على هذه الدراسة.

 

[4] حاولت الاقتراب من تاريخ التأمين في العراق في كتابي أوراق في تاريخ التأمين في العراق: نظرات انتقائية.

 

[5] أميل كوهين، “مدارس الأليانس اليهودية في العراق،” محاضرة ألقيت في مركز الحوار الإنساني، لندن، 15 شباط 2017:

HTTPS://HDF-IQ.ORG/%D9%85%D8%AF%D8%A7%D8%B1%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%84%D9%8A%D8%A7%D9%86%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%87%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82/

 

راجع كذلك: مدرسة شماش، الموسوعة الحرة:

HTTPS://AR.WIKIPEDIA.ORG/WIKI/%D9%85%D8%AF%D8%B1%D8%B3%D8%A9_%D8%B4%D9%85%D8%A7%D8%B4#:~:TEXT=%D9%85%D8%AF%D8%B1%D8%B3%D8%A9%20%D8%B4%D9%85%D8%A7%D8%B4%20%D9%88%D9%87%D9%8A%20%D9%85%D8%AF%D8%B1%D8%B3%D8%A9%20%D8%AB%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%8A%D8%A9,%D9%81%D9%8A%20%D8%B0%D8%B1%D9%88%D8%AA%D9%87%D8%A7%20%D9%81%D9%8A%20%D8%B9%D8%A7%D9%85%201939.

 

مازن لطيف، “من التاريخ المنسي: مدرسة شماش الإعدادية،” الحوار المتمدن:

HTTPS://WWW.AHEWAR.ORG/DEBAT/SHOW.ART.ASP?AID=286471

 

هناك دراسات أخرى عن المدارس اليهودية في العراقية ودورها في رفد الشركات وحتى الدوائر الرسمية بموظفين مؤهلين بالعلم واللغة.

 

من المناسب أن نشير هنا إلى دور كلية بغداد للآباء اليسوعيين (تأسست سنة 1932) في تخريج أجيال من الطلاب بمعرفة جيدة باللغة الإنجليزية وفق أحدث المناهج التدريسية في وقتها.

 

[6] عندما بدأت شركة التأمين الوطنية بالعمل سنة 1952 (تأسست كشركة حكومية سنة 1950) كان اثنان من مدراءها العامين أجانب هما: ألبرت سميث (1952-1956) وجوزيف فير كندي (1957-1958).  لا نعرف ظروف تعيينهما، ولماذا وقع الاختيار عليهما، ولكننا نستطيع القول إن التعيين جاء بفضل معرفتهما بالتأمين وإداراته.  لم نستطع التوصل إلى معلومات تفيد استخدام المواطنين اليهود في الشركة.

 

[7] كاظم حبيب، يهود العراق والمواطنة المنتزعة (ميلانو: منشورات المتوسط، 2015).

 

[8] مصباح كمال، أوراق في تاريخ التأمين في العراق، مصدر سابق، ص 49.

 

[9] لم تكن جميع هذه الوكالات متخصصة بالتأمين بل كان التأمين أحد نشاطاتها.  راجع فصل “اليهود والنشاط التأميني في العراق: التأمين في ذاكرة عزرا حكّاك” في هذا الكتاب.

 

[10] يعني هذا أن رصيد أقساط التأمين لم تتراكم داخل العراق ولم تساهم في التنمية الاقتصادية من خلال الاستثمار.

[11] اخبرني الزميل والصديق اميل كوهين أن والده كان يعمل لصالح شركة ﮔـارديان للتأمين في بغداد لحين اضطراره إلى مغادرة بغداد إلى لندن بعد إعدامات 1969 لعدد من المواطنين اليهود في بغداد والبصرة.

 

كتب المرحوم عبد الباقي رضا: “بعد التأميم في 14/7/1964 لم يكن هناك أي توجيه حكومي أو اجتهاد ذاتي في شركتي التأمين المؤممتين [شركة التأمين الوطنية وشركة التأمين العراقية]، بعدم التعامل مع اليهود رغم ندرة عددهم آنذاك،” كما جاء في كتاب عبد الباقي رضا، رسائل في السيرة الذاتية والتأمين، إعداد وتحرير مصباح كمال (مكتبة التأمين العراقي، 2022)، ص 94.

 

نفهم من هذا القول أن بعض اليهود، الذين فضَّلوا البقاء في العراق، كانوا يؤمّنون على ما لديهم من ممتلكات كدور السكن والسيارات، كما يشهد على ذلك تأمينات المجلس الجسماني اليهودي.  ولكن ليس معروفاً إن كان أحداً منهم يعمل في أي من الشركتين.  يمكننا القول إنه مع تأميم شركات التأمين في تموز 1964 انغلقت أبواب العمل على من تبقى من ممارسي التأمين اليهود، إذ أن سياسة الحكومات العراقية، منذ أربعينيات القرن العشرين، كانت تتجه وبتعاظم نحو حرمان المواطنين اليهود من العمل في مؤسسات الدولة.

 

للتعرف على الخلفية راجع:

Carole Basri, ‘The Jewish Refugees from Arab Countries: An Examination of Legal Rights – A Case Study of the Human Rights Violations of Iraqi Jews,’ Fordham International Law Journal, Volume 26, Issue 3 2002.

 

[12] عبد الباقي رضا، رسائل في السيرة الذاتية والتأمين، ص 94.

 

[13] جاء ذكر هذا الكتاب في المصنف البيبلوغرافي للدكتور جمال عبد الرسول الدباغ من النتاج المعرفي العراقي في إدارة الخطر والتأمين وإعادة التأمين لغاية العام 2000، موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين، ص 4: من-النتاج-المعرفي-العراقي-النسخة-النهائية.pdf (iraqieconomists.net)

 

ليس معروفاً إن قام غيره من ممارسي التأمين اليهود بالتأليف في مجال التأمين.  راجع فصل “التعريف بكتاب اسحق صَدْقَه: دليل التأمين البحري.”

 

[14] بهاء بهيج شكري، رسائل في تاريخ التأمين في العراق، إعداد وتحرير مصباح كمال (مكتبة التأمين العراقي، 2021)، ص 122.

 

[15] الإشارة هنا هو لكتاب مصباح كمال، الاحزاب العراقية والتأمين: قراءة أولية في موضوعة حضور وغياب التأمين: الحزب الشيوعي العراقي نموذجاً، (مكتبة التأمين العراقي، 2016).

 

[16] الإشارة هنا هو لمقال مصباح كمال، “اليهود والنشاط التأميني في العراق،” نشر في مجلة التأمين العراقي و مرصد التأمين العراقي:

http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2016/07/jews-of-iraq-and-their-role-in-iraqs.html

https://iraqinsurance.wordpress.com/2016/07/30/iraqi-jews-and-their-role-in-insurance-activity/

ونشر أيضاً في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين.

 

[17] اعتقد أن المعني هنا هو الفقيه الشامي محمد أمين ابن عابدين (1784-1836)، صاحب رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الإبصار، المعروف باسم حاشية ابن عابدين، وهو الذي افتى بتحريم التأمين في “دار الإسلام”.  وقد اعتمد العديد من الكتاب والمعلقين على فتواه.

 

في تعليق لي على هذه الفتوى كتبت الآتي:

 

“أن الفتوى تضمُّ “موقفاً تجاه الفصل بين ما يتوافق عليه الناس من عقود برضاهم واختيارهم بلا غش وتغرير وبين الأمور التعبدية.  وهذا الفصل يؤسس توجهاً صريحاً نحو علمنة الحياة الاقتصادية عند الناس.  فحتى موقف ابن عابدين الرافض للسوكرة (التأمين) في بلاد الإسلام وتحليله في التعامل مع دار الحرب يؤشر على بدايات للقبول بالتأمين لأنه يرفع الحرج عن التاجر المسلم في التعامل مع التجار الأجانب ودخوله معهم في عقود تجارية من بينها عقود التأمين البحري.  موقف ابن عابدين هذا هو شكلٌ أولي مُقيّد للتعامل مع معطيات الواقع المُعاش.  وهذا يُدلل على أن متطلبات الواقع أقوى من محظورات الشريعة.”

 

مصباح كمال، التأمين: مقتربات تاريخية واقتصادية ومعاصرة (بيروت منتدى المعارف، 2022)، فصل “إطلالة على ابن خلدون وجذور التأمين في العالم العربي،” ص 44.

 

[18] هذا القول ينطوي على شيء من المبالغة.  كان التجار اليهود في أوروبا يعملون في التأمين لكن ذلك لا يعني بأنهم ابتدعوا مؤسسة التأمين التي ترجع أشكالها الأولية إلى الأزمنة القديمة.  في بريطانيا ساهم ناثان ماير روتشايلد (1777-1836) في تأسيس شركة Alliance British and Foreign Life and Fire Assurance Company Ltd سنة 1824.  وكان للشركة وكيل في بغداد: شركة عزرا مير حكاك وأولاده.  راجع فصل “اليهود والنشاط التأميني في العراق: التأمين في ذاكرة عزرا حكّاك.”

 

[19] بهاء بهيج شكري، النظرية العامة للتأمين، (بغداد: مطبعة المعارف 1960).  نشر بعدها ثمانية كتب تشكل مكتبة مرجعية لبعض فروع التأمين، بضمنها المعجم الوسيط في مصطلحات وشروط التأمين: انجليزي-عربي في جزأين (عمان: دار الثقافة، 2012).

 

[20] بتاريخ 4 آذار 1950 أقرّت حكومة توفيق السويدي القانون رقم 1 لسنة 1950 الذي خوّل مجلس الوزراء إسقاط الجنسية عن المواطنين العراقيين الذين يرغبون باختيارهم الحر مغادرة العراق نهائيا.  وكان القانون نافذاً لسنة واحدة.  كانت ذريعة الحكومة لسن القانون هو ارتفاع عدد المهاجرين الذين كانوا يغادرون العراق بصورة غير شرعية.  وكان هناك بُعد آخر لهذا القانون: التخلص من العناصر التي وصفتهم الحكومة بالمخربة وغير الموالية للوطن ومن بينهم الشيوعيين والصهاينة.  كان بعض اليهود العراقيين من الناشطين في الحزب الشيوعي العراقي.

Abbas Shiblak, Iraqi Jews: A History of Mass Exodus (London: Al Saqi Books, 1986), Ch 3 and 4.

 

هناك العديد من الدراسات توثق النشاط السياسي لليهود العراقيين ومنها:

نبيل عبد الأمير الربيعي، “شهيد الحزب الشيوعي العراقي يهودا إبراهيم صديق (ماجد)”، الحوار المتمدن، 23 أيار 2016 https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=518047

 

Akira Usuk, Jewish National Communist Movement in Iraq A Case of Anti-Zionist League in 1946 https://www.marxists.org/subject/jewish/jews-iraq.pdf

 

في منظور الحكم الملكي، وحتى منظور بعض القوميين العرب، هناك وجودين زائدين: الوجود اليهودي والوجود الشيوعي، رغم عراقيتهما، فهما عائقان أمام بناء الدولة وفق فهم ضيق للدولة.

[21] Werner Sombart, The Jews and Modern Capitalism, Translated by M. Epstein (Kitchener, Ontario: Batoche Books Limited, 2001).  First published 1911, pp 18-19, 27, 71, 94.

 

[22] على سبيل المثل، كتاب فرانشيسكا تريفيلاتو، الوعد والخطر في الائتمان: يا له من أسطورة منسية عن اليهود والتمويل يخبرنا عن تكوين المجتمع التجاري الأوروبي.  راجع ترجمتنا لمراجعة للكتاب في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين: مراجعة-كتاب-فرانشيسكا-تريفيلاتو-الوعد-والخطر-في-الائتمان-.pdf (iraqieconomists.net)

 

وكذلك

Stephen M. Passamaneck, Insurance in Rabbinic Law (Edinburgh: Edinburgh University Press, 1974), p 184.

 

[23] راجع فصل “وكالات التأمين في العراق عام 1936: محاولة في التوثيق” في هذا الكتاب.

 

[24] شهد القرن العشرين شرخاً واختراقاً في المجتمع اليهودي العراقي من خلال الفرهود (1941) الذي استطاع اليهود تجاوزه إلى حد كبير، لكن الشرخ والاختراق القاصم لعراقية اليهود هو قانون نزع الجنسية (1951).  يضاف إلى ذلك تغلغل الآيديولوجية الصهيونية وتأثيرها على بعض اليهود العراقيين ومن ثم دورها في عملية تهجيرهم ومقارعة هذه الآيديولوجية في ذات الوقت من يهود عراقيين آخرين.

 

لتقييم عراقية اليهود راجع إيلا شوحيط، “سبعون سنة على رحيل يهود العراق،” موقع الجدلية:

https://www.jadaliyya.com/Details/41904

 

[25] نفترض وجود كتابات تأمينية عربية أخرى إلا أننا لم نستهدي إليها.

 

[26] لي اطلاع مباشر على هذه الكتب، وما زلت احتفظ بها في مكتبتي عدا كتاب فيكتور دوفر.

 

[27] الكتاب متوفر في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:

من-النتاج-المعرفي-العراقي-النسخة-النهائية.pdf (iraqieconomists.net)، ص 3.

[28] هذه الفكرة مقتبسة من كتاب

Nadia Abu El-Haj, Facts on the Ground: Archaeological Practice and Territorial Self-Fashioning in Israeli Society (Chicago & London: The University of Chicago Press, 2001), p 155.

وجاءت في سياق مناقشة نتائج الحفريات الأثرية في مدينة القدس حيث أراد القائد العسكري الإسرائيلي وعالم الآثار يغائيل يادين (1917-1984)، تدمير بعض الآثار من العصر الأموي في فلسطين (أرض إسرائيل حسب العديد من المؤرخين والصحفيين الإسرائيليين لتغييب الوجود الفلسطيني).

 

[29] وكما كتب أحد المؤرخين فخلال النصف الأول من القرن العشرين، لم يعتبر معظم يهود العالم، بمختلف انتماءاتهم الفكرية والتنظيمية، أن فلسطين هي أرض لهم ليرجعوا إليها.  راجع:

Shlomo Sand, The Invention of the Land of Israel: From Holy Land to Homeland (London: Verso, 2012), Ch 3, Toward a Christian Zionism: And Balfour Promised the Land.

 

[30] قاسم حسن، العرب والمشكلة اليهودية (بيروت: المؤسسة التجارية للطباعة والنشر، 1969)، ص 141.  نشرت الطبعة الأولى سنة 1946.  أشكر نجل المؤلف، حسن، على تعريفي بكتاب والده.

 

[31] راجع الموسوعة الحرة، “تفجيرات بغداد 1950–1951”

https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AA%D9%81%D8%AC%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D8%AA_%D8%A8%D8%BA%D8%AF%D8%A7%D8%AF_1950%E2%80%931951

راجع كذلك:

David Hirst, The Gun and the Olive Branch (London: Faber and Faber, 1977), Ch. 5, section on ‘Cruel Zionism’ – or the ‘ingathering’ of Iraqi Jews, p 155-164.

 

[32] Shlomo Sand, The Invention of the Land of Israel, op. cit., p 20.

 

[33] كاظم حبيب، “قراءة متأنية في كتاب يهود العراق والمواطنة المنتزعة في ست حلقات،” الحوار المتمدن، العدد 5359، 2 كانون الأول 2016: https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=540010

وكذلك دراسته “حركة شباط – مايس 1941 الانقلابية والفرهود ضد اليهود،” الحوار المتمدن، العدد 3380، 29 أيار 2011.

 

أطروحات كاظم حبيب حول الفرهود وتهجير اليهود كانت موضوعاً للنقد.  راجع: علاء اللامي، “الفرهود وتهجير اليهود العراقيين: قراءة جديدة في الخلفيات،” موقع الآداب:

https://al-adab.com/article/%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B1%D9%87%D9%88%D8%AF-%D9%88%D8%AA%D9%87%D8%AC%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%87%D9%88%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D8%A9-%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA

 

[34] في التعريف بالجمعية كتب منعم الخفاجي في رسالة له بتاريخ 14 تشرين الأول 2022 ما يلي: “عند بدء عملي في شركة بغداد للتأمين في اب/١٩٦٣ عرفت أن في العراق جمعية باسم “جمعية التأمين العراقية” عملها كما لمسته من خلال تزامن عملي مع وجود هذه الجمعية من بداية عملي في حقل التأمين (آب/1963 لغاية تأميم شركات التأمين في تموز/1964)، يقتصر على توصيل ما يصدر من هيئة مكاتب الحريق (Fire Offices Committee (Foreign من تعديلات أو إضافات فيما يتعلق بتعريفة الحريق، وكذلك ما يصدر من هيئة مكاتب الحوادث (Accident Offices-Overseas Committee) بالنسبة لتعرفة السيارات، ولم ألمس لهذه الجمعية اي أشراف أو رقابة على تطبيق هذه التعريفات أنما الالتزام بها كان ذاتيا.”

 

[35] وقد كان لي موقف من هذا الموضوع في سياق آخر عندما قلت: “لنتذكر أن عمر صناعة التأمين في العالم العربي لا يزيد عن قرن. وفي مراحله الأولى لم تنهض الحاجة إلى إعادة التأمين لكون النشاط التأميني كان محصوراً أساساً بوكالات التأمين الأجنبية.  وحتى عندما دخلت شركات التأمين الأجنبية فإنها إن أرادت حماية إعادية نفترض بـأنها كانت تلجأ إلى الشركات في مواطنها الأصلية.”  ورد في كتاب احتفاء بالقيمة، تيسير التريكي يحاور مصباح كمال (بيروت: منتدى المعارف، 2018)، ص 91.

 

[36] للمزيد من التفاصيل وكذلك سياسة الاستخدام في الشركة، راجع: تيسير التريكي ومصباح كمال، حوار مع رائد في إعادة التأمين: الدكتور مصطفى رجب (بيروت: منتدى المعارف، 2020)، ص 49-51.

 

[37] حوار مع رائد في إعادة التأمين، مصدر سابق، ص 43-44.

 

[38] حسب المعلومات التي أوردها د. كاظم حبيب فإن عدد المواطنين اليهود بعد صدور قانون نزع الجنسية وفق الاحصاء السكاني لسنة 1957 كان 4906 نسمة، اما وفقا للإحصاء الرسمي (حينما صدرت الهوية الصفراء = عدم اسقاط الجنسية) فهو 2974 نسمة.  ويورد في الجدول رقم 3، التوزيع الجغرافي لتطور سكان العراق من اليهود بين 1920-1954.

 

راجع كاظم حبيب، كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق، (برلين وبغداد: 2019)، ص 34-35، ص 37، حسب النسخة الإلكترونية (110 صفحة) التي وزعها الراحل كاظم حبيب على من هم في قائمة بريده.

 

[39] لتعريف مختصر لأصول هذه العائلة راجع

د. سلمان درويش، “صفحات من تاريخ يهود بغداد.. أسر اقتصادية كبيرة،” عائلة الشيخ ساسون صالح (1750-1830) مقتبسة من كتابه كل شيء هادئ في العيادة، ملاحق جريدة المدى 27 آب 2017

https://www.almadasupplements.com/view.php?cat=18951

للتعرف على التفاصيل وتاريخ عائلة ساسون ودورها في التجارة العالمية (الهند، الصين، العراق، بريطانيا … ) راجع:

Joseph Sassoon, The Sassons: The Global Merchants, The Enterprise and Extravagance of the Sassoon Dynasty (London: Allen Lane, 2022)

 

[40] Joseph Sassoon، مصدر سابق، ص 57.

أشكر الصديق إيلي تمن على تعريفي بهذا الكتاب وإرسال صفحة 57 من الكتاب التي يرد فيها ذكر التأمين، قبل أن أقوم باقتناء نسخة منه.  يشير مؤلف الكتاب إلى أن عائلة ساسون كان لها مصلحة في شركة للتأمين على الحياة Oriental Life Assurance Company وعندما توفي أحد أبناء العائلة النشطين، سليمان بن ديفيد ساسون (1893)، أقيم له مجلس عزاء في بغداد حضره أعيان اليهود، ص 168.

 

جوزيف ساسون، مؤلف الكتاب، من سليل عائلة ساسون.

 

[41] For a critical assessment cf Pratinav Anil, “Plummeting Upstairs: On Joseph Sassoon’s ‘The Sassoons’, Los Angeles Review of Books

https://dev.lareviewofbooks.org/article/plummeting-upstairs-on-joseph-sassoons-the-sassoons/

 

[42] لعل أفضل ما كتب بهذا المجال هو ما جاء في “الفصل التمهيدي: تجربتي مع التأمين” في كتاب بهاء بهيج شكري، بحوث في التأمين (عمان: دار الثقافة، 2012)، ص 15-82، فهو يوثق تاريخ النشاط التأميني من خلال تجربته الشخصية منذ سنة 1956.  ومن فضائله أنه قام بالتعريف بعدد من الشخصيات التأمينية العراقية، وثبّت محطات مهمة في تطور قطاع التأمين.

 

[43] اعتماداً على المعلومات التي نقلها لي نجله أميل كوهين في مكالمة هاتفية (تشرين الثاني 2022).

 

[44] في خريف سنة 1971 أصدرت الحكومة العراقية جوازات سفر للمواطنين اليهود، إثر ضغوط فرنسية وغربية على سوء معاملة المواطنين اليهود، وقتها كان عدد اليهود في العراق يقرب من ثلاثة آلاف شخص.  وخلال مدة قصيرة غادر معظمهم العراق.  (قرأت هذا في مكان ما لكنني وقتها لم أدون المصدر).

 

[45] ترك العراق في أواسط أو أواخر ستينيات القرن العشرين ويقيم في دولة إسرائيل.

لتحمل الكتاب كملف بي دي اف انقر على الرابط التالي

Iraqi Jews and Insurance Book

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: