ملاحظات على السمة الريعية للمنظومة الاقتصادية/السياسية والاجتماعية في العراق
1928-2022
د. علي مرزا*
أولاً: مقدمــة:
سأعرض في هذه الورقة ملاحظات على السمة الريعية للنظام الاقتصادي/السياسي والاجتماعي في العراق خلال المائة سنة الأخير، أي منذ نشوء الدولة في سنة 1920، وسأغطي مختلف الفترات حتى سنة 2022، وهذه السنوات تتوفر عنها بيانات مناسبة. وفي هذا المجال سأتعرض للفترة 1920-1958 بشكل أكثر تفصيلاً، نسبياً، من باقي الفترات. ويعود ذلك إلى سببين. الأول هو الانطباع، السائد تقريباً، في أن السمة الريعية إنما بدأت في العراق بعد تغيير تموز 1958. ولكن سيتضح من العرض أنها، في الأقل، بدأت قبل ذلك بحوالي عقدين ونصف. والثاني يعود إلى أني تعرضت، صراحة أو ضمنـــاً، للسمـــة الريعيـــة للفتـــرات الأخـــرى، بأكثــــر تفصيل مما تعرضت لفترة 1920-1958، في Merza (2004) و كتابي مرزا (2018) وعدد من أوراقي المنشورة خلال الأربع سنوات الماضية، لا سيما تلك المنشورة في شبكة الاقتصاديين العراقيين. لذلك سيُلاحِظ بعض التكرار، الذي لا يمكن تجنبه، في هذه الورقة، عن هذه الفترات.
ولكن قبل ذلك سأعرض، في الفقرة التالية، وبتلخيص شديد، الخطوط العامة للتطورات المستقبلية المتوقعة لسوق النفط والطاقة العالمي، كخلفية للتبعات المتوقعة للعراق مستقبلاً.
ثانياً: التطورات المتوقعة لسوق النفط والطاقة العالمي
تَسارعَت الدعوة خلال العقدين الماضيين، إلى تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري في العالم، ومن ضمنه النفط والغاز الطبيعي، لا سيما من مناطق جيوسياسية مضطربة، كالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لمصلحة مناطق “آمنة” للنفط والغاز الطبيعي، من ناحية، وتطوير وتوسيع استخدام أنواع الوقود المتجدد للحفاظ على البيئة، من ناحية أخرى. وخلال العقد المنصرم حصل فعلاً أحلال ملموس لمصلحة الوقود المتجدد المُستخدم لتوليد الكهرباء واستعمال السيارات الكهربائية. ولقد زاد ذلك من توقعات سرعة الاحلال مستقبلاً، من قبل منظمة الطاقة الدولية، على سبيل المثال، بحيث تتوقع المنظمة وصول الطلب العالمي على النفط قمته demand peak خلال المتبقي من هذا العقد، ليبدأ بعده بالانخفاض. ويعود أهم سبب لذلك، بنظر المنظمة، إلى توقع تنامي استخدام السيارات الكهربائية التي سيحل “وقودها”، الموَلَّد من مصادر متجددة، محل الغازولين، لا سيما في الصين. أنظر منظورها Outlook الذي صدر حديثاً، IEA (2024)، والمناظير السابقة. في المقابل، تذهب منظمة الدول المصدرة للنفط، أوبك، إلى أن هنـاك مبالغـة في توقعـات سرعـة الاحـلال. أنظـر، على سبيل المثال، منظورها الصادر حديثاً، OPEC (2024). وفي كلا المنظورين، فأن هذه توقعات بقدر ما تعتمد على اسقاطات لتوجهات مُشاهَدة وموثقة ودراسات ومسوح رصينة، فهي أيضاً تعتمد على أجندات واهداف معروفة. فمنظمة وكالة الطاقة الدولية، منذ تكوينها في 1974، تستهدف، قدر الإمكان، تامين مصادر للطاقة بعيداً عن دول أوبك، أي تأمين امداداتها بأقل مخاطر جيوسياسية محتملة. ولقد امتزج ذلك منذ مؤتمر باريس، في 2015، حول البيئة، مع الدعوة “لإنقاذ” البيئة العالمية من ارتفاع في متوسط درجة الحرارة فيما لو استمر استهلاك الوقود الأحفوري مستقبلاً كما في السابق. هذا في الوقت الذي تستهدف منظمة أوبك إطالة أمد استخدام النفط والغاز الطبيعي في العالم. ومن نافلة القول، أن هذه الأهداف المتعارضة، في العديد من جوانبها، تُساهم في “توقعات” المناظير المستقبلية الصادرة من المنظمتين.
وبالرغم مما يقرب من حتمية التحول نحو الطاقات المتجددة، من وجهة نظري، ولكن التجربة بينت أن التحول له مصاعبه. حيث تَبَيَّن أن هناك مبالغة، وبالذات في الإعـــلام، في سهولتــــه، لا سيمـــا ما اتضح من عقبات توسيــع البنى الأساسيـــة للطاقـــة الكهربائيـــة ومشاكـــل الحصـــول على المعـــــادن (Copper, Lithium, Graphite, etc.) التي يتطلبها توسيع ونشر البنية الأساسية للوقود المتجدد، وخاصة تلك المستخدمة في تصنيع البطاريات، وعدم تطور طاقة خزن البطاريات كما كان متوقعاً، الخ. لذلك، بالرغم من اختلافهما، تتفق المنظمتان في مناظيرها على أن النفط والغاز الطبيعي سيستمران بأهميتهما في الاستهلاك العالمي للطاقة في الأمد المنظور. كما أن منظمة أوبك تعتقد أن استهلاكهما قد يستمر، بما يقارب حصتهما الحالية في الاستهلاك العالمي للطاقة، حتى سنة 2050.
ولكن بالرغم من ذلك فإن الاحلال آت مهما تأخر. وهنا يواجه العراق مشكلة أستطيع أن أبالغ وأقول إنها وجودية في ظل شبه غيابٍ للخطط والسياسات والتوجهات والدوافع التنموية وضعف التوجهات لملافاة التبعات الخطيرة للاستمرار بالمسار الحالي، الذي يعتمد على الريع النفطي والذي ستتناقص قيمته، في الأمدين المتوسط والبعيد.
لمواصلة القراءة يرجى تحميل ملف ب د ف سهل القراءة والطباعة على الرابط التالي:
(*) باحث وكاتب اقتصادي.
حقوق النشر محفوظة لشبكة الاقتصاديين العراقيين. يسمح بإعادة النشر بشرط الإشارة إلى المصدر.
تشرين الأول/أكتوبر 2024.
Merza-Rentier_Iraq-&–Prospect-of-Fossil-Fuel
الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية