المكتبة الاقتصادية

عرض كتاب: إعادة النظر بكتاب رأس المال لماركس

Download PDF  Book review – Michael Heinrich-The Three Volumes of Marx’s Capital-final formating
كاتب العرض: بيترينو دي ليو – (**) ترجمة: مصباح كمال
لقد خضعت المجلدات الثلاثة من رأس المال لكارل ماركس للتحليل والمناقشة من قبل الماركسيين منذ نشرها قبل أكثر من 150 عاماً. لذلك قد يبدو أن تفسيراً جديداً لهذا العمل سيكون مستحيلاً. ولكن الكاتب الماركسي الألماني مايكل هاينريش قد حقق ذلك تماماً في كتابه مقدمة للمجلدات الثلاثة لرأس المال لكارل ماركس.
بدأ هاينريش عمله في الكتابة عن نظريات ماركس في عام 1991 بأطروحة للدكتوراه بعنوان “علوم القيمة.” (تم تحديثها وستنشر ضمن سلسلة كتب المادية التاريخية). وفي عام 2004، نشر الطبعة الألمانية للمقدمة. وتم تحديث الكتاب عدة مرات منذ عام 2012 وأصبح أول كتاب من مؤلفات هاينريش يترجم إلى اللغة الإنكليزية.
يقوم هاينريش بإعادة تعيين موقع العديد من الحجج الرئيسية في المجلدات الثلاثة من رأس المال، بما في ذلك نظرية القيمة، ونظرية النقود، ونظرية مَيْل معدل الربح نحو الانخفاض، وحجج ماركس حول الطابع الصنمي [الفيتيشي commodity fetishism] للسلع. وتنبع تقييماته من ما يعتبره سوء فهم [سوء ترجمة] لبعض حجج ماركس، ويستشهد بالنص الألماني الأصلي. وهو يقوم أيضاً بدراسة ملاحظات ماركس وكتابات ماركس الأقل شأناً لبناء أطروحته.
يهاجم هاينريش مفهوم الأرثودوكسية الماركسية—ما يسميه “ماركسية النظرة العالمية“worldview Marxism” “—التي تفسر تحليل ماركس للرأسمالية بأنها متجذرة في نظرية عامة لأساليب إنتاج مختلفة. هذا التفسير لكتاب رأس المال يفضي إلى قراءة الفصول الأولى باعتبارها وصفاً للإنتاج السلعي البسيط كمرحلة لرأس المال اليي سبقت الرأسمالية الأكثر تقدماً. ويقول هاينريش إنه لا يوجد محتوى تاريخي لهذا التحليل—وأن حجج ماركس حول الإنتاج السلعي البسيط هي مجرد محاولة لرسم صورة مثالية ومجردة لنسخة مبسطة للرأسمالية من أجل تحليل أكثر وضوحاً لدينامياتها. ويقول إن هذا التجريد ينتظم معظم المجلدات الثلاثة، باستثناء مقاطع فقط من المجلد الثالث حيث يصف الرأسمالية كما هي عليها في الواقع.
جوهر حجة هاينريش هو إعادة صياغة نظرية ماركس في القيمة. وعلى وجه التحديد، يرفض هاينريش فكرة أنه باستخدام العمل المجرد abstract labor فإن ماركس كان يقدم حجة فسيولوجية عن حجم العمل والقيمة اللذين يشكلان جزءً لا يتجزأ من السلع. بدلاً من ذلك، يجادل بأن القيمة هي علاقة اجتماعية. وهو يعترف بأن ماركس يستخدم في الواقع كلا المصطلحين [حجم العمل والقيمة] في كتاب رأس المال وفي كتاباته الأخرى، ولكن قراءة النص بشكل أعمق تكشف عن تفسير مختلف، وهو أن حجة ماركس في نهاية المطاف هي أن قيمة السلع تتكون من “بلورات crystals من هذه المادة الاجتماعية، وهو الشائع في جميعها [في السلع].”
ويقول هاينريش إن القيمة هي في النهاية انعكاس للعلاقة الاجتماعية التي لا تظهر بشكل كامل حتى تتم عملية التداول process of circulation. فنظرية ماركس في القيمة ليست مجرد نظرية متجذرة في الإنتاج ولكن نظرية شاملة للإنتاج والتوزيع معاً في عملية موحدة (ولهذا، كما يقول هاينريش، يتعين قراءة جميع المجلدات الثلاثة من رأس المال لفهم النظرية، وليس فقط المجلد الأول). إن التجريد abstraction لتحديد قيمة السلعة لا يتحقق إلا عندما تدخل السلعة في عملية التبادل. وان قيمة السلعة يمكن أن تتحقق فقط عند وضعها مقابل غيرها من السلع. هذا [التحليل] ليس مناسباً، وخاصة إذا كان فهم المرء يضع تخليق القيمة في الإنتاج value creation in production ويرى تحقيق القيمة في السوق value in the market وأن هذه العمليات مفصولة في الزمان والمكان.
في نهاية المطاف يجادل هاينريش أن نظرية ماركس في القيمة هي في الواقع نظرية نقدية للقيمة، ويجد جذورها في تفسيرات ماركس نفسه للنقود. والأكثر إثارة للفضول، أن هاينريش اعتماداً على هذا التفسير يتخلص من ما كان تاريخياً واحدة من أكبر الجدالات المحيطة بكتاب رأس المال—وهي “مشكلة التحويل” “transformation problem” حيث يصبح من الصعب تحويل القيم إلى أسعار. وتعليل هاينريش هو أن القيمة والسعر هما في الواقع مستويين اثنين مختلفين ومتزامنين من التجريد. وهكذا لا يلزم “تحول” أحدهما إلى الآخر.
يرفض هاينريش أيضاً فكرة ماركس حول “قانون مَيْل معدل الربح نحو الانخفاض.” باستخدامه لمعادلات ماركس، يوضح هاينريش أن التراجع في كتلة فائض القيمة يمكن أن يؤدي إما إلى زيادة في معدل الأرباح أو انخفاضاً، ويتوقف هذا على ما يحدث مع إجمالي رأس المال. وفي نهاية المطاف، يمكن أن يتناقص معدل الربح، لكن هاينريش يجادل بالقول انه لا يوجد أي دليل على وجود اتجاه على المدى الطويل. بدلا من ذلك، يقول إن الأزمة في الرأسمالية تكمن في مستوى آخر—الاستثمار في القدرات الإنتاجية لرأس المال مراراً وتكراراً بما يفوق القدرات الاستهلاكية، مما يؤدي إلى الإفراط في الإنتاج overproduction والإفراط في التراكم. ومن ثم فإن الأزمات تمحو هذه القدرات الزائدة وتمهد الطريق لفترات جديدة من النمو. إلا أن هاينريش لا يعالج كتابات الاقتصاديين الماركسيين الآخرين من الذين قاموا باحتساب معدلات الربح في الاقتصاد الذي يسلط الضوء على الكيفية التي يعمل بها هذا المَيْل.
إن إعادة الصياغة هذه لا تغير الأجزاء الأساسية الأخرى في تحليل ماركس—مثل الطابع الفريد للعمل في إنتاج القيمة الجديدة (بدلا من تمرير قيمته كمكائن وآلات). كما أن إعادة الصياغة تتوافق مع تعليل أصل فائض القيمة وأهمية فائض القيمة والأرباح بوصفهما قوى دافعة وراء الإنتاج الرأسمالي.
الأجزاء الأخرى الواضحة في الكتاب تشمل وصفاً لنظرية ماركس للنقود، والتي يقول هاينريش بأنها موضوع تمَّ تجاهله تاريخياً. كما أن تفسيره لصنمية [السلعة] fetishism ممتع ويتميز بالوضوح. وفي الواقع فإن هاينريش يوسع النظرية ويجادل بأن ماركس لم يكن يتحدث عن مجرد الصنمية في السلع—أي بمعنى إسباغ [الصفة] الإنسانية والمعنى على الأشياء التي يخلقها العمال. ويقول هاينريش إن الصنمية تنطبق أيضاً على النقود ورأس المال.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الفصل القصير عن الدولة فصلٌ ممتاز. ويقول إن ماركس لم يكن قادراً على التعامل بشكل مناسب مع دور الدولة في رأس المال نفسه، ويرفض الحجة الكلاسيكية التي تقول إن الدولة هي امتداد للطبقة الحاكمة. ويقول هاينريش إن الدول لديها مصلحة في الحفاظ على الرأسمالية، ولكن بسبب الطبيعة المتشتتة للطبقة الحاكمة نفسها، لا يمكن تبسيط العلاقة إلى فكرة أن الدولة هي مجرد أداة للسيطرة الطبقية. في بعض الأحيان، تلعب الدولة دوراً لما هو أفضل لرأس المال ككل حتى لو أن قطاعات من الطبقة الحاكمة تعارض ذلك. وهو يشير إلى التأمين ضد العجز، وإعانات البطالة، والرعاية الاجتماعية التي يمكن أن تساعد على ضمان إعادة إنتاج الطبقة العاملة، وهو أمر ضروري للرأسمالية. لكن تكلفة هذا الدور تكمن في تخصيص حصة من فائض القيمة الذي قد يعترض عليه الرأسماليين الأفراد.
يحاول هاينريش حقاً لربط النظريات بتاريخ الرأسمالية والتجربة الفعلية المعاشة منذ كتابة رأس المال، لكن بعض تفسيراته تثير التساؤلات. على سبيل المثل، فإن هاينريش يعزو سمات سنوات الطفرة الطويلة بعد الحرب العالمية الثانية إلى “الفوردية” “Fordism”، أي استراتيجية الرأسماليين لرفع الإنتاج ومستويات معيشة العمال في وقت واحد. ولكن تفسيره لماذا حدث هذا التحول ولماذا انتهت هذه المرحلة ليس مقنعاً، كما أن هناك غياب ملحوظ لأي اعتبار لكيفية تأثير نضالات العمال على هذه العمليات.
في نهاية المطاف، هناك الكثير الذي يستحق تفكيراً مليّاً في قراءة هاينريش على الرغم من الطول القصير نسبياً للكتاب. وهذا صحيح خصوصاً بالنسبة لأولئك الغارقين في التفسيرات الأرثودوكسية [المتشددة] لكتاب رأس المال. ان كتاب هاينريش جدير بالقراءة والمناقشة.
على الرغم من عنوانه، فإن الكتاب ليس مقدمة لكتاب رأس المال يستهدف فقط القراء الجدد. ولأنه يغور عميقاً في المناقشات التاريخية عن المعاني في رأس المال، فإن أجزاءً من الكتاب ستكون في متناول القراء الذين لديهم بالفعل الألفة مع رأس المال. أما اولئك القراء الذين لم يقرأوا رأس المال فإنهم سيجهدون مع هذه الأقسام، وخاصة الفصل الثالث، حيث يتعمق هاينريش في نظرية العمل للقيمة ويحدد بديله لها.
مايكل هاينريش: مقدمة للمجلدات الثلاثة لرأس المال لكارل ماركس (*)
An Introduction to the Three Volumes of Karl Marx’s Capital
By Michael Heinrich, Translated by Alexander Locascio
Monthly Review Press, 2012, 240 pages, $15.95
(**) Review by Petrino DiLeo
International Socialist Review, Issue #89: Reviews
http://isreview.org/issue/89/reexamining-marxs-capital
حقوق النشر محفوظة لشبكة الاقتصاديين العراقيين. يسمح بالاقتباس واعادة النشر بشرط الاشارة الى المصدر. شبكة الاقتصاديين العراقيين 16 تشرين ثاني 2015

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

تعليقات (4)

  1. مصباح كمال
    مصباح كمال:

    عزيزي الأستاذ فاروق
    لا أشك بصحة الشروح الموثقة التي قدمتها لمعنى كلمة “خلق” وهي الأصح في ترجمة value creation، وقد استعملها د. فالح عبد الجبار في ترجمته للأجزاء الثلاثة من كتاب رأس المال.
    أشكرك على متابعتك وإفادتي لاستعمال ما هو المناسب والصحيح.
    مع خالص التقدير.

  2. farouk younis
    farouk younis:

    عزيزى استاذ مصباح كمال
    ما ذهبتم اليه حول كلمة تخليق بمعنى تفاعل كيميائى بين عنصرين لا يوْدى المعنى المطلوب لخلق القيمة حسب كارل ماركس
    اليك بعض استعمالات كلمة ( تخليق )
    تخلبق منهج
    التخليق فى علم المنهج هو مسيرة العقل الذى ينطلق من المفاهيم او القضايا الابسط الى الاعقد
    تخليق حيوى – Biosynthesis
    التخليق الكيميائى Chemical synthesis
    التخليق الضوئى Photosynthesis
    تخليق سياسة : التخليق فى السياسة هو تطبيع الاخلاق فى مجال من المجالات السياسية او الاقتصادية او الاجتماعية
    تخليق لا تماثلى تخليق يوْدى الى تكوين مركبات غير متماثلة -Asymmetric synthesis
    انظر – ويكيبديا – وانظر الصحاح فى اللغة والعلوم اعداد وتصنيف نديم مرغشلى و اسامة مرغشلى – دار الحضارة العربية – بيروت وكذلك انظر Oxford English Dictionary
    لاحظ استعمال creation ,وليس Synthesis من قبل ماركس
    مع التقدير

  3. مصباح كمال
    مصباح كمال:

    عزيزي الأستاذ فاروق
    أشكرك على اهتمامك الدقيق بترجمة هذا العرض، واتفق مع رأيك في ترجمة المصطلحات لتكون:
    Value creation – خلق القيمة بدلاً من تخليق القيمة
    Value in the market – تتحقق في السوق
    Transformation problem – مشكلة التحول بدلاً من مشكلة التحويل (خطأ طباعي من جانبي)
    بودي أن أضيف بأن استخدام كلمة “تخليق” ربما تبدو غريبة لكن إرجاعها إلى مصدرها “خلقَّ”، وهي، كما تخبرنا بها معاجم اللغة العربية، تعني التفاعل الكيمائي، مثلاً، بين عنصرين أو أكثر يؤدي إلى تكوين مركب جديد، ربما ينقل المعنى المطلوب لخلق القيمة.
    أود أيضاً أن أقول بأن المصطلحات في اللغة العربية غير مستقرة، وهناك كثير من الاجتهاد، بعضها مفيد وبعضها الآخر غريب على الأذن العربية. أتمنى على شبكة الاقتصاديين العراقيين التفكير بتوفير مسرد للمصطلحات الاقتصادية في موقعها ففيه فائدة عظيمة لنا جميعاً.
    مع خالص التقدير.

  4. farouk younis
    farouk younis:

    استميح الاستاذ مصباح كمال عذرا لابداء راى حول ترجمة بعض المصطلحات
    1- بدلا من تخليق القيمة – تصبح الترجمة خلق القيمة
    2- بدلا من تحقيق القيمة فى السوق تصبح القيمة تتحقق فى السوق
    3- -بدلا من مشكلة التحويل تصبح الترجمة مشكلة التحول
    مع التقدير

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: