أبحاث نظرية في الفكر والتاريخ الإقتصاديالمكتبة الاقتصادية

عرض كتاب: تيمور كوران، التباين المديد: كيف أعاقت الشريعة الإسلامية الشرق الأوسط.

كاتب العرض وصاحب حقوق النشر : مراد چازاكچه، المركز الدولي لتعليم التمويل الإسلامي (**)
INCEIF (International Centre for Education in Islamic Finance)
Published by EH.NET (June 2011), Copyright (c) 2011 by EH.Net
ترجمة: مصباح كمال (***)
تيمور كوران قارئ نهم للتاريخ الاقتصادي والقانوني الإسلامي، وباحث يتميز باطلاع واسع. في مؤلفه الأخير يجمع ليس فقط حججه السابقة ولكنه يقدم أيضاً بعض وجهات النظر الجديدة.
إن جوهر حجج كوران هو الآتي (ص 281).
1. طوّر الإسلام في القرون الأولى قانوناً للعقود يعتبر متطوراً في زمنه.
2. سمح هذا القانون للمستثمرين غير النشطين passive investors بحماية أصولهم الشخصية في حين أن الشركاء النشطين active partners كانوا مع ذلك يتحملون المسؤولية الكاملة.
3. وفاة الشريك ينهي الشراكة تلقائياً.
4. بفضل قانون الميراث الإسلامي وتعدد الزوجات فإن أعداد الورثة يمكن أن يكون كبيراً.
5. إن قاعدة إنهاء الشراكة، ومثلها عدم وجود ما يحمي الكيان [كيان الشراكة]، ثبَّطت تكوين شراكات كبيرة ممتدة لآجال وطويلة. فالأعمال الناجحة كانت تختفي بسرعة ونادراً ما كانت تستمر بعد وفاة مؤسسيها.
6. إن التطور من الشراكات البسيطة نحو تأسيس الشركات لم يتحقق.
7. وهكذا فإن عدة عناصر من الشريعة الإسلامية ذاتية التنفيذ self-enforcing – كالعقود، ونظام المواريث والقواعد المُنظمة للزواج – ساهمت مع بعضها في ركود الشرق الأوسط.
إن هذه الحجج المقنعة (البنود 2-6) تنطوي من ناحية أخرى على العديد من نقاط الضعف: أولا، لأنها ذات طابع نظري وبعضها غير صحيح.
خذ البند 2: الشركاء النشيطين في شراكة المضاربة لا يتحملون أية مسؤولية مالية ما لم يثبت أنهم كانوا مهملين. أو خذ البند 3: في شراكة العنان المكونة من ثلاثة أو أكثر من الشركاء، فإن وفاة واحدٍ منهم لن يؤدي إلى إنهاء تلقائي للشراكة. لذلك، إذا رغب الشركاء في أن تكون شركاتهم مُعمرة، فإن كل ما هو مطلوب منهم هو تأسيس شراكة عنان من ثلاثة أشخاص.
أو خذ البندين 4-5: من المؤكد أن تعدد الزوجات وأحكام الميراث في الشريعة الإسلامية نتج عنهما عدداً كبيراً من الورثة. ولكن البكورة primogeniture [وراثة الأبن الأكبر]، الذي يحظى بإعجاب كوران كثيراً، أو الحلول التي تشابه نظام البكورة، يمكن أن تتحقق من خلال الهبة (الهبات الممنوحة واصاحبها أحياء inter vivos gifts) أو إنشاء أوقاف الأسرة. إن كوران يدرك هذا الأخير ولكنه يرفض الأوقاف لكونها جامدة جداً. إنه في موقفه هذا يتجاهل “الشروط العشرة” للفقه الحنفي، التي وفَّرت قدراً كبيراً من المرونة لمديري الأوقاف، فضلاً عن أنه باستطاعة مؤسس الوقف دائماً تحرير صك deed مرن ابتداءً، إذا رغب في ذلك. إن حقيقة استمرار العديد من الأوقاف لعدة قرون ربما تدل، في الواقع، على أنها كانت هياكل مرنة. وبدون تحليل شامل ومقارن لصكوك تأسيس الأوقاف، لا ينبغي رفض هذه المؤسسات بشكل عابر.
البند 6 يقودني إلى نقطة الضعف الثانية: على الرغم من أنها صحيحة بشكل أساسي – إذ أن تطور الشراكات البسيطة إلى شركات تجارية، في الواقع، لم يتحقق حتى أواخر القرن التاسع عشر، إلا أن هذا الفشل ربما لم يكن بسبب أي فشل أو جمود في الشريعة الإسلامية ولكن بسبب عوامل أخرى أكثر أهمية بكثير من تلك التي ذكرها كوران. باختصار، كانت هذه العوامل ما يلي:
الجغرافيا والضوابط على الأسعار والأرباح، ومعدلات الفائدة العالية (معادلة لضعفي المعدلات المسموح بها في الأرباح)، والقيود المفروضة على حقوق الملكية، والمصادرة الواسعة النطاق [للممتلكات] والتأثيرات المستمرة للمزاحمة crowding-out، وباختصار، وفي المقام الأول [ما يمكن وصفه بالـ] “النظام شبه الاشتراكي العثماني” the Ottoman’s proto-quasi socialism. لقد كانت القوة النسبية للدولة، منذ العصور الرومانية، ذات أهمية خاصة. ويعترف كوران بأن الشركات الأوروبية ازدهرت عندما ضعفت السلطة المركزية بعد زوال الإمبراطورية الرومانية (ص. 103)، ولكنه فشل في مقارنة هذا الوضع مع ما يقابله في الشرق الأوسط، حيث كان يجري العكس، وكانت المنطقة متجهة نحو العسكرة استجابة للحروب الصليبية. هذا الفشل لافتٌ للنظر جداً لأنه، واستناداً إلى شاتزميللر Shatzmiller، فإن كوران لا يوفر للقراء بيانات ممتازة على هذه الظاهرة (ص. 69).
لقد بيّنتُ، حتى الآن، أن الشريعة الإسلامية لم توفر المرونة الكافية للتغلب على الصعوبات التي ذكرها كوران. ومن المثير للاهتمام، ان كوران على علم ببعض هذه المرونة [في الشريعة] (ص 80) ولكنه يرفضها. ولكن السؤال يظل قائماً فيما إذا كان المسلمون قد استخدموا فعلاً ما توفره هذه المرونة. فهل قاموا، على سبيل المثل، باستخدام شراكة العنان من ثلاثة شركاء من أجل ضمان بقاء شراكتهم لفترة طولية؟ أو، هل مارسوا ترتيب الهبات حال الحياة inter vivos gifts من أجل حماية ملكية الأسرة/الشركة من التشرذم؟
لا يمكن الرد على هذه الأسئلة إلا من خلال بحثٍ واسع النطاق في المحفوظات الباقية في سجلات المحاكم الإسلامية. وقد حشّد كوران مجموعة من المؤرخين المحترفين لنسخ الآلاف من مثل هذه الحالات. ونشرت النتائج في عشرة مجلدات.
على الرغم من ان كوران يستحق الثناء لهذا الجهد، فمن الغريب أنه قدم القليل من الأدلة لدعم حججه. ليس هناك شك في أن المؤرخين سيستخدمون في المستقبل بياناته والعديد من البيانات الأخرى الموزعة بين أكثر من 10,000 من سجلات محكمة اسطنبول لمواصلة اختبار [اطروحته].
هذا يقودني إلى نقطة الضعف الأهم في هذا الكتاب. لقد توصّل كوران إلى استنتاج مثير بحجج نظرية تدعمها أدلة ضئيلة. ولم يتردد في الإعلان عن استنتاجه حتى في عنوان الكتاب ذاته. وهو مقتنع جداً بهذا الاستنتاج على الرغم من أن قراءاته في ثنايا الكتاب تشير بوضوح إلى أسباب أخرى محتملة [لركود الشرق الأوسط]، إلا أنه يرفضها. لو انه قدم هذه الاستدلالات المنطقية [أخذاً بالأسباب الأخرى] فإن عنوان الكتاب ربما كان سيكون مختلفاً جداً.
إن هذا الكتاب، بشكل عام، هو كتاب يضم أكبر قدر من المعلومات، لكنه ينبغي أن يقرأ بحذر كبير نظراً لالتزام كاتبه بتشويه الشريعة الإسلامية.
(*) برينستون، نيو جيرسي: مطبعة جامعة برينستون، 2011. عدد الصفحات 16 + 405، السعر 30 $ (تغليف فني)، ردمك: 978-0-691-14756-7
Timur Kuran, The Long Divergence: How Islamic Law Held Back the Middle East. Princeton, NJ: Princeton University Press, 2011. xvi + 405 pp. $30 (hardcover), ISBN: 978-0-691-14756-7
(**) مراد چازاكچه هو مؤلف:
Islamic Capitalism and Finance: Origins, Evolution and the Future (Cheltenham, UK: Elgar, 2011). mcizakca@gmail.com
(***) مصباح كمال باحث وكاتب عراقي

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

تعليقات (1)

  1. farouk younis
    farouk younis:

    بغية تسليط الضوء حول بعض الامور المهمة التى وردت فى هذه الترجمة ابين ما يلى:
    اولا – عرفت الشركة منذ العهد البابلى وحظيت فى الفقه الاسلامى بالاهتمام والتنظيم منذ القرن الهجرى الاول ( القرن السابع الميلادى ) حيث خصص الفقهاء فى موْلفاتهم ابوابا بينوا فيها انواع الشركات وشروط صحتها واسباب بطلانها
    ثانيا – ورد ذكر شركة المضاربة و شركة العنان وكان على المترجم ان يقدم للقارىء تعريفا لهذه الشركات وسوف اشير اليهما فيما بعد
    ثالثا- الترجمة لم تشر بوضوح الى طبيعة وانواع الشركات فى الفقه الاسلامى لذلك اقول باختصار لم تعرف الشريعة الاسلامية ولا الفقهاء المسلمين مبداْ استقلال الشركات عن الشركاء انما تتداخل اموال الشركة مع اموال الشركاء وهى بذلك شركات اشخاص حسب التقسيم المعروف حاليا للشركات
    رابعا- برزت الشركات فى القرون الوسطى والقرن الثانى عشر على وجه التحديد وما يليه كوسيلة للالتفاف على تحريم الربا الذى فرضته الكنيسة على القروض فلجاْ المقرضون الى المشاركة عن طريق التوصية البسيطة فى التجارة البحرية المحفوفة بالمخاطر لكن الطفرة الكبرى فى عالم الشركات ظهرت مع الثورة الصناعية فى القرن الثامن عشر
    خامسا – انواع الشركات
    شركة الملك ( املاك ) وهى تملك اكثر من شخص عينا من غير عقد
    شركة اختار – وهى التى تنشاْ بفعل الشركاء كاشتراك اثنين او اكثر فى شراء شيىْ معين او قبول اثنين فاكثر هبة او وصية فيكون الموهوب والموصى به ملكا لهم على سبيل المشاركة
    شركة جبر – وهى التى تنشاْ من غير فعل الشركاء كالشراكة بين الورثة فى الارث
    شركة العنان – عقد يتم بين اثنين او اكثر يدفع بموجبه كل منهم قدرا من المال ليتجيروا به ويكون لهم الربح وعليهم الخسارة والعنان فى اللغة العربية عنان الفرس لان كل شريك اخذ بناصية صاحبه الا يفعل فعلا الا باذنه
    شركة المضاربة – وتسمى ايضا بالقراض وهى عقد على الاشتراك فى الربح والناتج يكون المال من طرف والعمل من طرف اخر ( المضارب ) كما تعرف – عفد يتضمن دفع مال لاخر ليعمل فيه بجزء مشاع معلوم من الربح
    شركة الوجوه ( او شركة المفاليس ) وهى فى اللغة من الوجاهة والجاه عند الناس توجب الثقة على ان يشتريا سلعا بثمن موجل ويكون الربح بينهما وراس مال هذه الشركة وجاهة الشركاء التى تتعلق بها الديون فهى قائمة على الاعتبار الشخصى
    اشرت سابقا الى ان الشركات التى كانت معروفة سابقا هى شركات اشخاص
    السوْال هل يجوز تاسيس شركات اموال او شركات مساهمة حسب الفقه الاسلامى ؟
    الجواب : الشركات المساهمة حديثة التكوين نسبيا انتقلت من مدينة البندقية – ايطاليا الى المجتمعات الاسلامية ويرى البعض ان الشركات المساهمة يمكن ان تكون شركات مضاربة او شركات عنان على ان تعمل على وفق مبادىْ الشريعة الاسلامية ولا تتعامل بالربا
    جاء فى المقال ان الشركات الاوربية ازدهرت عندما ضعفت السلطة المركزية غير ان حركة الاستعمار واتساع التجارة تطلبت جمع اموال طائلة عن طريق تاسيس الشركات المساهمة
    شكرا للاخ مصباح كمال على جهوده المشهودة فى البحث والترجمة
    مع التقدير
    المصادر
    1- مركز الاقتصاد الاسلامى – صيغ الاستثمار وتشغيل الموال فى الفكر الاسلامى
    2-الدكتور لطيف جبر كومانى – الشركات التجارية دراسة قانونية مقارنة
    3- سعد بن تركى الختلان – فقه المعاملات المالية المعاصرة – الشركات المساهمة

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: