قطاع التأمين الوطني والاجنبي

منعم الخفاجي: تعريفة التأمين: مقاربة أولية

كتب لي الزميل والصديق مصباح كمال بتاريخ 5 أيار 2018 الرسالة التالية:

هل بإمكانك أن تؤكد لي بأن سوق التأمين العراقي، قبل وبعد التأميم، كان يستخدم تعريفة لتأمين الحريق، مستمدة من تعريفة لجنة مكاتب الحريق في لندن Fire Offices Committee (FOC)؟  تعرف بأن لجنة مكاتب الحريق كانت تضم عدداً من شركات التأمين البريطانية، وكانت هذه الشركات تلتزم بالتعريفة الصادرة من المكتب للاكتتاب بخطر الحريق.  استمر العمل بالتعريفة لغاية 1985 رغم أن المكتب تخلى طوعياً عن التعرفة سنة 1971 واقتصر دوره على تصنيف الأخطار ومنع الخسارة.

سأكون شاكراً لو تقدمت بأية معلومات أخرى عن موضوع التعريفات في سوق التأمين العراقي.

لم اطلع سابقاً على مقالات منشورة عن التعريفات[1] في العراق، والمعلومات التالية هي من بين ما تبقى من ذاكرتي عنها.  وقد اتفقنا، مصباح وأنا، على إعداد جوابي له كتعليق قصير من باب تعميم الفائدة.  أنتهز هذه الفرصة لأشكره على مساعدته.  آمل أن يجد المهتم بتاريخ التأمين في العراق بعض الفائدة من المعلومات أدناه.  وبالتأكيد فإن الموضوع لا يقتصر على الجانب التاريخي بل يمتد إلى تأثير التعريفات على بنية سوق التأمين، وهو ما آمل أن يقوم به زملاؤنا من الاقتصاديين والمهتمين بالعمل التأميني.

قبل تأميم الشركات سنة 1964

منذ خمسينيات القرن الماضي كانت التعريفات التالية تطبق من قبل شركات التأمين العراقية ووكالات التأمين العربية والأجنبية التي كانت تزاول العمل التأميني آنذاك في العراق:

1- تعريفة التأمين من الحريق
2- تعريفة التأمين البحري/بضائع
3- تعريفة التأمين على السيارات
4- تعريفة التأمين على الحياة
5- تعريفة التأمين الهندسي

التعريفات الثلاث الأولى نظمت من قبل هيئات التأمين البريطانية تحت مسمى “جمعية التأمين العراقية”، وهي من حيث الشكل متطابقة مع تلك التعريفات المطبقة في بريطانيا وويلز، حيث تضمنت تعليمات عامة وشروط ونصوص لوثائق التأمين وملاحق مختلفة وانواع التغطيات المتوفرة.  ولكنها تختلف من حيث المضمون بحيث تتطابق مع الأوضاع وأنواع الأخطار والمهن التي تزاول في العراق.  وتختلف نصوص الوثائق التي نصت عليها عن تلك المطبقة في بريطانيا.  على سبيل المثال، وثيقة التامين من الحريق المطبقة في الدول العربية ومنها العراق، وكذلك الاسعار والشروط الخاصة أيضاً تختلف عن ما هو مطبق في بريطانيا.[2]  وكان الإشراف على تطبيق هذه التعليمات من قبل جمعية التأمين العراقية، وكانت التعديلات التي تطرأ على هذه التعريفات تنظم وتطبع في بريطانيا وتوزع على الشركات والوكالات العاملة في العراق من قبل هذه الجمعية وتصبح جزءاً من هذه التعريفات وتعّلم بـ Revised sheet reissued 7\8\1962 للدلالة على إعادة الإصدار والتعديل , وأسعار التأمين والشروط الخاصة بكل خطر فهي أيضاً تختلف عن ما هو مطبق في بريطانيا ودول اخرى.

اما تعرفة التأمين الهندسي فمعروف انها كانت قد نُظمت من قبل شركة ميونخ لإعادة التأمين Munich Re

بعد التأميم سنة 1964

بعد تأميم شركات التأمين وما تبعه من عمليات دمج شركات التأمين واحتكار العمل التأميني الذي اقتصرت مزاولته من قبل ثلاث شركات حكومية هي:

– شركة التأمين الوطنية متخصصة بالتأمينات العامة.
– الشركة العراقية للتأمين على الحياة متخصصة بتأمينات الحياة.
– شركة إعادة التأمين العراقية متخصصة بأعمال إعادة التأمين.

استمر تطبيق نفس هذه التعريفات بشكل دقيق وبإشراف المؤسسة العامة للتأمين عن طريق لجان فنية متخصصة لكل نوع من انواع التأمين، فعلى سبيل المثال لجنة التأمين من الحريق كنت رئيسها، لجنة التأمين البحري، لجنة التأمين على الحوادث برئاسة المرحوم يوسف باريتو ولجنة تأمين السيارات.

كانت مهمة هذه اللجان تحديد اسعار خاصة للأخطار الكبيرة وتلك التي لم تُسعر بموجب التعريفات.

ومن الجدير بالذكر في نهاية الستينيات من القرن الماضي دأبت شركة التأمين الوطنية على استقدام خبراء اوربيين بمختلف انواع التأمين ومن ضمنهم خبير من الشركة السويسرية لإعادة التأمين(Swiss Re) .  وقد وضع هذا الخبير تعريفة لتأمين الحوادث الشخصية وتعريفة لتأمين النقد اثناء النقل.

استمرت هذه الوضعية، اي الالتزام بتطبيق التعريفات بشكل دقيق لغاية 2003.  وبعد سقوط النظام استمر تطبيق هذه التعريفات ولكن دون رقابة فتحولت هذه التعريفات تدريجياً الى مراجع وارشادات يستعين بها من قبل بعض المكتتبين في شركات التأمين.

وفي السنوات القليلة الماضية وضعت بعض التعريفات المقتضبة البائسة ضمن شروط تأمين المجمعات التأمينية المختلفة التي اثبتت فشلها عمليا بسبب قلة الخبرة ودخول قيادات بائسة عن طريق المحاصصة اللعينة لا علاقة لها بالعمل التأميني المتخصص مما ادى إلى تدهور العمل التأميني في العراق.[3]

وظائف التعريفات

لا شك ان لتطبيق التعريفات فوائد مهمة ودور ايجابي على تنفيذ آلية التأمين ومنها:

  • الحد من المنافسة السلبية التي تعتمد الأسعار لإن تحديد أسعار الحد الأدنى لأخطار التأمين لن تكون دقيقة، وبالأخص في أسواق التأمين الناشئة وشركات التأمين المؤسسة حديثاً، كما هو الحال في أسعار تامين السلع المادية. لأن الأولى، كما هو معروف، تعتمد الاحصائيات والخبرة السابقة ولا تخلو من اجتهاد لواقع المستقبل، بينما الأخيرة تكون مكونات احتساب كلفتها معروفة وأكثر وضوحاً من مكونات احتساب أسعار التأمين.

 

  • توحيد نصوص وثائق التأمين وتوحيد التغطيات والملاحق والتظهيرات بحيث تكون متطابقة مع متطلبات العمل التأميني ونظرياته.

3- كمرجع موثوق لمعرفة الشروط الضرورية وكيفية تطبيقها وكدليل للأسعار يستعان به حتى من قبل الشركات غير الملتزمة بالتعريفة.

بناءاً على ما تقدم فإني أوصي بضرورة تطبيق التعريفات في أسواق التأمين الحديثة، ومنها العراق، على أن تكون تعريفات متكاملة تلبي حاجات السوق وتكون شبيهة من حيث المضمون لتلك التي كانت منظمة من قبل هيئات التأمين البريطانية والتي طبقت في سوق التأمين العراقية، ولا زالت نصوصها متوفرة يمكن الاستعانة بها كدليل ومرجع.

إن الأسواق المتطورة لا تعتمد على التعريفات كأسلوب عمل لأن الشركات في هذه الأسواق تمتلك من الخبرة والمعرفة ما يكفي لإدارة أعمالها بشكل احترافي سليم.

(*) منعم الخفاجي مستشار في قضايا التأمين
مسقط – 27 حزيران/يونيو 2018
[1] التعريفات جمع، مفردها تعريفة وقد عرّفها الأستاذ بهاء بهيج شكري كما يلي:

“يشير هذا المصطلح إلى نظام متبع في التأمين البري على الممتلكات والتأمين على الحياة.  حيث تكون الأسعار التي يحتسب قسط التأمين على أساسها محددة بطرق إحصائية، كي تتناسب مع طبيعة الخطر ودرجة احتماله ودرجة تعرضه.  فتحفظ هذه الأسعار في كتيب، ويفترض أن تلتزم بها شركات التأمين العاملة في سوق تأمين معين.  ومع ذلك، فهناك بعض المؤمنين لا يلتزمون بتعريفة محددة، لذلك جرى تصنيف شركات التأمين إلى شركات تلتزم بالتعريفة (Tariff Companies) وشركات لا تلتزم بتعريفة (Non-tariff Companies).  وتعتبر هيئة اللويدز من جملة هيئات التأمين التي لا تلتزم بتعريفة محددة.”

بهاء بهيج شكري، المعجم الوسيط في مصطلحات وشروط التأمين، 2ج، الجزء الثاني (عمّان، دار الثقافة للنشر والتوزيع، 2016)، ص 689.
[2] راجع: منعم الخفاجي، مدخل لدراسة التأمين (بيروت: منتدى المعارف، 2018)، الفصل السادس عشر، ص181، وثيقة التأمين النموذجية ووثيقة التأمين من الحريق العربية: دراسة مقارنة.
[3] منعم الخفاجي، “التحديات التي يواجهها قطاع التأمين العراقي،” شبكة الاقتصاديين العراقيين:
http://iraqieconomists.net/ar/wp-content/uploads/sites/2/2017/01/Munaem-Al-Khafagi-Chalanges-of-Insurance-Sector-in-Iraq.pdf
لتحميل ملف بي دي أف سهل الطباعة انقر على الرابط التالي
Monaim Al-Khafaji-Tariffs in Iraq- 3 – Final

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

تعليقات (1)

  1. Avatar
    سحر الحمداني:

    أشار السيد منعم الخفاجي الى تدهور العمل التأمينيعموما واكر على ضرورة تطبيق التعريفات ،اذا لا بد لهيئة التامين مراقبة الشركات بهذا الخصوص حماية للشركة نفسها لان عدم تطبيق التعريفة واستيفاء القسط المناسب للخطر المؤمن له يعرض الشركة الى خسائر وهذا ما حصل في سوق التامين في الاْردن اذ أدى الى افلاس شركات تأمين وحتى التعريفة اذا تكرر خطر بشكل ملحوظ تتم زيادة اسعارها
    بالنسبة للتأمين البحري كانت الوثيقة واعتقد التعريفة تابعة للسوق البريطاني حيث تم تعديل الوثيقة في بريطانيا فعدلت في شركة التامين الوطنية وأي شرط جديد في السوق البريطاني تتم إضافته في الشركة وكانت الشركة تمنح أسعار خاصة للأغطية المفتوحة لدوائر الدولة

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: