خواطر إقتصادية

د. مظهر محمد صالح: دارون وآدم سمث

  لايكاد القطار المتجه الى العاصمة البريطانية لندن يخلو من متعة النظر الى مروج مقاطعة “شروبشاير” الفائقة الجمال، وصولاً الى مدينة شروزبيري مسقط راس عالم الطبيعيات جارلس دارون 1809 صاحب نظرية التطور نحو الافضل في تكوين اجناس اكثر كفاءة واعظم قدرةً .وعندما تلوح لي شروزبري اتذكر حالاً، ان التكيف هو سر البقاء كما يرى دارون، الا انني استدرك في نفسي ان ظهور دارون وشهرته لم يكن له دور يذكر لولا تأثره في كتابات عالم الاقتصاد توماس مالثوس ونظريته في التطور السكاني.  فحين اطلع دارون على افكار مالثوس ارتفع صوته قائلاً: لقد وجدتها أخيراً انها النظرية التي ستفعل فعلها حقا. وكان يقصد بها نظرية الاصطفاء او الانتخاب الطبيعي. مستفيداً من مالثوس في كتابة مقالات في الاقتصاد السياسي 1798: الذي يقول فيها بأن التكاثر البشري ينمو بمتوالية هندسية في حين تنمو الموارد المادية بمتوالية عددية وهو الامر الذي لايكيف للبقاء الا لعدد مناسب من السكان ،ذلك تحت تأثير عوامل ثلاثة هي: المجاعات والامراض والحروب .فبين نظرية دارون في (الاختيار الطبيعي) و نظرية آدم سمث (اليد الخفية) اي قوى العرض والطلب في السوق التنافسية، التي تحقق المصلحة الذاتية في دفع الافراد الى بلوغ المصلحة المشتركة او السلعة المشتركة، لتتحقق سعادة الجميع، الا ان البعض من علماء الاقتصاد قد وجد ارضية مشتركة لتأسيس علم جديد سمي بعلم الاقتصاد الطبيعي. ويؤكد اولئك الاقتصاديون الطبيعيون، أن القوى التي تؤسس لعالم الطبيعية هي تماثل القوى التي تؤسس للاقتصاد الحر الى حد كبير. فقانون الغاب الاقتصادي يخبرنا ان السوق تماثل الطبيعة في شرورها، فكثيراً ما تتسبب الاسواق الى فشل القوى المبدعة والماهرة، كما ان السوق لاتتسامح لكي تلقى الافكار النيرة بالضرورة فرصة النجاح مما يؤدي الى الافلاس.وإذا ما اقدمت على استثمار سيئ فانك ستواجه الخسارة في كل شيء.وعلى غرار نظرية (الاختيار الطبيعي) تظهر نظرية (التدمير الخلاق)، حيث يقود الفشل الى نشوء شركات اكثر حصانة ومجتمعات اكثر قوةً واعظم  ثراء، ويستطيع التدمير الخلاق ومن خلال التطور الى اقتلاع الماضي الضعيف في تنافسيته والقليل بكفاءته لكي يعبد الطريق الى الحاضر الجديد القوي الناشط.وبالرغم من ذلك، فان الصراع على الكعكة الاقتصادية لايجعل لليد الخفية او قوى السوق التنافسية، التي جاء بها آدم سمث في كتابه ثروة الامم 1773، مصلحة ذاتية تنتهي بالضرورة الى مصلحة مشتركة، اي توازن المصالح (بسلعة مشتركة)، طالما ان الصراع يظهر تلك القوى او (الوعول) ذات القرون الكبيرة كما اطلق عليها استاذ الاقتصاد في جامعة كورنيل روبرت فرانك في كتابه الصادر في العام 2011والموسوم “اقتصاد دارون”. إذ يرى روبرت فرانك ان المصلحة الذاتية التي تقود الى المصلحة المشتركة او السلعة المشتركة من خلال اليد الخفية عند آدم سمث ماهي الا حالة خاصة من نظرية دارون في البقاء للاصلح. فالمصلحة الذاتية وجدت لتؤسس لصراع اوسع بين الجنس او السلالة الحيوانية نفسها. فبدلاً من بلوغ (السلعة المشتركة) عند آدم سمث،فان المجتمع سيبلغ مايسمى بـ (السلعة الموقفية)التي تعبر عن قوة استغلال البعض ضمن الاختيار الطبيعي.ويقترح روبرت فرانك هنا بفرض ضريبة على المستغلين اطلق عليها ضريبة الخطيئة،وان دارون سيحل محل آدم سمث في العقود القادمة من تطورالفكر الاقتصادي!

(*) المستشار الإقتصادي لرئيس الوزراء

“الصباح” ، الأربعاء 04 مارس / أذار 2015

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

تعليقات (3)

  1. Avatar
    د. احمد عبد الزهرة حمدان:

    استاذي العزيز د.مظهر محمد صالح شكراً على هذه المقالة الممتعة والغنية بالمعلومات الفكرية والعلمية
    دمتم لنا …

  2. مظهر محمد صالح
    مظهر محمد صالح:

    شكرا استاذ فاروق المحترم
    على هذه المعلومات الغنية والعميقة حول احد رواد المدرسة الكلاسكية والذي اثار جدلا لاينقطع بين الاوساط الفكرية والفلسفية منذ القرن التاسع عشر وحتى اللحظة سواء اكان معه ام ضده.
    مع فائق تقديري
    مظهر

  3. فاروق يونس
    فاروق يونس:

    عزيزى الدكتور مظهر محمد صالح
    لا اريد البحث فى نظريات السكان وهى نظريات كثيرة منذ ( مالتوس ) ولحد الان – بايولوجية وثقافية واقتصادية — ولكن لانك اشرت لكتاب مالتوس ( مقالات فى الاقتصاد السياسى 1798) التى يقول فيها ( بان التكاثر البشرى ينمو بمتوالية هندسية فى حين ان نمو الموارد المادية بمتوالية عددية وهو الامر الذى لا يكفى للبقاء الا لعدد مناسب من السكان وذلك تحت تاثير عوال ثلاثة هى المجاعةوالامراض والحروب )
    اشير هنا باختصار الى قصة ( مالتوس ) مع ( سادلر )
    نشر ميشل توماس سادلر فى سنة 1830 موْلفا من مجلدين عدد صفحاته 1300 صفحة بعنوان ( قانون السكان ) انصب ثلثيه على معارضة نظرية مالتوس
    يرى سادلر ان مالتوس ليس بالرجل الساذج الطيب كما وصفته الانسة (مارتنه ) بل انه المدافع عن نظرية لو مكننا تتبع اثرها لوجدنا ان خطاْ مالتوس اكبر واعظم من اى خطاْ اخر صادفنا كما نقتنع بان نظريته ما زالت تنذرنا بشر مستطير وانها بالاختصار ضارة بالانسان بقدر ما هى محطة بكرامة صاحبها
    ان مالتوس لم ينتحل هذه النظرية فحسب بل سرقها وذلك ان ( تاونسند ) حينما يتخذها قاعدة مثلا على ان الجنس البشرى فى اى مكان ينشط الى حد بعيد لزيادة عدده وستحدد زيادة السكان بمقدار ما عندهم من الطعام اما ( مالتوس )فى مثل هذه الحالة يتحدث عن النشاط الدائم لنمو السكان فالاول يقرر ان عدد السكان سيزداد وستحدد زيادة السكان بمقدار ما عندهم من طعام اما مالتوس فهو يوْكد نفس النظرية بنفس الكلمات وان وسائل ربط عدد السكان بكمية الطعام متعددة وطبيعتها على وجه التحديد واحدة ولا مناص من انها ستوْدى بنا الى الرذيلة والبوْس او كما تسمى ( قيد ادبى )
    يقول سادلر ان مالتوس لم ينتحل نظرية ( تاونسند ) حول تزايد السكان فحسب بل يقول ( ان محاولة مالتوس الوحيدة للتدليل على صحة نظريته هى نفس المحاولة التى قام بها تاونسند حين يقول ( ان عدد السكان يتضاعف فى امريكا الشمالية كل 25 عاما وفى كل 15 عاما فى بعض الولايات ) ويقول تاونسند عند تطبيقه تلك القاعدة على معدل زيادة السكان فى العالم القديم ( انما السبب فى عدم زيادة السكان فى العالم القديم بنفس المعدل يرجع الى نقص الطعام ) وان هذه الظاهرة اذا كانت تستحق ان يطلق عليها هذا الاسم لم يزدها مالتوس قوة بترديدها وهو يقرر بنفس الاسلوب ( ان سكان امريكا الشمالية يزدادون كل 25 عاما وفى الولايات القديمة يتضاعف عدد السكان فى كل 15 عاما ) ويتسائل مالتوس لماذا لا يتضاعف عدد مماثل من سكان بريطانيا فى نفس المدة ؟ ثم يجيب على ذلك بنفس
    عبارة ( تاونسند ) فيقول ( ان سبب ذلك هو الحاجة الى الطعام ) وعلى ذلك فان ( مالتوس ) لم ينتحل نفس نظرية تاونسند بل استشهد بنفس البراهين التى استشهد بها تاونسند وكذلك يسرد لنا نفس القيود التى تحول دون زيادة السكان بل يحدد نفس المدة اللازمة لمضاعفة السكان وبينما يرى ( مالتوس ) النزاع بين الرعاة فى عهد ابراهيم ولوط يبين ( سادلر ) ان حقيقة النزاع ترجع الى فائض الثروة التى كانت سبب الحروب فى جميع العصور فى بلاد العالم كما اوضح ذلك كاتب وثنى منذ زمن طويل وليس ذلك نزاعا من اجل الطعام والماْوى بل التنافس على الثروة الطائلة هو فى الواقع سبب تلك الحروب ولما ناقش مالتوس هذه الحقيقة فى بلاد اليونان القديمة لاحظ ان زيادة حجم السكان يتبع زيادة الانتاج الزراعى ولكن معدل زيادة الاول يزيد على معدل زيادة الثانى وان لم يمكن التخلص من زيادة السكان بسبب الحروب او الامراض فان الاستعمار يصبح وسيلة للتخلص من فائض السكان من وقت لاخر
    وبالاشارة الى زيادة عدد السكان وفق متوالية هندسية فان القول بان عدد السكان تضاعف كل 15 او 25 عاما قول خاطىْ معرض للنقد وبقولنا هذا فاننا نغفل التركيب العمرى فان لم يكن جميع افراد المجتمع يساهمون فى الانجاب فان الجيل الذى يضاعف نفسه لا يمكن ان يضاعف عدد السكان كما يبدو ايضا من فروض الوفيات والخصوبة فى نظر علماء الاجتماع المعارضين لنظريات زيادة السكان سوى فروض خاطئة وغير معقولة فضلا عن ذلك فان الاحصاءات التى قدمها ( مالتوس ) للتدليل على ان عدد السكان فى امريكا الشمالية يتضاعف كل 25 عاما لا قيمة لها اذ انه اغفل اهمية الهجرة
    ان النظرية الحقة هى النظرية التى تقرر ان الخصوبة ترتبط ارتباطا عكسيا مع كثافة السكان بمعنى ان ثمرة عدد معين من الزيجات مع تشابه فى جميع الظروف الاخرى تتناسب عكسيا مع كثافة السكان
    وبعد ان تبين ( لسالدر ) ان الخصوبة تختلف عكسيا مع كثافة السكان فى عدد معين من البلاد الاوربية فانه يرفض القاعدة الاخرى التى تقرر ان معدل الخصوبة يختلف طرديا مع معدل الوفيات ويدلل على ذلك بالنسبة للخصوبة العالية فى الاراضى الواطئة وهى من اكثر بلاد العالم ازدحاما بالسكان
    انظر كتاب سدنى .ه .كونتز – ديسمبر 1956 – كلية الغابات التابعة لولاية نيويوك بجامعة سيراكوز 10 نيويورك – الموسومب النظريات السكانية منذ ع. هد مالتوس الكتاب من جزءين الاول -نظريات السكان والثانى – التفسير الاقتصادى
    ما ذكر فى اعلاه منقول نصا واعتذر لعدم ذكر اسم المترجم بسبب تمزق الصفحة الاولى التى تحمل اسمه الكريم
    مع التقدير

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: