خواطر إقتصادية

د.مظهر محمد صالح: التضخم والذهب

ينصرف مفهوم التضخم الى الزيادة المئوية السنوية في الاسعار، حيث يتم تقديره عن طريق حساب الرقم القياسي لآسعار المستهلك .ومنذ سبعينيات القرن الماضي وحتى يومنا هذا، غدت سياسة تحفيز النمو الاقتصادي من دون زيادة مفرطة في الاسعار واحدة من الاهداف الاقتصادية السامية التي لايمكن بلوغها الا بصعوبة.. فطالما ان الرابطة بين العملة والذهب هي حقيقية ومتماسكة وقوية، فلايمكن للتضخم ان يحدث إلا اذا كان هناك فائضاً كبيرا من الذهب يفوق المتوافر من السلع والخدمات المعروضة!.وحتى في مثل تلك الحالات التضخمية النادرة التي يسببها فائض الذهب على سبيل المثال ،تظل الموجة التضخمية وقتية وربما قليلة التأثير .ولوحُظ انه في القرن الذي تلا وصول كريستوف كولامبس الى القارة الامريكية حصلت موجة عارمة من التضخم الاوروبي،ذلك بسبب ان الذهب والفضة التي حصل عليها الغزاة والفاتحين الاسبان وغيرهم قد تدفقت بشكل لم يسبق له مثيل الى القارة الاوروبية وهي قادمة من العالم الجديد(قارة امريكا) عبر الاطلسي،ما جعل الاسعار تتضاعف في القرن السادس عشر، رافقها إنخفاض اسعارالذهب والفضة الى نصف قيمتهما.وعلى الرغم من ذلك فان موجة التضخم التي حصلت في القرن السادس عشرلم تكن هي الاولى في التاريخ الاقتصادي، فقد حصل العديد من الموجات التضخمية في العالم القديم ولاسيما تلك التي غزى يومها الاسكندر الاكبر الامبراطورية الفارسية في القرن الثالث قبل الميلاد، حيث افرط الاسكندر الاكبر في صرف ممتلكات الامبراطورية الفارسية من الذهب والفضة مما اثار موجة من الارتفاعات السعرية. وخلاف ذلك، فأذا ما اخذنا انعدام ديمومة الظاهرة التضخمية وتحليل طبيعتها في مقطع تاريخي آخر ، تحديداً في القرن السادس عشر( بأستعمال المقاييس الاحصائية المعتمدة في القرن العشرين) فقد ظل النمو السنوي في الاسعار يرتفع بنحو سبعة بالعشرة بالمئة او بالاحرى سبعة بالالف سنوياً، مما يعني، وعلى وفق ذلك المستوى من التضخم السنوي، أن الاسعار لا تتضاعف في معدلاتها الا بعد مرور مئة عام تماماً .ختاما تضع البنوك المركزية حول العالم في مقدمة اهدافها اليوم إستهداف الظاهرة التضخمية بكونها من المشكلات الرئيسة التي ينبغي على السلطة النقدية التصدي لها، وان ذلك يتم بجعل التضخم يرتفع بمعدل سنوي لاتتعدى نسبته 2بالمئة.وهذا يعني ان ثمة سعي حثيث من جانب السياسة النقدية لبلوغ قدر عال من الاستقرار السعري البعيد الاجل .مع العرض ان معدل زيادة سنوية في الاسعار بنسبة (2بالمئة) لاتجعل معدل التضخم يتضاعف في اي اقتصاد الا بعد مرور 35 عاماً.وهو مايسمى في سياسات البنوك المركزية بالتضخم المستهدف لبلوغ استقرار سعري الطويل الاجل.
(*) المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء العراقي

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

تعليقات (3)

  1. farouk younis
    farouk younis:

    جاء فى المقال عبارة (سياسات التضخم المستهدف لبلوغ استقرار سعرى طويل الاجل )
    المشكلة فى العراق تتمثل فى :
    واحد – التضخم المستورد كيف يتم استهداف هذا النوع من التضخم ؟ يتطلب زيادة الاستثمار فى الزراعة والصناعة
    اثنان – تبرز معدلات التضخم للرقم القياسى العام فى المواد الغذائية والايجارات والوقود فعلى سبيل المثال يجب زيادة انتاج الخضروات لان اسعار الخضروات المستوردة غالية وتجلب التضخم
    ثلاثة – ارتفاع الايجارات يوْدى الى ارتفاع معدل التضخم ويتطلب حل ازمة السكن ذلك لان بناء المساكن يحد من ارتفاع الايجارات ويساعد على تشغيل العاطلين ويخفف من مشكلة الفقر فى العراق
    اربعة – اذا استمر الانفاق الحكومى الجارى بالزيادة سنة بعد اخرى فكيف يتم استهداف التضخم وبلوغ الاستقرار السعرى فى الاجلين الطويل والقصير ؟
    خمسة – مشكلة التضخم الزاحف Creeping Inflation سيستمر قى السنوات القادمة اذا لم تتحقق زيادة فى الانتاج الوطنى الزراعى والصناعى
    سوْل رجل بسيط ما معنى التضخم ؟ فاجاب واحد يكبر كرشة ويتضخم ويصعب عليه المشى!
    مع خالص التقدير لاستاذى الدكتور مضهر محمد صالح

  2. حسين عطوان
    حسين عطوان:

    مرحبا أستاذ مصطفى محمد إبراهيم
    عذراً للمداخلة..
    تعقيباً على تعليقكَ بخصوص “ان السياسة النقدية في العراق هدفها الاساس هو ليس معالجة التضخم الحاصل في السوق وانما هدفها الاساس هو بيع العملة الاجنبية (الدولار)”.
    ولكن كيف يمكن للسياسة النقدية معالجة التضخم أليس من خلال أدواتها (سعر الفائدة وعرض النقود) وبما أن سعر الفائدة غير فاعل في نقل الأثر من القطاع النقدي إلى الحقيقي بسسب عدم وجود عمق مالي في الاقتصاد العراقي ، وعض النقود متغير تابع للانفاق الحكومي .. يبقى التأثير الاكثر فعالية لسعر الصرف عبر الدفاع عنه بالاحتياطيات الاجنبية وعبر نافذة بيع العملة لتغطية الطلب على العملة الاجنبية وتحقيق الاستقرار السعري (اي الحد من التضخم الذي تخلقه السياسة المالية عبر انفاقها الاستهلاكي المتزايد وانعدام الانفاق الاستثمار المحفز لتطوير القطاع الحقيقي – انتاج السلع والخدمات).
    تحياتي

  3. Avatar
    مصطفى محمد ابراهيم:

    السلام عليكم دكتور مظهر
    اشكرك دكتور على هذا التحليل الرائع والقيم . هنالك ضعف في التنسيق بين السياسة النقدية والسياسة المالية فالاولى تضع اولى اهدافها مكافحة التضخم والثانية اولى اهدافها مكافحة الركود وهذا برايي الشخصي المتواضع من عام 2013 والى الان لم اجد السياسة النقدية في العراق هدفها الاساس هو معالجة التضخم الحاصل في السوق وانما هدفها الاساس هو بيع العملة الاجنبية (الدولار).
    مع خالص تمنياتي لك دكتور بالصحة والسلامة

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: