مقالات وأبحاث

مصباح كمال: أيسر الخفاف: عقيلة رائد الاقتصاد العراقي محمد سلمان حسن وشريكتة في النضال من أجل حرية العراقيين

ما يدفعني إلى نشر هذه المادة هو أن السيدة المرحومة أيسر الخفاف (1933-2002) بدأت العمل في المجال التأميني سنة 1968 في شركة إعادة التأمين العراقية، وهي نفس السنة التي دخلتُ فيه هذا المجال.  ويشترك كلانا، إلى حدٍ ما، في سبب أو ظروف دخولنا لهذا المجال.  هي دخلته بعد غيبة عن العمل (كانت محاسبة متمرسة عملت أولاً في مصفى الدورة في بغداد) لأسبابٍ سياسية ضمن تسوية، بان زيفها فيما بعد، بين النظام الذي ساد بعد 17 تموز 1968 والأحزاب والقوى والشخصيات السياسية اليسارية.  دخلته اضطراراً وليس اختياراً منها.  وهو ما اشتركُ به معها مع فارق وهو انني كنتُ عاطلاً عن العمل رغم اني ابتعثتُ من قبل وزارة المعارف (1962) للدراسة في بريطانيا بعقدٍ يفرض علي العمل لدى الدولة (وزارة الخارجية) بعد حصولي على الشهادة الجامعية المقررة (1967).  وهكذا بدأتُ العمل في شركة التأمين الوطنية في بغداد (1968) لأنه لم يكن أمامي فرصة عمل أخرى جديرة وقتذاك.  ويشترك كلانا أيضاً بمؤهل معرفة اللغة الإنجليزية التي ربما كانت من العوامل المهمة التي شجعت على استخدامنا.

لم تعمل السيدة أيسر في ما نسميه الجانب الفني (قسم الحريق والحوادث، قسم البحري بضائع وهياكل السفن، قسم التأمين الهندسي .. الخ) في شركة إعادة التأمين العراقية، وهو ما أكده السيد قيس المدرس في رسالة من المنامة بتاريخ 10 تشرين الأول 2014، اقتبسها كما وردتني:

“As I remember, Ayser Alkhafaf joined Iraq Re same year as me 1968 and she was assigned to the Finance Department and she joined me in sitting with Dr Rajab twice or three times a week to discuss some insurance topics as part of our orientation.  She did not work for a long period with us.”

ربما لو كانت قد استمرت في عملها في شركة إعادة التأمين العراقية لكان لها دور متميز في تاريخ هذه الشركة، خاصة وهي تحمل شهادة جامعية من بريطانيا ومتمكنة من اللغة الإنجليزية – أحد المتطلبات التي كان د. مصطفى رجب، مدير عام الشركة، يؤكد عليه في اختياره للموظفين والموظفات.  وكما يتبين من هذه الرسالة فإن نية إدارة الشركة آنذاك كان منصباً على الاستفادة من قدراتها المحاسبية واللغوية للعمل في الجانب الفني، وهو ما حصل بالنسبة للسيد قيس المدرس إذ أصبح مديراً عاماً للشركة (1980-1998).[i]

السيدة أيسر هي من نمط موظفين عملوا في شركة إعادة التأمين العراقية ولم يستمروا فيها طويلاً كنجيب المانع ومجيد الحاج حمود وآخرين لا أتذكرهم.  أما أنا فقد بقيت أعمل في قطاع التأمين، في بغداد ولندن، منذ 1968.

التقيت بالسيدة أيسر الخفاف في أوائل تسعينيات القرن الماضي في لندن بفضل الصديق عزيز جصّاني.  كانت تبحث عن عمل.  لم يكن باستطاعتي مساعدتها مباشرة فشرحت لها، حسب ما كنت أعرفه، أوضاع العمل في سوق لندن للتأمين، وارشدتها إلى بعض وكالات الاستخدام المتخصصة بقطاع التأمين، والمجلات التأمينية التي تنشر إعلانات عن وظائف في هذا القطاع.  لكنها لم تعمل وتوجهت للعمل الطوعي لبعض الوقت.

لم ألتقي بالسيدة أيسر بعد ذلك لكنني التقيت ابنها الكبير يسار، كاتب هذه المقالة، مرات عديدة قبل الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 وبعده.  كان مهموماً بقضايا العراق وتقدمه، وعمل بكثافة في قضية إلغاء ديون العراق ضمن حملة Jubilee 2000، وهي الحملة التي ربما ساهمت، إلى حدٍ ما، في إعفاء 80% من ديون العراق؛ مثلما عمل في مجالات أخرى.

لقد جاءت مقالة يسار محمد سلمان حسن باقتراح مني للكتابة عن والدته بعد أن كتب مقالة طويلة هي بمثابة سيرة لوالده، نشرتها شبكة الاقتصاديين العراقيين.[1]  وتزامن هذا النشر مع الملف الخاص الذي نشرته مجلة الثقافة الجديدة، العدد 368-369، 2014، ص 8-90.[2]

بالمناسبة، لم يكتب د. محمد سلمان حسن عن النشاط التأميني في العراق بشكل مباشر أو غير مباشر لكن أطروحته حول دور التجارة الخارجية في التطور الاقتصادي في العراق، 1864-1964، يوفر مرجعاً وخلفية لدراسة هذا النشاط في العراق ضمن التطور الاقتصادي العام للعراق.  فهو يذكر شركة أندرو وير (Andrew Weir & Co) التي دخلت العراق سنة 1905 وكانت تحتكر تجارة تصدير التمور والشعير خلال وبعد الحرب العالمية الثانية،[3] وكانت تمارس أعمال التأمين أيضاً، وقد أشرت إلى ذلك في مقالةٍ لي.[4]  وقد حاول الزميل ستار كرمد عيدان الاستفادة من كتابات د. حسن في بحثه عن جذور سوق التأمين العراقية.[5]

(*) باحث وكاتب متخصص في قضايا التأمين

(**)كان السيد يسار حسن، نجل المرحوم محمد سلمان حسن والمرحومة أيسر الخفاف، قد كتب سيرة مختصرة عن والدته باللغة الانكليزية ، بتشجيع من زميلنا مصباح كمال، إتماماً لما كتبه عن والده. ويسرنا أن ننشر هذه السيرة سوية مع المقدمة التي كتبها زميلنا مصباح لإبراز عمل المرحومة في شركة إعادة التأمين العراقية.  وقد نشرت السيرة والمقدمة أصلاً في مدونة مرصد التأمين العراقي. في 1/6/2015 ,واعيد نشرها على موقع الشبكة الانكليزي (المحرر)

 
 


[1] لقراءة ملف د. محمد سلمان حسن في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين يمكن استخدام هذا الرابط:

http://iraqieconomists.net/ar/category/%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%B3%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%86-%D8%AD%D8%B3%D9%86/
 

[2] لقراءة الملف في مجلة الثقافة الجديدة يمكن استخدام هذا الرابط:

https://docs.google.com/document/d/1lgflo9inRm6YIBrEExczt6r_vE77f8yNkmmJmgYH7YM/edit?usp=sharing

[3] Mohamad Salman Hasan, “The Role of Foreign Trade in the Economic Development of Iraq, 1864-1964: A Study in the Growth of a Dependent Economy” in M A Cook, Editor, Studies in the Economic History of the Middle East (Oxford: Oxford University Press, 1970, reprinted 1978), p 349.

[4] مصباح كمال، “وكالات التأمين في العراق عام 1936: محاولة في التوثيق،” مجلة التأمين العراقي:

http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2012/05/1936-19-2012-1936-1936-883.html

نشرت بعد ذلك في كتاب مصباح كمال، أوراق في تاريخ التأمين في العراق: نظرات انتقائية، (الطبعة الإلكترونية، 2014) ص 58-90.

[5] مصباح كمال، عرض كتاب “ستار كرمد عيدان، سوق التأمين العراقية: دراسة تحليلية في الجذور التأسيسية (بغداد: شركة إعادة التأمين العراقية، 2012)، 84 صفحة (قياس 21X29.7 سم)، الثقافة الجديدة، العدد 366، أيار 2014، ص 62-68.


[i] أنظر قيس المدرس، “استذكار مسيرة العمل في شركة إعادة التأمين العراقية،” مرصد التأمين العراقي:

http://iraqinsurance.wordpress.com/2014/08/12/kays-al-mudaries-recollections-of-my-time-at-iraq-re-2/

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

تعليقات (3)

  1. فاروق يونس
    فاروق يونس:

    الاخ العزيز الاستاذ مصباح كمال
    يقال بان ( السوْال مفتاح المعرفة وطريق العلم ) كما يقال ( حسن السوْال نصف العلم )لقد وجهت اسئلتى اليك و كنت
    مطمئنا بان ( نجاحك كان باهرا ) وتم انتقائك للتعيين وفقا لمعايير الجدارة المعتمدة انذاك فى شركة التامين الوطنية وحسب ما اخبرك بذلك ايضا الاستاذ خالد جواد
    اتمنى لك عمرا مديدا مع النجاح الدائم فى جميع اعمالكم
    فاروق

  2. فاروق يونس
    فاروق يونس:

    الاستاذ العزيز مصباح كمال
    ورد فى مقالك
    – بانك بداْت عملك فى شركة التامين الوطنية عام 1968 اظرارا ولست مختارا
    – وانك تمتلك موْهل معرفة اللغة الانكليزية والتى ربما كانت من العوامل المهمة التى شجعت على تعينك
    لكن الامر الجدير بالذكر ايضا هو :
    كيف اهتديت الى العمل فى مجال التامين اضطرارا ؟ ومن كان حلقة الوصل بينك وبين شركة التامين الوطنية ؟
    لقد كنت محظوظا استاذى الكريم فى قبول تعينك فى قطاع التامين لانك كما قال الشاعر الجاهلى :
    جاورتهم زمن الفساد —– فنعم الجار فى العسراء واليسر
    مع خالص الود والتقدير

    • مصباح كمال
      مصباح كمال:

      كيف اهتديت إلى العمل في شركة التأمين الوطنية
      الأستاذ العزيز فاروق
      تسأل: كيف اهتديتُ إلى العمل في مجال التأمين؟ ومن كان حلقة الوصل بيني وبين شركة التأمين الوطنية؟
      أشكرك على إثارة هذا السؤال الشخصي، وجوابي عليه شخصي أيضاً. آمل أن يتسع صدر مدير تحرير الشبكة لقبول ما سأكتب لأن ما سأذكره قد يلقي قليلاً من الضوء على بعض الممارسات الإدارية في الماضي، مثلما قد يؤشر على الانحدار القائم منذ أكثر من عقد في مختلف مناحي الحياة. سأكتب مع حفظ الألقاب.
      عندما حصلت على شهادة البكالوريوس في السياسة من جامعة ويلز (سوانزي) عام 1967 رغبت في إكمال دراستي للحصول على شهادة الماجستير. تم قبولي في جامعة برمنغهام وكنت أؤمل نفسي بالحصول على تمديد لبعثتي الدراسية. لم توافق وزارة المعارف على التمديد فرجعت إلى العراق لعدم توفر المورد المالي لدفع أجور الدراسة والسكن بعد أن قطعت شوطاً في الدراسة (ما يزيد عن ثلاثة شهور، وكنت أعد لأطروحة عن روبرت أوين) عملت خلالها كتدريسي مؤقت لمجموعة من طلبة الصف الأول الجامعي (كان عليَّ تدريس شيء من تاريخ الفكر الاشتراكي وخاصة البيان الشيوعي).
      في جامعة برمنغهام تعرفتُ على صبري زاير السعدي، وكان يُعدُّ لأطروحة الدكتوراه في التخطيط الاقتصادي الوطني. قبل رجوعي إلى العراق سلّمني أمانة كي أوصلها لخطيبته، التي كانت تعمل في الجهاز المركزي للإحصاء، وزارة التخطيط، وذكر لي اسم اثنين من زملائه في الوزارة كامل العضاض وحارث الحيالي. وكانت لي زيارات لهما، وصار لهما علم بوضعي كخريج عاطل عن العمل رغم أن عقد البعثة مع وزارة المعارف كان ينص على العمل في وزارة الخارجية.
      بعد انقضاء عام وعدم توظيفي طلبت من مديرية البعثات إلغاء العقد كي أبرئ ذمتي تجاه الدولة (تمويل خمسة أعوام من الدراسة) وأحاول العمل في إحدى دول الخليج. نصحني مدير البعثات، خطاب العاني، بالتريث لأنه سيعمم كتاباً إلى الوزارات كافة يذكر فيه بأنني خريج من جامعة بريطانية أحمل شهادة بكالوريوس بدرجة شرف ويطلب النظر في أمر تعييني. تمخض هذا الكتاب بدعوة يتيمة من قبل وزارة الشباب للعمل كمترجم، وهو ما لم أتحمس له. في هذه الأثناء، ولم أكن قد قررت النظر في العمل في وزارة الشباب، علمت زوجة عبد الباقي رضا (مدير عام شركة التأمين الوطنية آنذاك)، التي كانت تعمل في وزارة التخطيط وعلى صلة مهنية بكامل العضاض وحارث الحيالي، علِمتْ منهما بحالتي وبموضوع كتاب التعميم للوزارات. أخبرتْ زوجها بالأمر فطلبَ الكتاب من وزارة الاقتصاد.
      على إثر ذلك دُعيت إلى شركة التأمين الوطنية لمراجعة خالد جواد المظفر في الشركة، وأخضعتُ لامتحان تحريري في اللغة الإنجليزية ضم الامتحان ترجمة جملة من الفقرات والمصطلحات المستخدمة في التأمين؛ ومن حسن حظي أن بعضها كانت مما أعرفه كالقوة القاهرة والأعمال العدائية والتمرد والخطر وغيرها. تبع ذلك مقابلة صارمة من قبل رفعت الفارسي، المعاون الفني للمدير العام، انصبّت على اللغة وكذلك نطاق معرفتي بالتأمين. وهكذا تم تعييني في الشركة أواخر عام 1968. وكما علمتُ من خالد جواد المظفر (عضو مجلس إدارة شركة العراق الدولية للتأمين) عندما التقيته في بغداد في تموز 2012 فقد كان نجاحي باهراً ومحط استحسان كبير من قبل رفعت الفارسي وهو الذي أوصى بتعييني وكان القرار النهائي لعبد الباقي رضا.
      وقد استفدت من تجربتي في التعيين في شركة التأمين الوطنية في كتابة ورقتي (الأستاذ عبد الباقي رضا: تقييم دور القائد الإداري في مؤسسة تابعة للقطاع العام) المنشور في موقع الشبكة. ففيها كتبت التالي حول بعض ملامح سياسته في الإدارة والاستخدام:
      “انتقاء الموظفات والموظفين (وكان ذلك قبل إدخال التعيين المركزي الذي سلب إدارات المؤسسات العائدة للدولة حرية التعيين) دون انحياز، واعتماد معايير الجدارة والمعرفة واللغة (العربية والإنجليزية)، وتعريض مقدم طلب التعيين لامتحان تحريري ومقابلة، للكشف عن مدى توفر هذه المعايير لدى مقدم الطلب.”
      ومن المناسب أن أذكر هنا أن مصطفى رجب، مدير عام شركة إعادة التأمين العراقية، وكان معاصراً لعبد الباقي رضا، كان يستخدم نفس الأسلوب الإداري في التعيين الذي كان مطبقاً في شركة التأمين الوطنية، وبخاصة ما تعلق منه بمعرفة باللغة الإنجليزية. كانت اللغة أساسية لأن طبيعة عمل شركة إعادة التأمين العراقية تقتضي التعامل مع شركات تأمين وإعادة تأمين أجنبية. ومما يؤسف له أن هذه الميزة أصبحت مفقودة الآن وفي أحسن الأحوال ضعيفة. ومن المؤسف أيضاً أن العراق يشهد تراجعاً مريعاً يمتد على مختلف الحقول، ولم يحقق التراكم المطلوب في المجال المعرفي والمهني والصناعي … الخ.
      وهكذا يا أستاذي العزيز يصبح ما نقلته عن الشاعر العربي مناسباً، فقد تعلمتُ مبادئ التأمين الأساسية والمهارات المرتبطة بها في العراق يوم كان أركان التأمين رفيعي المستوى يتحركون في فضائه ونحن الشباب ننهل من معارفهم ونتخلق بما هو الأحسن في أدبهم وسلوكهم. وكان ذلك في زمن كانت فيه شركات التأمين مملوكة للدولة. حقاً ما قاله شاعرك فقد كنتُ محظوظاً:
      جاورتهم زمن الفساد —– فنعم الجارُ في العسراء واليسر
      دمت بخير. مع مودتي وتقديري
      مصباح كمال
      5 آب 2015

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: