المصارف وأسواق المال

سمير عباس النصيري: اصلاح القطاع المصرفي العراقي – الازمات والفرص

يشير البرنامج الحكومي في الفقرة ( د ) من المحور ثالثا والخاصة ( بتنمية الاعمال المصرفية )
بان المصارف التجارية من المؤسسات المالية ذات اهمية بالغة لاي نشاط اقتصادي وتمثل احدى حلقات النظام المالي للبلد وانعكاسا لانظمته الاقتصادية والتجارية والمالية كما تعد احدى بوابات تشجيع المستثمرين وجلب روؤس الاموال والتي يمكن ان تحقق من خلال تنظيم ومعالجة الشؤون الاقتصادية والتجارية بالتنسيق مع مختلف القطاعات ذات العلاقة وتفعيل دور البنوك الحكومية والمصارف التخصصية ومصارف القطاع الخاص ( الاهلية ) لتوفير القروض الميسرة للقطاع الخاص الوطني ومعالجة مشاكل الضرائب والفوائد المتراكمة التي ترتبت على اصحاب المشاريع المتوقفة عن الانتاج مع التاكيد على تطوير العلاقات الاقتصادية والخارجية مع دول العالم لزيادة حجم التبادل التجاري وتطوير العلاقات مع المنظمات الاقليمية والدولية المعنيه وهذا يتطلب ان يتم دراسة واقع القطاع المصرفي العراقي في ضوء تطبيقات السياسة النقدية التي يعتمدها البنك المركزي العراقي خلال السنوات السابقة ونظرته للاشراف والرقابة على المصارف استناداً الى تجربته المطبقه منذ 2003 ولغاية الوقت الحاضر كذلك لابد من تحديد التحديات والازمات التي يواجهها القطاع المصرفي والمعالجات التطبيقية المطلوبة لعملية الاصلاح والتطوير .
اذ منذ 2003 ولحد الوقت الحاضر مر الاقتصاد العراقي بمرحلة انتقالية من استراتيجيات الاقتصاد المركزي الى بناء مقدمات الانتقال الى اقتصاد السوق وقد تخللت هذه المرحلة محطات عديدة من الازمات الاقتصادية والتحديات ذات العلاقة بالواقع السياسي والامني الذي يعيشه العراق اضافة الى تأثيرات الازمة المالية العالمية في نهاية عام 2008 والارتفاع والهبوط في اسعار النفظ عالمياً وانعكاسات ذلك على الاقتصاد العراقي لانه اقتصاد ريعي يعتمد بشكل اساسي في موارده على النفط اضافة الى فقدان التخطيط الاقتصاي السليم وارتباك الرؤيه الاستتراتيجية للبناء الاقتصادي وفق النظرة التي حددتها المادة ( 25 ) من دستور العراق ومواده الاخرى ذات العلاقة بان تكفل الدولة حقوق المواطنة للفرد والعيش مع اسرته بحياة كريمة وان النفط ملك للشعب العراقي .
الامر الذي اخر بناء وتطبيق منهجية صحيحة للاصلاح الاقتصادي وبناء ستراتيجيات واقعية لتطوير القطاع الخاص في الزراعة والصناعة والاسكان والخدمات مما جعل وضع المحددات والعقبات الذاتية والموضوعية امام عجلة التطوير والنمو والاصلاح حيث تشير المؤشرات والبيانات الاقتصادية وفق الاحصائيات الرسمية ان نسبة البطالة تجاوزت 30% ونسبة الفقر بحدود 25% ونسبة النمو تقلصت من 7% الى 1% وبلغ عجز موازنة 2015 بحدود 25 ترليون دينار يتوقع ان يترفع الى 45 ترليون دينار كما ان العجز المخطط في الموازنة 2016 سيصل الى 30 ترليون دينار كما ان ازمة الحرب على الارهاب في المحافظات الساخنة ادت الى تخفيض 15% من الناتج المحلي الاجمالي والى هبوط موارد العراق من النفط بسبب هبوط اسعار النفط والتي تشكل 93% من الموازنة كل ذلك عرض ميزان المدفوعات الى خلل واضح داخلياً وخارجياَ والمشكلة الكبيرة التي تواجه الاقتصاد العراقي الان ومنذ مطلع عام 2015 هو الازمة المالية الخانقة ومايعانيه القطاع المصرفي العراقي من ازمة في السيولة مما يربك الاستتراتيجية المرسومة في البرنامج الحكومي والاصلاحات الاقتصادية المعلنه مما ادخل العراق في ازمات وليس ازمة واحدة ولكن ايماناً بالامكانيات والخبرات الاقتصادية والمصرفية في عراقنا العزيز تجعلنا نؤمن بان الازمات تخلق الفرص .
التحديات والازمات التي تواجه القطاع المصرفي العراقي

  • ازمة السيولة

 
بسبب تداعيات الظروف الاقتصادية الخارجية والتي تمثلت بهبوط اسعار النفط العالمية بنسبة تتجاوز 60% بالمقارنة باسعاره قبل سنة تقريبا وكذلك الظروف الداخلية للعراق في جزانبها السياسية والامنية والاقتصادية وابرزها الحرب التي يخوضها العراق بالنيابة عن دول المنطقة والعالم وعدم المصادقة واقرار ميزانية 2014 والهدر في المال العام وسوء ادارة وعدم وجود صندوق سيادي في العراق مثل غيره من الدول وعدم توفر احتياطات مالية تحت تصرف الحكومة الجديدة ادى الى ازمة سيولة خانقه بدأ تاثيرها واضحاً على المصارف حيث انخفضت الودائع لديها وارتفعت سحوبات الزبائن وامتناع البنك المركزي في اربيل عن اطلاق ودائع المصارف الاهلية والتي تشكل الارصدة الاساسية للمصارف مما جعل هذه المصارف تعاني من ازمة حقيقية ستؤدي الى انهيارات لاغلب المصارف الاهلية اذا لم يتم معالجتها بالتدخل على مستوى عالي من الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كردستان وبشكل سريع وفاعل .

  • الملاحقات القضائية للمصارف

 
بسبب تعليمات بيع الدولار في مزاد العملة اليومي في البنك المركزي العراقي واجهت اغلب المصارف متابعات قضائية من قبل هيئة النزاهة لاسباب لا تتحملها المصارف بالدرجة الاساس باعتبارها هي وسيطة بين الزبون والبنك المركزي كما ان اغلبها قد سددت الغرامات التي حددها البنك المركزي وتم اعلام محكمة النزاهة بها ولكن ما زالت الملاحقات القضائية مستمرة مما سيؤدي الى انهيار بعض المصارف يضاف الى ذلك الحملات الاعلامية غير المتخصصة والمقصودة في قسماً منها والتي اثرت كثيراً على نشاط المصارف وادت الى فقدان ثقة المواطنين بالقطاع المصرفي الخاص .

  • الديون المتعثرة

 
بسبب الظروف الامنية الخاصة التي يعيشها العراق بسبب الحرب على الارهاب يعاني القطاع المصرفي الحكومي والخاص مشكلة عدم تمكن قسم كبير من المقترضين من تسديد ما بذمتهم من ديون بتواريخ استحقاقها اضافة الى زيادة نسب الخطورة في منح الائتمان النقدي للزبائن مما اربك عمل المصارف وانعكس ذلك على حدود السيولة مما اوصلها في بعض المصارف الى حدودها الدنيا مما سيعرض بعضها للانهيار والافلاس اضافة الى ان ذلك سيؤدي الى التاثير على الوضع الاقتصادي للبلاد والنشاط التمويلي والاستثماري خلال المرحلة الراهنة والتي نتوقع ان تستمر حتى عام 2017 .

  1. قصور البيئة القانونية

من التحديات الرئيسية التي يواجهها القطاع المصرفي العراقي هي القوانين التي تنظم العمل المصرفي وهي بشكل خاص المادة ( 28 ) من قانون المصارف ( 94 لسنة 2004 ) بالرغم من تعديلها والتي تحدد الانشطة المحظورة على المصارف وتضع قيود الاستثمار عليها وقانون المصارف وقانون غسل الاموال اضافة الى والقوانين الضريبية المعقده مما يجعل مساهمتها في التنمية محددة جدا ومقتصرة على تقديم خدمات تعنى بالصيرفة والاعمال الروتينية اليومية فقط .

  • ضعف تنفيذ القرارات الحكومية الداعمة للمصارف

 
بسبب ضعف متابعة الاجهزة الحكومية لتنفيذ قرارات الحكومة الخاصة يدعم الجهاز المصرفي في كافة مجالات النشاط المصرفي والتمويلي والتي سبق ان اصدرتها لجنة الشؤون الاقتصادية في مجلس الوزراء والبنك المركزي العراقي مما ادى عدم تنفيذ هذه القرارات مما افرغها من محتواها .

  • مخالفات مكاتب الصيرفة

 
دخول عدد من المؤسسات او الجهات الاخرى ميدان تقديم القروض الميسرة والخدمات المصرفية فضلا عن وجود قطاع موازي غير مسجل يمثله الصرافون الذين يقومون بعمليات كبيرة ( حوالات داخلية او خارجية ، صيرفة ، تحويل نقد ) تتم خارج الاطار الرسمي وتنجم عنها عمولات ضخمة في ظل رقابة ضعيفة او محدودة مما خلق بيئة صعبة للجهاز المصرفي الحكومي والخاص .

  • عدم مواكبة نظم الصيرفة الحديثة

 
ان الجهاز المصرفي العراقي الحكومي والخاص مازالت نظمها المصرفية والادارية لا تواكب الصيرفة الحديثة ونظم المعلومات وتحليلها بالرغم من الجهود المبذوله من البنك المركزي العراقي في هذا المجال مما جعل حصول فجوه كبيرة من التطور في التقنيات المصرفية الحديثة المطبقه في الدول المجاورة والعالم ومن ما مطبق داخل العراق مما يشكل ازمة تقنية في تطوير العمل المصرفي .
 
الفرص المتاحة للاصلاح المصرفي

  • مواجهة الانهيارات المالية للمصارف

 
قيام البنك المركزي العراقي ووزارة المالية بتحليل الموقف المالي للمصارف الحكومية والاهلية كما في 30 / 9 / 2015 والمتوقع للنتائج المالية كما في 31 / 12 / 2015 والعام المقبل 2016 في ضوء الموازنات التخطيطية لها وتاثيرات المؤشرات الاولية للموازنة العامة لعام 2016 والتي تم رفعها من وزارة المالية الى مجلس الوزراء اخيراً. وتحديد الحاجة للسيولة لادامة التداول النقدي في السوق المصرفية ووضع خطة استباقيه تحول دون انهيار بعض المصارف والتحرك بشكل سريع على البنك المركزي في اربيل من اجل اطلاق ودائع المصارف النقدية وفقاً لمعايير الموثوقيه في التعامل النقدي بين البنوك والمصارف .

  • تفعيل البرنامج الحكومي

 
المباشرة بتفعيل تنفيذ البرنامج الحكومي فيما يخص الفقرة ( د ) من ثالثاً والخاصة بتنمية الاعمال المصرفية والتاكيد على تفعيل دور البنوك الحكومية والمصارف المتخصصة والمصارف الاهلية لتوفير القروض الميسرة للقطاع الخاص الوطني وكذلك ايجاد حلول لمشاكل الضرائب والفوائد المتراكمة التي ترتبت على اصحاب المشاريع المتوقفة عن الانتاج . وضع سياسة مالية قصيرة ومتوسطة الامد والتنسيق بين السياسة المالية والسياسة النقدية كونهما اساس السياسة الاقتصادية

  • تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة

 
تنفيذ مبادرة البنك المركزي العراقي بتخصيص ( 5 ) ترليون دينار للمصارف الحكومية المنخفضه وترليون دينار للمصارف الاهلية والتي تم زيادتها الى ترليون ونصف دينار اخيراً ووضع اليات نقدية لتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة والتنسيق مع المصارف الخاصة بهذا الخصوص كذلك تفعيل الدور الحكومي في بناء استراتيجية لتطوير المشاريع الصغيرة والمتوسطة هو اهم عناصر النجاح حيث ان الحكومة هي التي تمتلك الامكانيات المالية في اقتصاد ريعي يضعف فيه القطاع الخاص الى درجة كبيرة ولا يمكن النهوض بهذا القطاع بدون وجود خطة لتطوير هذا القطاع وبناء اليات واضحة ومعلنة يشترك فيها القطاع الخاص بشكل فاعل بحيث يمكن ان يتحول من تايع صغير للقطاع الحكومي الى شريك رئيسي ومن ثم الى قائد في عمليات الاستثمار والبناء .

  • الدعم الحكومي للقطاع المصرفي الخاص

 
البدء بتحويل القطاع الحكومي من منفذ للمشاريع ومنافس للقطاع الخاص الى مراقب للضوابط وميسر للاجراءات والقوانين . واستكمال انجاز مشروع قانون الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم والصغرى للمساعدة وخلق فرص عمل جديدة ولتقليل الفقر والعوز والمساهمة في خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتقليل من نسبة البطالة العالية التي تجاوزت 30% في الفترة القادمة .

  • الاستقرار النقدي

 
تعزيز الاستقرار النقدي وتحقيق اهداف السياسة النقدية ووضع سياسات سليمة لادارة للاحتياطات وللمخاطر التي من الممكن ان تتعرض لها جميع العمليات المصرفية في القطاع المالي والمصرفي كذلك تفعيل نظام مكتب الاستعلام الائتماني وتدخل البنك المركزي العراقي باعتماد مبدأ الرقابة الاستباقية بتسريع وتفعيل البرامج والمشاريع التقنية الحديثة وضبط السيطرة على المصارف بالرقابة الالكترونية .

  • الخطة الخمسة للبنك المركزي العراقي

 
قيام البنك المركزي العراقي بوضع خطته للخمسة سنوات المقبلة باعتماد سياسة نقدية ومالية جديدة تؤدي الى اصلاح شامل واعادة هيكلية القطاع المالي والمصرفي مع التاكيد على هيكلة القطاع المصرفي الحكومي وفق ماورد بالمذكرة الموقعه مع البنك الدولي قبل عدة سنوات ولم تنفذ في الواقع ودعم القطاع المصرفي الخاص وتعزيز امكانياته الحالية ووضع البرامج والخطط للانتقال بالعمل المصرفي من دور الصيرفة الى الدور التنموي .
 

  • البيئة القانونية

 
اعادة النظر بالبيئة القانونية المصرفية في العراق من اجل النهوض بالواقع المصرفي وبشكل خاص قانون المصارف قانون البنك المركزي وقانون مكافحة غسيل الاموال وتشريع قانون المصارف الاسلامية وقانون ضمان الودائع .

  • المشاركة في صنع القرار الاقتصادي

 
ان يكون هناك دور فاعل للقطاع المصرفي الخاص لانه بدون قطاع مصرفي سليم لا يمكن بناء اقتصاد وطني سليم وهذا يعني اشراك القطاع المصرفي الخاص بدور اكبر في صناعة القرار الاقتصادي من خلال مساهمته في المشاورات التي تجريها الحكومة في رسم السياسات .
(*) باحث وخبير اقتصادي
حقوق النشر محفوظة لشبكة الإقتصاديين العراقيين. يسمح بالاقتباس واعادة النشر بشرط الاشارة الى المصدر. 30 / 9 / 2015
الاراء الواردة في جميع المواد المنشورة على موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين لاتعكس بالضرورة رأي هيئة التحرير وانما رأي كاتبها وهو الذي يتحمل المسؤولية العلمية والقانونية
لتنزيل نسخة بي دي أف سهلة الطباعة انقر هنا

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: