خواطر إقتصادية

د.مظهر محمد صالح: السوق…!

مد المهندس مصطفى يده وهَمً بمصافحتي ، وكانما كان يريد ان يقبض على حبل الحقيقة متسائلاً: ماذا كنت تقصد ايها الرجل بالسوق الاجتماعية في مقالتك الاخيرة..؟ وقد بدا عليه الانفعال والحيرة، وإرتعشت اطرافه وهو ينفخ بدخان سيجارته، لينقل لي تيار افكاره التي زفزفت بقوة وأوقدت في خياله ناراً بعد ان تبعثرت في تضاعيف عقله أشياء من رماد الماضي قائلاً: أذا كانت قوانين السوق الحر التنافسية قد زودتنا ، منذ ان جاء بها مؤسس علم الاقتصاد الكلاسيكي آدم سمث ، بفكرة الرفاهية في تحقيق كفاءة الانتاج وعدالة توزيعه عن طريق اليد الخفية (العرض والطلب) وتوافر عدد هائل من البائعين والمشترين ممن يتاجرون فيما بينهم بصورة مستقلة ولايؤثرون على توازن الاسعار،طالما ان دافع المصلحة الذاتية لديهم يقود الى تحقيق المصلحة العامة المشتركة ومن ثم بلوغ توازن المصالح الكليةعن طريق اليد الخفية .. فلماذ ياترى نتحدث اليوم عن الاسواق الاجتماعية؟توقفتُ هنيهة قبل ان اجيب مصطفى عن تساؤلاته،متذكراً ان سوق العولمة الحرة، التي تُعد اليوم من اكبر الادوات الاجتماعية والاقتصادية على سطح الارض، هي مازالت توفر لمتعامليها عدداً من المعاملات الثنائية المتقابلة الجاهزة باستمرار والتي تقدر بنحو 25 ( كونتليون)اي نضع 18 صفراً امام الرقم 25 آنفاً لكي نبلغ الف الف تريليون او (كونتليون).انه حقا رقماً هائلاً من المعاملات المتاحة (بيعا وشراءً) حول العالم.ولكنني لم اجب مصطفى عن تساؤلاته قبل ان اعرف: هل ان مثل هذ الرقم الهائل من المعاملات يحَمل مصالح ذاتية للمتعاملين انفسهم و تقود الى مصلحة عامة متوازنة؟ام ان ثمة جشع يتكاثر هنا وهناك في اسواق العالم؟ هنا تذكرت ثمة عالمين اثنين حائزين على جائزة نوبل في الاقتصاد وهما(جورج ايكرلوف وروبرت شلر) قد نشرا كتاباً في ايلول 2015 صدر من جامعة برنستون في الولايات المتحدة الامريكية وحمل عنواناُ غريباً هو:<خداع المغفلين> مؤكدين في اطروحتيهما الرئيسة القائلة: ان النظام الراسمالي الحالي لم يعمل بشكل صحيح ليحقق توازن المصالح بين المتعاملين وبلوغ الرفاهية المنشودة .فالنماذج الاقتصادية للسوق التنافسية تفترض توافر المعلومات التامة للمستهلكين بما في ذلك معرفة النماذج الرياضية التي تجسد حالتي الكفاية وتوازن المصالح .ولكن الطرق الخفية في ممارسة الخداع وتعظيم الجشع قد تُحول المستهلك الى صيد ثمين ومغفل في الوقت نفسه. فالبطاقة الائتمانية على سبيل المثال بكونها اداة الدفع الرئيسة في تجارة المفرد امسى لها دورا في ذلك الخداع.فقد لوحظ انها تشجع المستهلكين على اغراءات الشراء بمتوسط يبلغ 200 بالمئة فوق الانفاق العادي للفرد محققة في ذلك ارباحاً مضاعفة لشركات المدفوعات جراء استخدام الائتمان المتاح عند الدفع .ختاما، أجبتُ مصطفى بان السوق الاجتماعية ستوفر لامحالة الادوات الناظمة التي تستعملها الدولة لضمان تنافسية السوق قبل ان تمتد (اليد الخفية) نحو الجشع…!
(*) المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء العراقي
جريدة الصباح البغدادية، 16/12/2015

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

تعليقات (1)

  1. farouk younis
    farouk younis:

    فى السوق الحرة و فى السوق الاشتراكية و فى السوق الاجتماعية هناك اليات لكل سوق —-
    الباحث يقول( السوق الاجتماعية ستوفر لامحالة الادوات الناظمة التى تستعملها الدولة لضمان تنافسية السوق قبل ان تمتد ( اليد الخفية نحو الجشع) بين قوسين من المقال
    الامر المهم تنافسية السوق لكبح جماح الجشع ابو بعبارة اخرى حماية المستهلك النهائى من الاستغلال
    ما هو الثمن ؟
    الجواب عند ابو فراس الحمدانى فى قصيدته : اراك عصى الدمع حيث يقول :
    تهون علينا فى المعالى نفوسنا ومن يخطب الحسناء لا يغله المهر
    نعم ان هذه الحسناء لن تكون غالية مهما بلغ المهر
    وانا اشبه الحسناء هنا بالانسان وهو اثمن راس مال هو هدف التنمية واداتها ومن اجله تهون عليه نفوسنا ومن يخطب الحسناء لا يغله ( او يغلها ) المهر
    مع التقدير

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: