أبحاث نظرية في الفكر والتاريخ الإقتصاديالمكتبة الاقتصادية

عرض كتاب الزراعة في عصر الفاشية: التكنوقراطيا السلطوية والتحديث الريفي

كاتب العرض: ايناكي آريارتي-غونيي، قسم الاقتصاد التطبيقي والتاريخ الاقتصادي، جامعة سرقسطة **
.ترجمة: مصباح كمال ***
إن تاريخ الريف والتاريخ الزراعي من التخصصات التي ازدهرت في اسبانيا في العقود الأخيرة. فقد نُشر العديد من الكتابات المتعلقة بالتاريخ الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للمناطق الزراعية والريفية ضمن الإطار العام للجمعية الإسبانية للتاريخ الزراعي (SEHA). وبالتالي، فإنه ليس من المستغرب أن ثلاثة باحثين إسبانيين (لورينزو فرنانديز برييتو وميغيل كابو من جامعة سانتياغو دي كومبوستيلا وخوان بان-مونتيو من جامعة مدريد المستقلة) قاموا بتأليف وتحرير هذه المجموعة من المقالات المكرسة لتحليل الزراعة في بلدان مختلفة في ما يسمى بعصر الفاشية.
في هذا الكتاب، يقوم ثلاثة عشر من المتخصصين (بما في ذلك المحررون الثلاث) بتحليل السياسات الزراعية ونتائجها في ثمانية بلدان مختلفة ظهرت فيها أنظمة سياسية فاشية بشكل رئيسي خلال فترة ما بين الحربين العالمتين. وهذ البلدان، حسب ظهورها في الكتاب، هي إيطاليا، البرتغال، هنغاريا، ألمانيا، النمسا، إسبانيا، دولة مانشوكو Manchukuo [منشوريا] وحكومة فيشي في فرنسا Vichy France.
من أجل مقارنة هذه البلدان المختلفة، قام المحررون في البداية بطرح “الحد الأدنى للفاشية ” “fascist minimum” كما تتمثل في المجال الزراعي. وهذا يعني أنهم قاموا بوضع سبع سمات مشتركة تشكل، من وجهة نظرهم، ما كانت جميع الأنظمة تسعى له في سياساتها الزراعية.
وهذه السمات هي 1) خطاب أيديولوجي ذا نزعة ريفية قوية ruralist مقروناً بدفاع مزعوم للفلاحين وأصحاب الأراضي الصغيرة؛ 2) سياسات تجارية صارمة لضمان الاكتفاء الذاتي الوطني في الغذاء؛ 3) انتشار تدخل الدولة للسيطرة على الأسواق الزراعية؛ 4) تفضيل الإصلاحات التي لم تجعل من ملكية الأرض موضوعاً للتساؤل وخصوصا الإصلاحات التي لم تضايق أوليغارشية أصحاب الأراضي؛ 5) تطبيق الخطط الكوربوراتية corporate designs [نظام الشركات التجارية] لتحقيق الوئام الاجتماعي؛ 6) الانضباط العسكري والتسلسل الهرمي كحلول مؤسسية أيضاً للسياسات الزراعية؛ و7) إخضاع الزراعة لاحتياجات القطاعات الاقتصادية الأخرى، وخاصة التسلح.
اعتماداً على هذا المخطط العام، يمكن للمرء أن يتثبت، في الفصول المختلفة، من صحة بعض الروابط الإيديولوجية بين الأنظمة المختلفة. على سبيل المثال، فإن فكرة استخدام الاكتفاء الذاتي في [إنتاج] القمح الذي اقترحه موسوليني في معركة القمح Bataglia del grano في عام 1925 قد استخدم أيضاً في حملة القمح Campagnha do Trigo في الدولة الجديدة Estado Novo في البرتغال، 1929-1933، وأعيد اكتشافه مرة أخرى في معركة القمح Batalla del trigo من قبل نظام فرانكو في إسبانيا بعد الحرب الأهلية الإسبانية في نهاية الثلاثينيات. أو بطريقة مماثلة، فإن فكرة الدم والأرض Blut und Boden (الدم والتربة) التي اقترحها وزير الزراعة النازي R W Darré في بداية الثلاثينيات كتعبير عن اتحاد الفلاحين والأرض باعتباره جوهراً أساسياً لا غنى عنه للدولة الألمانية، قد تُرجم إلى اليابانية وتم نسخها كجزء من الأيديولوجية الريفية ruralist في دولة مانشوكو بعد بضع سنوات.
وبطبيعة الحال فإن أوجه التشابه في تصميم السياسات الزراعية ترتبط مع اختلافات كبيرة تؤثر على كل بلد. وبصرف النظر عن التسلسل الزمني المحدد المرتبط بازدهار الأنظمة الفاشية، فإن وزن الاقتصادات المختلفة والقطاع الزراعي داخلها أيضاً كانت مختلفة، من حيث الناتج المحلي الإجمالي وعدد السكان العاملين في هذا القطاع. كما أن درجة تحديث القطاع الزراعي والمؤسسات الريفية أيضاً مما له علاقة بحجم المزارع وتوزيع الأراضي يمكن أيضاً أن تكون متباينة جداً. وبطبيعة الحال، فإن الآثار المترتبة على الأنظمة الفاشية في الحرب اختلفت أيضاً. فقد كانت أهمية الغذاء للتوسع العسكري خلال الحرب العالمية الثانية، واستخدام الغذاء (أو الحرمان منه) كـ”السلاح النهائي للتدمير الشامل” كان أمراً مألوفاً، وخاصة في الجبهة الشرقية من أوروبا منذ عام 1941 فصاعداً، كما يشير جيسين جيرهارد Gesine Gerhard في الفصل الذي كتبه عن ألمانيا النازية.
لقد كانت الخلافات وفيرة، ولكن الاقتراح الرئيسي لمحرري الكتاب، الذي يشارك فيه جميع المساهمين في الكتاب، هو أن الأنظمة الفاشية في الفترة ما بين الحربين العالمتين حاولت تنفيذ طريقة غريبة للحداثة الزراعية، التي بُنيت على الضد من المشاريع الليبرالية والشيوعية للتحديث. كانت تلك الطريقة سلطوية تقوم على تعزيز الدولة للتغيير التكنولوجي والسيطرة على تكامل الأسواق. وهذا، جنباً إلى جنب توحيد الفلاحين مع أرستقراطية الأرض في المؤسسات الكوربوراتية [الشركات التجارية]، كان يفترض منه التغلب على الصراع الاجتماعي في المناطق الريفية، وتعزيز التحديث الزراعي الذي يستند أساساً على التكنوقراطيا. وكما يعرض إرنست لانغثالَر Ernst Langthaler لحالة النمسا، فإن مزيج العناصر الحديثة والعناصر المعادية للحداثة والتناقضات بين التغيرات في المصفوفة المؤسسية والاختناقات في التغير التكنولوجي ربما أحبط التحديث الزراعي الفعلي. ولكنه كان خطوة لا رجعة فيها على طول الطريق نحو نظام زيادة نمو إنتاج الغذاء productivist في أوروبا ما بعد الحرب.
وبطبيعة الحال، وكم يبين المحررون في البداية، فإن التركيز على الطابع التحديثي للفاشية لا ينطوي على أي محاولة لإعادة تأهيلها. على العكس من ذلك، فإن هذه الرؤية تحاول النظر إلى السياسات الفاشية كمرحلة في تطور السياسات الزراعية في القرن العشرين، وبصرف النظر عن الكشف عن جوانب مثيرة للاهتمام لكل بلد، فإنها تثير أيضاً أسئلة مهمة للبحث في المستقبل.
كما يحدث في جميع الكتب الجماعية، فإن فصول هذا الكتاب متفاوتة في الجودة. وعلى الرغم من أن كل واحدٍ منها تمكّن من رسم الخطوط العريضة للسياسات الزراعية للبلدان التي تناولها، فإن البعض منها ركّز بشكل رئيسي على التمثيل الأيديولوجي للخطاب الفاشي. إن المزيد من الاهتمام باستخدام عوامل الإنتاج ومستوى مكاسب الإنتاجية وأسبابها أمرٌ مرغوب به في بعض الحالات. ومع ذلك، فإن التقييم الشامل للكتاب يجب أن يكون إيجابياً. نحن نتعامل مع كتابٍ مثير للاهتمام ومفيد ليس فقط لفهم أفضل للسياسات الزراعية في فترة ما بين الحربين ولكن أيضاً لتعميق المعرفة بالأيديولوجية الفاشية نفسها.
(*)لورينزو فرنانديز برييتو، خوان بان-مونتيو وميغيل كابو، المحررون، الزراعة في عصر الفاشية: التكنوقراطيا السلطوية والتحديث الريفي، 1922-1945. تيرهاوت، بلجيكا: بريبولس للنشر، 2014. 261 ص 64 € (غلاف عادي)، ISBN: 978-2-503-55248-4.
Lourenzo Fernández Prieto, Juan Pan-Montojo and Miguel Cabo, editors, Agriculture in the Age of Fascism: Authoritarian Technocracy and Rural Modernization, 1922-1945. Turnhout, Belgium: Brepols Publishers, 2014. 261 pp. €64 (paperback), ISBN: 978-2-503-55248-4
(**)نشر العرض في موقع شبكة التاريخ الاقتصادي EH.Net (كانون الأول/ديسمبر 2015)
http://eh.net/book_reviews/agriculture-in-the-age-of-fascism-authoritarian-technocracy-and-rural-modernization-1922-1945/
جميع الحقوق محفوظة لشبكة التاريخ الاقتصادي EH.Net (c)
Reviewed for EH.Net by Iñaki Iriarte-Goñi, Department of Applied Economics and Economic History, University of Zaragoza.
Iñaki Iriarte-Goñi is senior lecturer of Economic History in the University of Zaragoza. He specializes in agrarian history. His main lines of research are common land and property rights and the economic history of forest and forest products. Recent publications include “Not Only Subterranean Forests: Wood Consumption and Economic Development in Britain (1850–1938),” Ecological Economics, 2012 (with M.I. Ayuda) and “Commons and the Legacy of the Past: Regulation and Uses of Common Lands in Twentieth-Century Spain,” International Journal of the Commons, 2015 (with J.M. Lana).
(***) باحث وكاتب عراقي

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

تعليقات (3)

  1. في الرد على دعوة للمشاركة | خطــــــــــــ٣٠:

    […] الغذائية، وأيضاً لوقف استيراد القمح من الخارج، أن يتم تعميم عدة أنواع مصنعة من القمح ترتفع فيها نسبة الجلوتين، وتم […]

  2. مصباح كمال
    مصباح كمال:

    عزيزي الأستاذ عمر الجميلي
    تحية طيبة
    يمكنك مخاطبتي على العنوانين التاليين:
    misbahkamal@btinternet.com
    misbahkamal@hotmail.co.uk
    مع التقدير.

  3. عمر الجميلي
    عمر الجميلي:

    الأستاذ الفاضل مصباح كمال المحترم.
    يرجى التكرم بتزويدي بالعنوان الالكتروني لجنا
    بكم الكريم حيث يوجد لدي مشروع للتعاون العلمي معكم. عسى ان نستطيع تحقيقة معا.

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: