ملف الكفاءات العلميّة

د. لبيب سلطان: لماذا ينأى المثقفون العراقيون بأنفسهم عما يجري

منذ عام 2003 لم يتمكن المثقفون العراقيون من قول كلمتهم بعد عما يجري او ماذا يجب أن يجري في بلدهم الذي كانوا على مدى عقود كاملة بين حلم و أرادة حقيقية للرجوع للمساهمة في بناءه بعد أنفضاض الديكتاتورية الصدامية التي صارعوها لعقود طويلة ورفض لماهية البعث والظاهرة الصدامية . أن هناك المئات بل الألوف من المثقفين والأختصاصيين الوطنيين العراقيين في الخارج الذبن كان ينبغي ان يلعبوا دورا في بناء العراق الجديد – ولا تجد لهم اليوم اثرا في العراق، البلد الذي يكاد يخلو اليوم من اية طاقات بشرية محترفة باي مجال ( لم أرى شخصيا وعلى مدى خمس سنين أن التلفزيون والقنوات قد استضافة شخصية عراقية واحدة تحس أنها متخصصة محترفة لعملها قادرة على التخطيط والبناء والتطويرفي مجالها – مقارنة بما نشاهده من طاقات مصرية مثلا على القنوات ) وهذه نتيجة لتدمير طاقات المجتمع العراقي البشرية وعزله على يد النظام الصدامي ولعقود طويلة بحروبه و بتدمير الطبقة المتوسطة وتجويعها وأذلالها والمؤسسات فكرية أو حكومية وصبغها بصبغة الولاء بدل الوطنية والأحتراف وعزلها عن مجاراة التطور المدني و الدولي.
هناك الكثير من المثقفين الصامتين رغم ان لديهم الكثير مما يجب ان يقولوه أو عمله لمساعدة مجتمع شبه مدمر بقيمه الأعتبارية او المؤسساتية على مستوى الحكومة او بناء مجموعة القيم لتطويرالشخصية العراقية الفردية او الجمعية . أن كل مايراه العراقيون ويسمعونه اليوم هو روزخونية خرافية من أحاديث دينية أو انفاس طائفية اومن أعضاء بالبرلمان انتخبوا لكونهم سنة أوشيعة , لا لخبير في البيئة او التخطيط الحضري أو الأجتماعي او الشؤون الدولية – فهؤلاء لايوجد منهم في العراق ,ان وجدوا فهم بثقافة القرون الوسطى الصدامية – يحمد هذا ويذم ذاك ولا يؤمنون بالعلم وأدواته بل بالتطبيل وأدواته.

شخصيا، انا واحد من المثقفين المنزوين في العراق، رجعت من الولايات المتحدة قبل 5 سنوات الى العراق لأقدم ما استطيع , ويلومني الجميع كوني صامت. احمل صفتين احداهما كوني أعمل في مجال حقوق الأنسان وتطوير المجتمع المدني وكنت أراس منظمة هامة في الولايات المتحدة لتطويرمفاهيم المجتمع المدني في العراق للسنوات التي سبقت أسقاط صدام وضمت المئات من أهم عقول وطاقات المثقفين العراقيين وتدعى ( المنظمة الوطنية للمجنمع المدني في العراق) واني رجعت لأعمل منفردا في تطوير مجال الطاقة المتجددة ” والشمسية تحديدا، ونجحت في ذلك بخطوة نادرة لايمكن اعتبارها قياسا في ظروف العراق الحاليةرغم كوني أستاذ سابق للهندسة الكهربائية في جامعة كاليفورنيا – وفي هذه الولاية لايعني الأستاذ ” مدرسا” كونها ولاية تكنولوجية وبكون الأستاذ اقرب الى مدير مشاريع لشركات تكنولوجية جديدة منه الى مدرس –وكالقاعدة الجارية يحارب في العراق من يعمل أو يتصرف بصدق و احارب اليوم من 20 جهة بين من يريد رشوة (من أعلى الهرم لأدناه) ومن يريد ان يكون ذلك باسم تيار أسلامي او بعضهم يظنني رجل أعمال واخرون يعتبرني مجرد حالم يؤمن بان هناك مجالا لأصلاح البين في العراق – وهذا يبدو لي اقرب للحقيقة .
أن صفتي الأولى هي وحالي حال المئات من المثقفين العراقيين الذين فيها – كنا نحلم ببناء عراق جديد مزدهربعد السقوط – وجلهم غادر العراق منذ عقود كونهم اما يساريون او مثقفون وكلاهما التقيا بنقطة واحدة وبعد عقود من التطوروالنقد والتحليل – تبني المفاهيم الليبرالية لبناء الدولة المدنية الغير مؤدلجة ( لاشيوعية ولا دينية ولا قومية) وجعل تطوير المجتمع على اساس حقوق الفرد ( وليس الجماعة) والأعتراف بشخصنة الفرد وحقوقه وخصوصيته كأساس للمجتمع المدني ودولة مدنية كنا نصيغها في أذهاننا لبناء العراق الجديد –وهي حقائق قد وصل اليها أغلب المثقفين العراقيين بعد مراجعاتهم لكامل تجاربهم السابقة – سواء شيوعيين ام ماركسيين ام مستقلين او تكنوقراط او أسلاميين متنورين–من خلال تحليلاتهم لمعاناة الوضع في العراق وماأنجز من تطور مدني في بلدان أقامتهم.
أن هذه التجربة الهائلة المتراكمة لدى المثقفين العراقيين هي بالضبط ماكان يجب أن يشكل نقطة البدء عند الشروع لبناء العراق الجديد لتجنيبه الوقوع مما نراه اليوم من الأصطفاف الطائفي البالي المصبوغ بمؤسسات منتخبة طائفيا كالبرلمان او تشكيلة الحكومة العراقية الغير كفوءة – والتي استندت اساس المحاصصة وليس على اسس بناء المؤسسات و الوطنية للدولة. لقد أمتنع العراق عن استغلال طاقته البشرية الوحيدة المتوفرة لبناء مستقبله ومؤسساته -وهذه حقيقة واضحة اليوم في العراق.
أني اعتقد اني اوصلت القارئ للنقطة الأساس ” أمتناع العراق عن استغلال طاقته البشرية الوحيدة المتوفرة لديه من مثقفيه ” هل فعلا يحتاج المجتمع العراقي لخدمات مثقفيه وكوادره ونخبه المتخصصة المتبعثرة في الخارج أو في الداخل ومنذ عقود ؟ هذا هو جوهر الموضوع- والجواب نعم ولا بان واحد . نعم لأن مثقفي وأختصاصيي البلد تكاد تكون الأداة الوحيدة لأنقاذه من بؤس الأفتقار لدولة ومؤسسات فاعلة مدنية وكفوءة ووطنية .
وكلا- العراق لابحتاج لهم أطلاقا – لأنهم غير طائفيين .,وللأجابة على النقطة التي بدأت منها – لماذا النأي عما يجري والناي لما يجب ان يجري – فكما كابد المثقفون والمتنورون في العراق من حرب صدام عليهم سواء فاليوم – حرب ضروس أخرى عليهم في ظل قيام دويلات الطوائف ( وزارات او مجالس محافظات طائفية بحتة) تقوم ضد بناء مجتمع او دولة عصرية – فهي لهم صراع المصالح – والمثقف هو عدوهم – و تجري حرب ظالمة على عراقيي الداخل من المثقفين والعلمانيين والليبرالين وتخرج جموع جديدة منهم اليوم خارج العراق كما كان الوضع عهد صدام.
والسؤال هو –هل الوضع ميؤوس منه لأخراج العراق من محنته ؟ وهل يمكن لمثقفيه ان يدخلوا لساحته من جديد ليضعوه على قدميه ام ان المثقف ” منفي دائم وغير مرغوب به ” سواء وقت النظام السابق أوالنظام الحالي – وهل من مخرج ؟ هذا ما أحاول الأجابة عنه ، في الجزء القادم ، هذا اذا ما قررت أن ابقى نائيا بنفسي” كما يدعوني البعض ودفعني لكتابة هذه المقالة” والناي هنا هو عن الواقع المر المعقد الذي رايته في العراق – البلد الذي غادرته بعمر 19 عاما بوعي ورجعت اليه بعمر 57 عاما لأساهم بما استطيع لبناءه – وأنا يتم دعوتي بالعراقي “غشيم” –لأني رجعت حالما ، فهل هم محقون ؟ هذا ماسأجيب عليه في الجزء التالي أذا نويت ان لا أناى بنفسي .

 

موقع الاخبار: 21 أغسطس / آب 2013

 

http://alakhbaar.org/home/2013/8/152719.htm

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: