أبحاث نظرية في الفكر والتاريخ الإقتصادي

ألينور أوستروم (1933-2012) الحائزة على جائزة نوبل في الاقتصاد

Elinor Ostrom
(1933-2012)
http://www.econlib.org/library/Enc/bios/Ostrom.html
The Concise Encyclopaedia of Economics
Copyright © Liberty Fund, Inc.
 
 
ترجمة: مصباح كمال
 
 
في عام 2009، حازت إلينور أوستروم، جنباً إلى جنب أوليفر وليامسون، على جائزة نوبل في الاقتصاد. أوستروم، المرأة الوحيدة التي فازت بالجائزة في أي وقت مضى، فازت بها بفضل “تحليلها للإدارة [الحوكمة] الاقتصادية، وخاصة إدارة المشاعات commons.” فقد أثبتت “كيف يمكن إدارة الملكية المحلية بنجاح من قبل المشاعات المحلية دون أي تنظيم [رقابة] من قبل السلطات المركزية أو عن طريق الخصخصة”.
 
طبقت أوستروم في بحوثها نظرية الاختيار العقلاني rational choice theory وأفكار مستلة من اقتصاديات التنمية على الحفاظ على البيئة، رغم أنها لم تخضع إلا إلى القليل من التدريب الاقتصادي المنهجي، إذ أن كل الشهادات التي حصلت عليها كانت في مجال العلوم السياسية. ربما لهذا السبب، تختلف أوستروم عن معظم الاقتصاديين الجدد، مستندة في أبحاثها على دراسات الحالة. فقد درست الترتيبات في مجال الري والثروة السمكية، واستخدام الغابات في عدد كبير من البلدان، بما في ذلك نيبال، اسبانيا، اندونيسيا، نيجيريا، بوليفيا، السويد، والولايات المتحدة.
 
معظم الاقتصاديين على دراية بالمقالة الكلاسيكية للراحل غاريت هاردن Garrett Hardin “مأساة المشاعات”. كانت فكرة هاردن تقول إنه عندما لا يكون مورداً من الموارد مملوكاً لأحد فإنه يُستعمل بشكل مبالغ به لأنه ليس هناك من يستطيع السيطرة على استعماله وأن كل شخص لديه الحافز لاستعماله قبل الغير. وقد ساعدت هذه الرؤية في فهم الكثير من أشكال السلوك البشري، ودفعت الناس للدعوة إما إلى الملكية الفردية للمورد أو إدارته من قبل الحكومة[1].
 
إن كتابات أوستروم، وخلافاً للتفكير التقليدي، تبين أن الجماعات البشرية قادرة على تنظيم نفسها بطرق تنطوي على معاقبة أولئك الذين يستعملون الموارد المشاعة بدون مقابل. ففي دراستها للعشرات من الترتيبات في العالم الحقيقي، وجدت حالات من الملكية الجماعية communal ownership تعمل بشكل اعتيادي – أي أنها لم تؤدي إلى النتائج المأساوية التي تصورها هاردن – مثلما وجدت حالات لم تعمل كما يجب. تُرى هل كانت هناك اختلافات منهجية بين هذه الحالات؟ الجواب هو نعم. والمثير للاهتمام، أن تلك الحالات التي كانت تعمل بشكل اعتيادي فيها نوع من أنواع نظام حقوق الملكية، ولكنه ليس نظاماً للملكية الفردية. وبناء على عملها، اقترحت أوستروم عدة مبادئ توجيهية، أبرزتها لجنة نوبل، لإدارة الموارد المجمعة المشاعة [أو المشتركة] common-pool resources. ومن بين هذه التوجيهات أن القواعد ينبغي أن تُحدد بوضوح لتحديد من يحصل على ماذا، وينبغي أن تكون هناك طرق جيدة لحل النزاع، وواجب الناس في الحفاظ على الموارد ينبغي أن يكون متناسباً مع فوائدها، وأن يكون الرصد [الرقابة] والعقاب من قبل مستعملي الموارد أو أي شخص يكون مسؤولاً أمام المستعملين، والسماح للمستعملين للمشاركة في وضع وتعديل القواعد. لاحظْ [في هذه التوجيهات] عدم وجود حلول حكومية فوقية [من الأعلى إلى الأسفل].
 
في مقالة لها عام 2006 كتبتها بالاشتراك مع هاريني ناجيندرا Harini Nagendra، كتبت أوستروم: “نخلص إلى أن الصيغ البسيطة التي تُركز على الملكية الرسمية، لا سيما الملكية التي تستند فقط على الملكية العامة [الحكومية] لأراضي الغابات، لن تحل مشكلة استعمال الموارد.” وهذا، كما يُعتقد، سببه إلى حد كبير هو أنه “عندما يشترك المستعملين حقاً في صنع القرارات المتعلقة بالقواعد التي تؤثر على استعمالهم [للموارد]، فإن احتمال التزامهم بالقواعد ومراقبة الآخرين هو أكبر بكثير عندما تقوم السلطة [الحكومة] وببساطة بفرض قواعد.”
 
في الواقع، وفي مقابلة عام 2008 مع برنامج الحديث الاقتصادي EconTalk1، أشار الاقتصادي كارول بودريو Karol Boudreaux من مركز ميركاتس Mercatus Center أن غارث أوين سميث Garth Owen-Smith، الذي ساعد في حل مشكلة الفيلة كموارد مشاعة في ناميبيا، اعتمد صراحة على مؤلفات أوستروم. وكان الحل الذي تقدم به هو ضمان مشاركة السكان المحليين في المنافع المالية من السياحة وجوائز الصيد. فإذا استفاد السكان المحليون من وجود أعداد مقيمة من الفيلة، فمن المرجح أنهم أقل عرضة للاصطياد بطريقة غير قانونية وأكثر احتمالاً لوقف الصيادين الذين يصطادون بدون إذن.
 
يمكن العثور على أشكال التنظيم المماثلة لتلك التي قامت أوستروم بدراستها في كثير من حالات التفاعلات البشرية الأخرى. فالألعاب الرياضية المنظمة توفر أحد الأمثلة على ذلك. فالمنظمات الرياضية، بدءاً من الألعاب المحلية غير الرسمية وانتهاءاً بالرابطة الوطنية لكرة القدم، تخلق أو تقنن القواعد الداخلية الخاصة بها وإدارتها من قبل المشاركين فيها. إن حكومة الولايات المتحدة لم تقرر اعتبار “البداية الزائفة” “false-start” ركلة جزاء في كرة القدم، على سبيل المثال، ومع ذلك فإن الفريق الذي يخضع للجزاء يحترم هذه القاعدة.
 
قام البعض بتلخيص مؤلفات أوستروم بالقول أن المؤسسات الأخرى عدا الأسواق الحرة تعمل في كثير من الأحيان بشكل جيد. ولكن النتائج التي توصلت إليها لا تتعارض مع الاقتصاد الحر: فقد لاحظت أن المجتمعات المحلية تقوم بإدارة الموارد المشتركة على نحو مستدام دون أي تخطيط مركزي. وكانت أوستروم تدعو إلى تشتيت مراكز القرار، بدلاً من التسلسل الهرمي من أعلى إلى أسفل، وذلك لأن الجهات الفاعلة المحلية تمتلك معلومات لا تستطيع امتلاكها مجموعة تتولى التخطيط المركزي. وكانت شكوكها حول التخطيط المركزي يستند، في جزء منه، على مدى سوء عمل الحلول من أعلى إلى أسفل في البلدان الفقيرة. وعلاوة على ذلك، فإن التنوع المؤسسي يسمح للأفكار أن تتنافس فيما بينها.
 
حصلت أوستروم على البكالوريوس في عام 1954، وعلى الماجستير في عام 1962، والدكتوراه في عام 1965، وكلها في العلوم السياسية من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس UCLA. وكان الحصول على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا في أوائل ستينيات القرن العشرين يشكل تحدياً للمرأة. في سيرتها الذاتية على موقع نوبل، كتبت أوستروم ما يلي:
 
كان [القائمون على قسم] العلوم السياسية في ذلك الوقت متشككين أيضاً في قبول النساء لدراسة الدكتوراه لانهم يخشون من أنه لن توظف امرأة تحمل شهادة دكتوراه سوى إحدى الكليات [المغمورة] في أحد المدن. وكلية من هذا النوع لم يكن مكاناً مناسباً لبناء سمعة قسم العلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس. ومع ذلك، فقد تمَّ قبولي في صف من 40 طالباً مع ثلاث نساء أخريات. قيل لنا بعد بدء برنامجنا الدراسي أن أعضاء هيئة التدريس كان لهم اجتماع ساخن جداً انتقدوا فيه لجنة القسم لقبول النساء وتقديم المساعدة المالية لهن. لحسن الحظ، فإن طلاب الدراسات العليا من زملائنا الذكور كانوا ودودين وشجعونا جميعاً على مواصلة برنامجنا الدراسي.
 
شغلت ألينور أوستروم كرسي الأستاذية في جامعة إنديانا في بلومينغتون من عام 1965 إلى عام 1991. وفي عام 1973 شاركت مع زوجها، العالم السياسي فنسنت أوستروم، في تأسيس ورشة عمل في النظرية السياسية وتحليل السياسات في جامعة إنديانا، حيث كانت مديراً مشاركاً حتى 2009.
 
Selected Works
 

  1. Governing the Commons: The Evolution of Institutions for Collective Action. New York: Cambridge University Press

 

  1. “A Behavioral Approach to the Rational Choice Theory of Collective Action.” The American Political Science Review Vol. 92, No. 1 (Mar., 1998): 1-22.

 

  1. Understanding Institutional Diversity. Princeton: Princeton University Press.

Footnotes

  1. Karol Boudreaux on Wildlife, Property, and Poverty in Africa. EconTalk, Sept. 22, 2008. http://www.econtalk.org/archives/2008/09/karol_boudreaux_1.html

[1] هامش للمترجم. للتعرف على قراءة نقدية لأطروحة “مأساة المشاعات” أنظر:
Ian Angus, “The Myth of the Tragedy of the Commons,” MRzine, 25/08/2008
http://mrzine.monthlyreview.org/2008/angus250808.html
 

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

تعليقات (5)

  1. مصباح كمال
    مصباح كمال:

    عزيزي الأستاذ عمر الجميلي
    أنا مسرور لانشغالك في دراسة الاقتصاد العراقي من منظور الاقتصاد المؤسسي. ويبدو لي أن دراستك ستكون في عين الوقت مساهمة في كتابة بعض جوانب التاريخ الاقتصادي للعراق. يقيني أن العديد من قراء الشبكة ينتظرون نشر دراستيك.
    لك كل التوفيق في عملك.
    مع خالص التقدير.

  2. مصباح كمال
    مصباح كمال:

    أشكر الأستاذ عمر الجميلي على تنبيهنا بأن الاقتصادية ألينور أوستروم، التي حازت على جائزة نوبل، تنتمي إلى مدرسة الاقتصاد المؤسسي الجديد، وتذكيرنا بأن دوغلاس نورث الذي يشار إليه بأنه ساهم بوضع إطار البحث الذي يقوم عليه هذا الاقتصاد هو الآخر حاز على جائزة نوبل. (يرجع البعض تاريخ المدرسة إلى مساهمات أولية من آخرين كثورستين فيبلين ورونالد كويز وغيرهما).
    فضل الاقتصاد المؤسسي الجديد يقوم على توسيع المنظور للظواهر الاقتصادية ليشمل الكشف عن المعايير الاجتماعية والقانونية (المؤسسات) التي لم يهتم بها ممارسو الاقتصاد الكلاسيكي.
    ويذكرنا الأستاذ الجميلي بأن العاملين في مجال الاقتصاد المؤسسي الجديد يتناولون ظاهرة تفاوت مسار التنمية والتطور الاقتصادي بين بلدان العالم.
    اعتذر عن جهلي ولكن ترى هل قام أحد الاقتصاديين العراقيين بتطبيق قواعد الاقتصاد المؤسسي الجديد على النشاط الاقتصادي في العراق؟

    • عمر الجميلي
      عمر الجميلي:

      الدكتور بارق شبر المحترم.
      الأستاذ الفاضل مصباح المحترم.
      شكرا على تفضلكما بالاجابة على تعليقي. اني أقوم بالوقت الحاضر باستكمال دراسة حول الاقتصاد العراقي من منظور ( الاقتصاد المؤسسي الحديث) وذلك بتناول قطاعي الزراعة والنفط كلا على انفراد. في الأول أركز على تطور حقوق الملكية للأراضي الزراعية للفترة من 1858-1958. فيما اتناول اثار أالتغيير المؤسسي المفاجىء على الاقتصاد العراقي للفترة 1971-2013 متضمنا ماترتبب بعد 2003. و لتعميم الفائدة ساقوم باعداد بعض الملخصات باللغة العربية عن ذلك في وقت لاحق. مع كل التقدير والاحترام.

  3. عمر الجميلي
    عمر الجميلي:

    الأستاذ مصباح يقدم اشارة مفيدة لاعمال وسيرة حياة الاقتصادية ألينور أوستروم الحائزة علة جائزة نوبل. ومن المهم الإشارة انها تننتمي الى مدرسة (الاقتصاد المؤسسي الجديد )والتي تضم أيضا دوغلاس نورث الحائز هو الاخر على الجائزة المذكورة في اعلاة.
    الاقتصاد المؤسسي يمثل إضافة مهمة للفكر الاقتصادي بفعل عدم قدر الاقتصاد الكلاسيكي الحديث الإجابة عن تساؤل مهم وهو باختصار لماذا بعض الدول اخذت مسار التنمية والتطور الاقتصادي فيما لازالت العديد من الدول غير قادرة على ذلك. والاقتصاد المؤسسي يحاول الإجابة على هذا التساؤل البسيط والصعب في الوقت نفسة.

    • dr.schuber
      dr.schuber:

      حضرة الزميل الفاضل عمر الجميلي المحترم
      تدعوك هيئة تحرير الموقع لكتابة بحث قصير عن الاقتصاد المؤسسي لنشره على موقع الشبكة
      مع التقدير
      د. بارق شبر

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: