قطاع التأمين الوطني والاجنبي

مصباح كمال: غياب التأمين في مشروع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لتعزيز الحوكمة

misbah kamal

(1)
 
نشرت شبكة الاقتصاديين العراقيين (دليل توزيع الأدوار والمسؤوليات بين (المحافظين ومدراء الدوائر))، المُعد من قبل مشروع تعزيز الحوكمة المموَّل من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.  وكانت الوكالة قد أحالت عقد إعداد هذا الدليل على شركة كيمونكس الدوليةChemonics International  وهي شركة أمريكية مقرها في واشنطن ولها عقود عديدة مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وكانت بعض العقود التي نفذتها موضعاً لانتقاد دائرة المفتش العام للوكالة ذاتها.
 
يستحق هذا التعليق الدراسة من قبل المختصين بالحكومات (الإدارات) المحلية خاصة وأنه ليس معروفاً إن ساهمت أية جهة عراقية في استقصاء الأوضاع المحلية أو كتابة الدليل.
 
(2)
 
يغطي الدليل (211 صفحة)
 

  • توزيع الأدوار والمسؤوليات والصلاحيات المقترحة بين المحافظ ومدراء الدوائر لقطاع الصحة.
  • توزيع الأدوار والمسؤوليات والصلاحيات المقترحة بين المحافظ ومدراء الدوائر لقطاع التعليم.
  • توزيع الأدوار والمسؤوليات والصلاحيات المقترحة بين المحافظ ومدراء الدوائر لقطاع الإسكان والإعمار.
  • توزيع الأدوار والمسؤوليات والصلاحيات المقترحة بين المحافظ ومدراء الدوائر لقطاع البلديات.

 
وهناك خيط مشترك في جميع هذه الفصول يضم الوظائف الفنية والتخصصية، والوظائف الإدارية والمالية، والوظائف القانونية.  ويأتي العرض من خلال تبويب المقترحات في جداول كل منها يضم حقلاً لوصف الوظيفة، وحقلاً للصلاحيات المقترحة لمدير كل دائرة، وحقلاً للصلاحيات المقترحة للمحافظ.  لا يضم الدليل مدخلاً عاماً لعرض خلفية الدليل، والفترة التي تم فيها إعداده، والأفكار والتطبيقات العملية المعتمدة، إلا أن بعض فصول الدليل تشير إلى خلفيات قانونية مع شيء من التعليق من باب التقديم.
 
(3)
 
تصفّحتُ هذا الدليل على عجل بهدف الاطلاع على محتوياته والتحري عن حضور التأمين في الصلاحيات المقترحة لمدراء الدوائر في المحافظات أو الصلاحيات المقترحة للمحافظين.  لا يرد في الدليل أي ذكر للتأمين بمعناه الاصطلاحي رغم أن المحافظات لها ممتلكات مختلفة وتتولى إدارتها ويمكن أن تتعرض لأضرار مادية أو مسؤوليات قانونية تجاه مستعمليها أو المستفيدين منها أو غيرها من أطراف ثالثة.
 
سأركز فيما يلي، باختصار، على بعض ما ورد في توزيع الأدوار والمسؤوليات والصلاحيات المقترحة بين المحافظ ومدراء الدوائر لقطاع الصحة، فيما يخص غياب التأمين تحديداً.
 
(4)
 
يرد في الصفحة (8) بشأن وظيفة “التعاقد لتنفيذ المشاريع الاستثمارية وتشييد المستشفيات وباقي المؤسسات الصحية” الصلاحيات المقترحة التالية لمدير الصحة:
 

  • صياغة عقود المشاريع الاستثمارية.
  • توقيع وتنفيذ العقود حسب تعليمات تنفيذ الموازنة.
  • اقتراح بناء المراكز الصحية وفق الضوابط المركزية المُعدة من وزارة الصحة وإنشاء مصارف الدم في المحافظات ضمن معايير وزارة الصحة وإنشاء وتهيئة مستلزمات مراكز الإسعاف الفوري وكل ما يتعلق بها من معدات ضمن معايير معتمدة وبالتنسيق مع وزارة الصحة وإنشاء مراكز تأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة ومصانع الأطراف الصناعية وتوفير المستلزمات الخاصة بذلك.
  • تهيئة المتطلبات للمشاريع الصحية والتي تدخل ضمن الخطة الاستثمارية وحسب متطلبات وزارة التخطيط وإعداد المتطلبات وتخصيص قطع الأراضي وإدراج المشاريع ومن ثم وثائق المناقصة.
  • تشكيل دوائر المهندس المقيم واقتراح منْح الصلاحيات الإدارية والفنية والمالية.
  • تدقيق ومصادقة المخططات وجداول الكميات لكافة المشاريع الصحية (عدا مستشفيات 200 سرير فما فوق والمراكز التخصصية).

 
كل هذه المقترحات يمكن أن تكون موضوعاً للتأمين الهندسي.  صحيح أنه يمكن للمحافظة، عند صياغة عقود المشاريع الإنشائية، أن تحوّل مسؤولية التأمين على المقاول الذي يقوم بالأعمال الإنشائية لكن ذلك لا يعفيها من مهمة الإشراف على الأعمال وضمان حسن تقدمها وغيرها من المهام التي تقع على عاتقها كرب عمل.
 
وتحت عنوان “الوظائف الفنية والتخصصية” (ص 10) يذكر الدليل الصلاحيات المقترحة لمدير عام الصحة وهي:
 

  • تحديد المخاطر وتقييمها.
  • إعداد خطة طوارئ سنوية وتحديثها.
  • تحديد الكلف المالية التقديرية لخطة الطوارئ.

 
“تحديد المخاطر وتقييمها” هي من بين الإجراءات المستخدمة في إدارة أخطار المنشآت إضافة إلى إجراءات أخرى (منع هذه المخاطر أو التقليل من فرص وقوعها أو التخفيف من آثارها.  ومنها أيضاً التفكير بسبل تحويل الأعباء المالية المترتبة على تحقق هذه المخاطر من خلال صندوق مالي مخصص للطوارئ (وهو ما يشبه التأمين الذاتي) أو من خلال تحويل هذه الأعباء إلى شركات التأمين لقاء قسط تأمين معلوم.
 
خطة الطوارئ السنوية annual contingency plan وكذلك الكلف المالية التقديرية لها علاقة بالتأمين أيضاً، إن كان المراد منها هو ضمان توفير الخدمات عند تحقق مخاطر توقف العمل.
 
وسؤالي هو: لماذا لا يجد التأمين حضوراً له ضمن الصلاحيات المقترحة للمدير أو المحافظ؟
 
نجد غياب التأمين أيضاً في بالنسبة لوظيفة “إدارة الأملاك والتصرف بها” (ص 25) إذ يحدد الدليل الأدوار والمسؤوليات المقترحة لمدير هذه الدائرة كما يلي:
 

  • شطب الموجودات المفقودة والمتضررة والتالفة لأي سبب كان إذا كانت قيمتها الدفترية لا تزيد عن 5,000,000 خمسة ملايين دينار [الصلاحية المقترحة للمحافظ هي 50,000,000 مليون دينار].
  • تأجير الأبنية للمراكز الفرعية.
  • تقديم المشورة الفنية والقانونية [و] متابعة شؤون أملاك الدائرة.
  • تأجير العمال والآليات والمعدات بالأسعار السائدة.

 
جميع هذه الفقرات لها بُعدٌ تأميني: شطب الموجودات معناه خسارة تامة بالإمكان التعويض عنها إن كانت الموجودات المفقودة والمتضررة والتالفة خاضعة لحماية تأمينية.  تأجير الأبنية يترتب عليه مسؤولية قبل المالك أو المستأجر يمكن أن يكون موضوعاً للتأمين كممتلكات مادية ومسؤوليات قانونية لقاء اشغال الممتلكات.  وقل مثل ذلك عن تقديم المشورة الفنية والقانونية التي يمكن أن تكون موضوعاً لوثيقة التأمين من المسؤولية المهنية.  وكذا الحال بالنسبة لتأجير العمال والآليات والمعدات إذ يتوجب تحديد الطرف المسؤول عن الإصابات التي قد تلحق بالعمال أو الأضرار التي تلحق بالآليات والمعدات نتيجة لحوادث غير متوقعة.
 
(5)
 
يحتل التأمين مكانة مهمة ضمن الوظائف التي تقوم بها الحكومات المحلية في البلدان المتقدمة.  البعض منها تؤمن على المخاطر المادية والمسؤوليات الناشئة عن أداء وظائفها من خلال التأمين الذاتي، أي أنها لا تلجأ إلى سوق التأمين التجاري؛ أو تتعاون فيما بينها لتكوين شركة تبادلية mutual تقوم بالوظيفة التي تقدمها شركات التأمين التجاري؛ أو تلجأ إلى سوق التأمين التجاري المفتوح لتشتري منه ما تحتاجه من حماية تأمينية.
 
كان بإمكان الشركة الاستشارية التي أعدت الدليل الاستفادة من تجربة شركات التأمين التبادلية في الولايات المتحدة الأمريكية المتخصصة بالتأمين عل ممتلكات الإدارات المحلية، أو تجربة بعض الدول الأوروبية.
 
ترى هل أن غياب الوظيفة التأمينية في الدليل جاء لقناعة مُعدّي الدليل أن هذه الوظيفة ليست موضوعاً للحوكمة التي ترغب بها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية؟  أم أنه جاء نتيجة سهو؟
 
مصباح كمال
11 حزيران 2017

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

تعليقات (1)

  1. مصباح كمال
    مصباح كمال:

    الإدارات المحلية والتأمين: حريق برج سكني في لندن
    في العرض النقدي لمشروع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لتعزيز الحوكمة في المحافظات العراقية كتبتُ التالي:
    “يحتل التأمين مكانة مهمة ضمن الوظائف التي تقوم بها الحكومات المحلية في البلدان المتقدمة. البعض منها تؤمن على المخاطر المادية والمسؤوليات الناشئة عن أداء وظائفها من خلال التأمين الذاتي، أي أنها لا تلجأ إلى سوق التأمين التجاري؛ أو تتعاون فيما بينها لتكوين شركة تبادلية mutual تقوم بالوظيفة التي تقدمها شركات التأمين التجاري؛ أو تلجأ إلى سوق التأمين التجاري المفتوح لتشتري منه ما تحتاجه من حماية تأمينية.”
    وقد سمعنا وقرأنا وشاهدنا أخبار الحريق الضخم في الساعات الأولى من صباح يوم 14 حزيران الذي التهم برج غرينفيل السكني المكوّن من 24 طابقاً في شمال كنزنغتون في غرب لندن وأدى إلى مصرع 12 شخصاً. (للتفاصيل راجع:http://www.bbc.com/arabic/world-40269456 )
    الأبعاد التأمينية لهذا الحادث الضخم ليست معروفة في الوقت الحاضر (حجم الخسائر المادية، المسؤوليات القانونية للإدارة المحلية وربما مسؤوليات الشركة التي قامت بتجديد البرج الذي شُيدَّ في أوائل سبعينيات القرن الماضي، إدارة أخطار الأبراج السكنية العالية). ما يهمنا لأغراض هذا التعليق، وما يؤكد ما ذكرناه في مقالتنا، هو ما أوردته بعض المصادر التأمينية أن الإدارة المحلية لقصبة كنزنغتون وتشلسي الملكية Royal Borough of Kensington and Chelsea قامت بتأمين ممتلكاتها ومسؤولياتها المدنية من خلال أحد وسطاء التأمين، وأن التأمين الأساسي تمَّ في سوق لويدز وهيئات تأمينية أخرى، وأن هناك غطاء لإعادة التأمين مع شركة نرويجية.
    وهذا مثل على لجوء إدارة محلية إلى سوق التأمين التجاري لشراء الحماية التأمينية. وقد دأبت الإدارة على شراء التأمين على مرّ السنين ومن خلال استدراج عروض تنافسية بين مجموعة من وسطاء التأمين في سوق لندن.
    مصباح كمال
    14 حزيران 2017

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: